الإصلاح في الأردن بداية جديدة أم شراء للوقت؟
بقلم: تاج الدين عبد الحق
النشرة الدولية –
إرم نيوز –
يجد الأردنيون صعوبة في التعويل على اللجنة التي شكلها الملك عبد الله الثاني؛ بهدف تقديم مقترحات له بشأن الإصلاح السياسي، حتى مع إعلانه واستعداده المسبق لقبول أي مقترحات مهما كانت، والموافقة عليها أيًا كان المدى الذي تصل إليه.
ومع الإقرار بالنوايا الطيبة لمبادرة الملك، إلا أن هناك شعورًا بأنها جاءت متأخرة شكلًا، وأنها موضوعيًا محاطة بشكوك من زمن محاولات إصلاح سابقة، لم تصل فيها ـ تلك المحاولات ـ إلى نتائج حاسمة، إن لم تكن قد فاقمت المشكلات المزمنة التي عانت منها المسيرة الأردنية، وأضافت لها أبعادًا جديدة أسهمت في تعميق المشكلة، وأضافت المزيد من الأعباء على صانع القرار، والكثير من المعاناة، والتضييق على حريات الأفراد، وحقوقهم الأساسية، فضلًا عن المشكلات الحياتية أو الأزمات المعيشية.
من حيث الشكل، اللجنة الملكية الأردنية للإصلاح هي من جنس مبادرات سابقة لم يُكتب لها النجاح، ولم تصل مخرجاتها إلى ما يعين الأردن على تجاوز التعقيدات السياسية، والصعوبات الاقتصادية والاجتماعية.
فاللجنة بتشكيلتها المعلنة، وبالأسماء التي تضمنتها، تعيد إنتاج الوصفة نفسها، فهي لجنة من شخصيات اختبر الأردنيون معظمها، وكانت لهم ملاحظات معروفة على أدائها، وسيرتها، ومسؤوليتها عن بعض مظاهر الخلل والاضطراب الذي شهده الأردن طوال العقدين الماضيين على الأقل.
صحيح أن تشكيلة اللجنة ضمت وجوهًا وطنية وحزبية تحظى بالشعبية والمصداقية، إلا أن حصة هذه الشريحة في عضوية اللجنة قد لا تكون كافية لإحداث فارق جوهري في توجهات الأغلبية، التي ظلت محكومة بإرث من الممارسات التقليدية، وسمعة سياسية مشوهة تجعل من دورها وطروحاتها في مناقشات اللجنة وأعمالها باعثًا على الريبة والشك.
إلى ذلك، فإن العناوين التي تعمل اللجنة على ترجمتها إلى هياكل ومؤسسات عمل سياسية هي