فايننشال تايمز: «تسلا»… الغموض يكتنف مستقبل صناعة السيارات الألمانية
تراجعت عمليات تسجيل السيارات في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي 23.5% الشهر الماضي
النشرة الدولية –
لم تكن أهمية جهاز آيفون عند إطلاقه عام 2007 هي أنه هاتف أفضل أو كاميرا متفوقة أو مشغل MP3 محسن.
كما أنه لم يكن مجرد شاشة تعمل باللمس أو شاشة عريضة أو مجموعة من التطبيقات. كانت أهميته أن كل هذه الأشياء تكمن في جهاز واحد: في “تقنية متقاربة”، كما يقول المؤلف ماريو هيرجر.
حتى الآن، كما أورت صحيفة فايننشال تايمز، أنه لم تحدث “لحظة آيفون” مماثلة في صناعة السيارات، ولكن من السهل تخيل ما ستبدو عليه: “غرفة معيشة على عجلات” ذاتية القيادة وتعمل بالكهرباء، ومتصلة بالشبكة بشكل آمن، وتتم مشاركتها في أحيان كثيرة بين المستخدمين بدلاً من شرائها.
قد لا يكون من الواضح بعد من الذي سيبنيها، لكن السوق متأكدة من شيء واحد، لن يكون الألمان في الغد هم الألمان منذ عصر اختراع السيارة.
حتى في الوقت الذي تواصل فيه شركات صناعة السيارات الألمانية الثلاث الكبرى تسجيل مبيعات قياسية للسنة الثامنة على التوالي، إلا أن تقييمات شركات بي إم دبليو وديملر وفولكس فاجن هي الآن عند أدنى مستوياتها منذ الأزمة المالية.
هناك شكوك كبيرة في أن الأرباح الحالية يمكن الحفاظ عليها، وهناك بعض التساؤلات حول ما إذا كانت صناعة السيارات الألمانية ستنجو من هذا التحول في الصناعة.
يقول ماكس واربيرتون، المحلل في وكالة برنشتاين: “قيمة شركات صناعة السيارات الكبرى تبدو وكأن هناك توقعات بأنها ستفلس قريبا. الأسهم تخبرنا أن هناك ركودا عاصفا في الطريق إلى صناعة السيارات فحسب، وليس في الاقتصاد الأوسع”.
في الوقت الأكثر أهمية للسيارات منذ اختراع محرك الاحتراق الداخلي، يجلب كل أسبوع تطورات سلبية لهذه الصناعة. تراجعت عمليات تسجيل السيارات في الاتحاد الأوروبي الشهر الماضي عندما بدأ تطبيق المعايير الجديدة للانبعاثات، في حين هناك تهديدات بحظر استخدام الديزل من لندن إلى براغ.
تجلب المشاعر الحمائية والـ”بريكست” حالات جديدة من مشاعر اللبس، لقطاع يعتمد بشدة على سلاسل التوريد العالمية لتصنيعها “في الوقت المناسب”.
تأتي هذه التطورات على رأس التحديات التي تواجه شركات صناعة السيارات، في الوقت الذي تستثمر فيه مبالغ كبيرة في تكنولوجيا البطاريات والبرمجيات المستقلة، وهي في كل ذلك تحاول الحفاظ على قيمة علاماتها التجارية، في الوقت الذي يفكر فيه المستهلكون أكثر حول تطبيقات لوحة القيادة، ويفكرون بشكل أقل في شأن مقارنة قدرة السيارة بالحصان.
تقول ليندا كونج تينج، مديرة الدخل الثابت العام لدى شركة صن لايف لإدارة الاستثمار: “يواجه قطاع السيارات في الواقع الموت بسبب آلاف الجروح الصغيرة. عندما يُنظَر إلى العوامل كل على حدة، لا يوجد عامل فرد يبدو أنه سيغرق السوق، لكن حين تتضافر العوامل جميعا فستكون هناك مشكلة في مرحلة ما – كل ما في الأمر أننا لا نعرف متى ستحل تلك اللحظة”.
في حالات لا تحصى، تبدو شركات صناعة السيارات الألمانية هي الأسوأ حالا.
عندما تراجعت عمليات تسجيل السيارات في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي 23.5 في المائة في الشهر الماضي؛ بسبب التراجع في التسليم نتيجة للمعايير الجديدة للانبعاثات، أدى الانخفاض إلى تراجع 31 في المائة في ألمانيا.
وشهدت سيارة أودي، وهي الوحدة الأكثر رقيّا وربحًا في شركة فولكس فاجن، انكماشًا 56 في المائة – ما أضاف مزيدا من الألم إلى شركة تعاني أزمة قيادة منذ أن تم القبض على روبرت شتادلر الرئيس التنفيذي السابق، لدوره المزعوم في فضيحة الديزل في حزيران (يونيو) الماضي. لقد أزاحته شركة فولكس فاجن من منصبه هذا الشهر.
في معظم المدن العالمية، تعد قرارات حظر وقود الديزل أكثر من كونها مجرد نقطة للمناقشة، ولكن في ألمانيا، أثارت محكمة فيدرالية مفعول الدومينو في شباط (فبراير) الماضي، عندما انحازت إلى مجموعات بيئية، وقالت إن الحظر وسيلة فعالة لتنظيف الهواء في 70 مدينة ألمانية تنتهك قوانين التلوث في الاتحاد الأوروبي.
يشار إلى أن هناك في الأصل قيودا على القيادة في هامبورج، وفي العام المقبل من المقرر فرض قرارات حظر أكثر اشتمالا في برلين وشتوتجارت وفرانكفورت.
وفي الحرب التجارية المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين، فإن من المفارقة أن تكون شركتا بي إم دبليو وديملر بنز هما الأكثر عرضة للخطر؛ لأنهما بدلاً من بناء سياراتهما الرياضية ذات التكلفة العالية في ألمانيا؛ حيث الأجور مرتفعة والنقابات العمالية القوية، استثمرتا بشكل كبير في بلد ترمب: بالذات في ولايتي ساوث كارولينا وألاباما.
تصدر شركة بي إم دبليو أكثر من 70 في المائة من سياراتها الأمريكية الصنع، حيث تم تصدير أكثر من 100 ألف منها إلى الصين العام الماضي.
وهي الآن تخضع لرسوم جمركية 40 في المائة، ما يهدد فائض تجارة السيارات البالغ 11.6 مليار دولار، الذي تتمتع به الولايات المتحدة مع الصين، وذلك وفقاً لوكالة فيتش. علاوة على ذلك، أطلقت بروكسل تحقيقا رسميا في التواطؤ المزعوم بين شركات صناعة السيارات الألمانية، أخيراً، بسبب بطء تطبيق تكنولوجيا الانبعاثات.
التهديدات التي تواجه صناعة السيارات الألمانية يمكن أن تكون وجودية، وفقا لهيربرت ديس، الرئيس التنفيذي لشركة فولكس فاجن.
وقال لصحيفة سودوي دويتشه تسايتونج الألمانية، إن الساسة ينفقون كثيرا من الجهد في تشريع صناعة السيارات، وإيجاد معايير غير معقولة للانبعاثات، في حين يغضون الطرف عن احتمال أن يؤدي ذلك إلى خسارة 100 ألف وظيفة في شركة فولكس فاجن.
وأضاف: “مثل هذه الصناعة يمكن أن تنهار بشكل أسرع مما يدركه كثيرون. ما عليك سوى أن تنظر إلى صناعة السيارات في إيطاليا أو المملكة المتحدة: إنها غير موجودة عمليًا.
في ديترويت، كانت هناك صناعة مزدهرة تضمن مستوى معيشة مرتفعا. ترى الولايات المتحدة والصين الآن فرصة للاستحواذ على الحصة.. أرى فرصنا في الحفاظ على مركز الصدارة عند 50:50”.
في الوقت الحالي، تشير الأرقام الرئيسة إلى أن صناعة السيارات الألمانية ما زالت قوية وصحية.
تقول “ألمانيا للتجارة والاستثمار” وهي هيئة للتطوير، إن 5.5 مليون سيارة خرجت من خطوط إنتاج البلاد العام الماضي، كانت 78 في المائة منها مخصصة للتصدير.
في جميع أنحاء العالم، من المرجح أن تنتج العلامات التجارية في البلاد سيارات برقم قياسي مقداره 16 مليون سيارة هذا العام؛ أي نحو خُمس المبيعات العالمية وثلثي جميع السيارات الفاخرة ذات الهامش الأعلى، حيث الابتكار هو الأساس.
يتم إجراء ثلث الأبحاث والتطوير العالمي حول السيارات في ألمانيا، التي هي موطن أكثر من 800 شركة توريد.
لدى هيئة ألمانيا للتجارة والاستثمار سبب وجيه لوصف هذا بأنه “بيئة السيارات المنقطعة النظير دوليا”، لكنها تعتمد على منتج واحد، وهو سيارات محرك الاحتراق، التي يمكن أن تتوقف عن الوجود في غضون جيل واحد.
ومن المرجح أن تفقد المهارات الهندسية، التي جعلت السيارات الألمانية متميزة عن بقية السيارات، أهميتها نسبة إلى البرامج والبطاريات المستوردة.
ويمكن أن تتحول نقاط قوتها، من الخبرة الفنية بالمحركات إلى مصانع ذات مستوى عالمي، إلى نقطة ضعف في الوقت الذي تشهد فيه الصناعة تحولا جذريا.
يقول ستيفان براتزل، مدير مركز إدارة السيارات في شركة برجيش جلادباخ: “شركات البيانات الكبيرة – الشركات التي من قبيل تنسنت، وعلي بابا، وجوجل – تبني عالمًا جديدًا. على مدى 100 كان عالم السيارات يضع قواعد اللعبة. قلة من الناس فقط كانت تتحكم في الصناعة، خصوصا الألمان. الآن، دور صناعة السيارات الألمانية معرض للخطر”.
إذا حدث التحول نحو السيارة الكهربائية بسرعة، فإن أصول الإنتاج في ألمانيا يمكن أن تتحول إلى أعباء مكلفة. يمكن أن يغلق عدد لا يحصى من شركات التوريد أبوابها، وهي شركات تلعب دورا حساسا في تقديم نحو ثلاثة أرباع المحتويات داخل جميع السيارات.
يقول سفين دارماني، المسؤول العالمي لسلسلة توريد السيارات في شركة إي واي: “الإطار الكامل للسيارة يكون مختلفا عندما تتحول من استخدام البنزين إلى الكهرباء. مصانع بأكملها ستصبح مهجورة. والشركات التي تصنع المكابس وأعمدة المحركات لن تقوم بتصنيع البطاريات. إنها سلسلة إمدادات مختلفة”.
حتى الآن، كان يُعهَد بمقاولات توريد سلسلة الإمدادات الجديدة المذكورة إلى آسيا، حيث تسيطر الصين على أكثر من ثلثي سوق صناعة البطاريات.
وحصة أوروبا العالمية من القدرة التشغيلية لإنتاج البطاريات الحالية والمقررة هي 4 في المائة فقط، وفقا لبيانات وكالة بلومبيرج. وفي الوقت الذي يرى فيه الساسة والتنفيذيون الأوروبيون في قطاع السيارات أن هنالك تهديدا بخسارة موطئ القدم في مجال تكنولوجيا البطاريات، إلا أنهم في شقاق حول ما يجب فعله.
يقول هارالد هندريكسي، المحلل لدى بنك مورجان ستانلي: “الأمر المهم هو أن الأوروبيين يقومون بإعداد أكثر قواعد ثاني أكسيد الكربون تشددا في العالم، لكن سياسة القاعدة الصناعية لم تستجب على الإطلاق”.
أحد الأسباب وراء استجابة ألمانيا البطيئة هو العائدات، فالسيارات الكهربائية غير مربحة حاليا، في حين أن بيع السيارات التي تعمل بمحرك الاحتراق إلى الصين الآخذة في الازدهار، علاوة على أماكن أخرى مربح للغاية.
من عام 2013 إلى عام 2017، ارتفعت الأرباح التشغيلية في شركات صناعة السيارات الألمانية الثلاثة 50 في المائة من 7.73 مليار يورو إلى 11.63 مليار يورو، وفقا لبنك باركليز.
نحو ربع إجمالي السيارات التي بيعت في الصين العام الماضي كانت مصنعة في ألمانيا، وبالنسبة للسيارات الفاخرة كانت النسبة 71 في المائة، وفقا لوكالة آي إتش إس ماركت.
إذا كان التحول إلى السيارات التي تعمل بالبطاريات يحسب بعقود، وليس سنوات، كما يتوقع كثير من المحللين، فحينها أمام الألمان الوقت الكافي لتغيير التركيز، حيث إن لديهم فرصة اختبار ما يمكن أن ينجح وما لا ينجح.
اليوم، تسيطر شركات السيارات الثلاث على حصة ضخمة تبلغ 60 مليار يورو من صافي النقدية؛ أي ثلاثة أضعاف المبلغ الذي كان لديها في آخر مرة تراجعت فيها السوق عام 2008، بحسب ما تقول كريستينا تشيرش في بنك باركليز.
سمحت مثل هذه الأرقام للشركات الألمانية بأن تستهين بالشركات التي من قبيل سيارة تسلا، باعتبارها مجرد شركة منتجة في سوق متخصصة بدلا من كونها شركة ناشئة ومنافسة. الآن، للمرة الأولى هنالك دلائل على أن هذه الحجة بدأت في التداعي.