ضحى المل: “عظمة الكاتب حين يتخلى عن تسع أعشار وعيه المطلق ويكتب بوعيه الباطن”

النشرة الدولية –

إعداد وحوار الشاعرة رانية مرعي –

ضحى عبدالرؤوف المل، من مواليد 1 تموز 1967 طرابلس باب الحديد، امتياز فني تربية حضانية، مارست مهنة التدريس لمدة 18 سنة وإلى جانبها مهنة التجميل، درست سنة علم نفس في الجامعه اللبنانية، قدمت استقالتها فيما بعد للتفرغ للكتابة.

دخلت الصحافة وبدأت في جريدة المدى العراق والصباح والكثير من الصحف خارج لبنان ومن ثم بدأت كصحافية في جريدة اللواء لبنان منذ عام 2009في القسم الثقافي وما زالت.

صدر لها مجموعة الوردة العاشقة وهي كتابات منذ المراهقة وتضم كتاب الوردة العاشقة وكتاب اماسي الغرام و كتاب رسائل من بحور الشوق … ومن ثم صدر لها كتاب أسرار القلوب والمجموعة القصصية هي في قبضة الريح ورواية زند الحجر ورواية الواعظ وكتاب رحلة يراع.

كتبت في جريدة المدى وجريدة الصباح ومجلة احوال المعرفة السعودية والتي تصدر عن جامعة الملك عبدالعزيز والمجلة العربية السعودية وجريدة القدس العربي والكثير من الجرائد الاخرى إضافة إلى جريدة اللواء التي تنتمي اليها كصحافية في القسم الثقافي.

كاتبة أنيقة وحرفها مجتهد، مناضلة ومثابرة وقلمها يحمل من المفاجآت ما يأسر القارئ.

مجلة كواليس التقتها وكان هذا الحوار

*حدثينا عن البدايات وكيف كانت مسيرتك الكتابية ؟

بدأت بالكتابة تحت اسم مستعار وهو “وردة الضحى” بسبب رفض الأهل الكتابة عن الحب، لكن الحقيقة بدأت بكتابة قصص الأطفال عندما كنت امارس التعليم وعندما قررت نشر قصص الأطفال فوجئت بتكلفة النشر الباهظة ، من ثم التقيت بالدكتور خريستو نجم عندما عدت إلى الجامعة اللبنانية لأدرس علم النفس، وكان أستاذي سابقا في الثانوية ويعلم اني اكتب الشعر. فطلب مني أن احضر له خواطري التي كتبتها في سن المراهقة ، فقام بتدقيقها ونصحني بنشرها في حينها ، فقدمت استقالتي من التعليم. لابدأ بمشوار كتابيّ أجهل مستقبله . فتم نشر سلسلة همسات وردة الضحى وهي مجموعة خواطر ونصوص أدبية الى جانب الكتابة في المنتديات الأدبية وجريدة العالم آنذاك ومن ثم انضممت الى الصحافة في جريدة اللواء وكتبت في صحف أخرى كجريدة الصباح في العراق والمدى وأحوال المعرفة والمجلة العربية وعمان مسقط وغيرها الكثير

* أي كتاب من كتبك يشبهك لدرجة أنك تركنين إليه كلما اشتقت العودة إلى ذاتك؟

كتاب أسرار القلوب الذي نفذت نسخ الطبعة الاولى منه ، ورواية الواعظ في فصلها الأخير من خلال مارلا وأسئلتها عن الحياة وعن الرجل. وأيضا فيها الكثير من الأمكنة التي أعشقها كطرابلس وعكار والحارات والشوارع وغيرها .

* يتصدر أسم طرابلس في الإعلام لكثرة الأحداث التي تمر على الفيحاء. كيف تصف الكاتبة ضحى مدينتها وما هي حصتها في كتاباتك؟

طرابلس معشوقتي وهي مسقط رأسي وفيها قبر أبي المدفون عند قلعتها التاريخية وبيت جدي القديم في السويقة ومحل أبي التجاري عند بركة الملاحة، فحاراتها ملعب طفولتي . لهذا في رواية زند الحجر تجدين طرابلس وأزقتها وحاراتها القديمة ودكاكينها وعاداتها وتقاليدها. حتى رواية الواعظ كل الاحداث الروائية جرت فيها . إضافة الى عكار حيث بيت جدتي لامي . فالشمال له الحصة الأكبر في رواياتي حتى الآن . طرابلس الفيحاء تشع جمالا دائما ، وهي كالإنسان أو كابنها الطرابلسي قد تتعب قليلا ، قد تنتفض على ذاتها ، لكنها تحتل مكانة جمالية بين المدن اللبنانية وما زالت في ريعان شبابها وستزدهر بهمة من ترعرع فيها بعد أن نتخطى هذه الأزمة التي أصابت الوطن العربي كله.

*هل تؤمنين بدكتاتورية السرد؟ أو أن الكاتب قادر أن يتحكم دائما بمفاصل الأحداث؟

عظمة الكاتب حين يتخلى عن تسعة أعشار وعيه المطلق ويكتب بوعيه الباطن . أكتب بحرية وأتبخر في العالم الدرامي الروائي واترك للقدر قوة الفعل في السرد، لتبقى الشخصيات في حرية تامة . فعندما تهيمن نرجسية الكاتب تسبغ على الشخصيات طابعها الذاتي والسلوكي والسايكولوجي ، ولذلك تتأثر كل الشخصيات بسلوكية المتحدث وهو المونولوج الداخلي ، لكن عندما تكون هناك ديمقراطية النص ويكتب الكاتب بشكل ديالكتيك يأخذ النص طبيعته ويأخذ مساحته الفيزيائية في فضاء الرواية، فالأنا الدكتاتورية تجمع النسيج كله في شبكة واحدة وهي الأنا التي تتحدث عن فلسفتها وقيمها وروحها وذاتها وأنانيتها الشخصية التي تنعكس في العمل الأدبي . لكن علينا أن نتذكر دائما أن النص يبقى خالدا ما دام المعبر عن الحقيقة شاهداً …

*التأثر أمر طبيعي جدا في أي مجال انساني ،بل انه أمر محمود ومرغوب فيما يتعلق بالابداع، لا سيما الكتابة. بمن تأثرت من الروائيين العرب؟

شخصيتي تنميطياً انبثقت من أصالة واقعنا ومن محيطنا ، فأعمال فؤاد التكرلي، وغائب طعمة فرمان، ونجيب محفوظ ، وإحسان عبدالقدوس ، وأميل حبيبي، وجبران خليل جبران كانت مشجعة لي لتبني الواقعية في لهجة حقيقة كما في زند الحجر للانفتاح على آفاق الحياة، وبعد قراءة فرويد وادلر وستيفنسون وتولستوي تغيرت مفاهيمي الى الداخل ،وحين قرأت ديستوفسكي وجوزييه ساراماغو وغيرهم أدركت اني ما زلت على الشاطىء وأحتاج لأدوات الغطس ولتعلم كيفية السباحة في عمق البحر الأدبي .

*الثقافة تعني تحول الكائن من مجرد الوجود الطبيعي إلى الوعي بهذا الوجود .

ما هو الدور الذي يلعبه أصحاب الفكر في مجتمعاتهم، سيما العربية الغارقة في مشاكل جمة؟

الجو الثقافي يشبه الفضاء لا تتركه الطائرة لتعوم في الماء. والأدب خاصة هو منظومة العلوم والمعارف التي تختزنها البشرية، وتعيد تكريرها كل جيل وتعميمها عليه ، بالتالي الوعي في تطور مستمر والكتاب في سباق مع الزمن وأصحاب الفكر في إنتاج تاريخي يجعلهم من الأمناء على مجتمعاتهم لمنح الماضي للمستقبل، فلا مستقبل واضح دون ماض مفهوم بكل أبعاده المجتمعية والسياسية وغيره

*من خلال تجربتك، كيف ترين مستقبل الثقافة في لبنان والمنطقة؟ وهل ما زال” خير جليس في الأنام كتاب”؟

تغيرت التقنيات والآليات الحياتية وتقدمت رغم أننا في الوطن العربي عامة ولبنان خاصة نعيش في ضعف مالي ومشكلات اقتصادية ومشكلات نفسية واكتظاظ سكاني وانهيار في المنظومة الاخلاقية وانهيار في السلطة .. هذا يجعل الانسان يهرب من نفسه بأيّة طريقة، ولهذا يلجأ الى التسطيح والاهتمام بلقمة عيشه ، واللجوء الى الأغاني السريعة والبعد عن القراءة التي تحتاج للوقت والغوص في الأعماق، بل ويهتم بالنكتة السريعة أكثر وبالتصفح النظري السريع . بينما في الدول المتقدمة التي تتميز بالاسترخاء النفسي وهي لا تعاني من مشكلات اقتصادية ولا نفسية ومن كثرة الضغوطات نجد القارئ في كل مكان ،الحدائق والباصات والقطارات وغيرها. وحتى في المسارح ودور السينما وحاليا امكانياته الاقتصادية تؤمن له شاشة افلام في البيت (نتفليكس) لمتابعة كل جديد . بينما نحن حتى الانترنت غير مؤمن في أغلب البيوت التي تعاني الفقر والبؤس. فكيف يكون خير جليس في الأنام كتاب ؟

*ماذا حققت من تجربتك الإعلامية وكيف تنظرين إلى الاعلام في عصر التكنولوجيا والتواصل الاجتماعي؟

مازلت أحبو وأحتاج إلى عمر فوق عمري للتحدث عن رحلة بدأت بالتدريس والتجميل والسعي نحو لقمة العيش، لأدخل بعدها عالم الكتابة والإعلام ببطء شديد، وباستغراب من عصر سمح لي مواكبة تقنيات الانترنت لأحصل على كتاب الكتروني كنت أفتش عنه سابقا في الكثير من المكتبات ولا أجده. بل وحتى الكتابة دون قلم وورقة والقراءة عبر شاشة المحمول وإجراء الكثير من الحوارات مع شخصيات كنت أحلم في صغري أن التقيها واسألها الكثير من الاسئلة مثل الفنان مروان محفوظ رحمه الله والفنان الكبير عبدالمجيد مجذوب والملحن إحسان المنذر والراقصة التعبيرية جورجيت جبارة والفنان الكبير سمير شمص الذي كنت أعشق أدواره والفنان المحبوب أسعد رشدان والكاتبة نوال السعدواي والروائي صنع الله ابراهيم والكثير الكثير من الشخصيات . فالتكنولوجيا وشبكات التواصل الاجتماعي سخرت لنا الكثير من الأمور التي كانت من المستحيل أن تحدث بوقت قصير .

* اترك لك الختام مع فقرة تهدينها لقراء كواليس.

أيها المناضل في قلبي توقف واسلك درب العظماء. وامسح عن قلبي كلّ نزف يميته، فما من حرية دون جهاد، وما من حب توجته الخيبة في الأوصال، وما من ملحمة نكتبها وفلسطين الأبية بيد الغرباء. لكأن هول البداية عصف بضوء كالغمام، وبعتمة تناثرت على زمن جمعنا في غزة في قدس في بلد عربي كشف عن أنياب الحرب والسلام. في رسائل أكتبها بوعي عاشقة تنتظر الفتح، ربما حينها أعلن عن فرح بداية ليست في آخر الزمان .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى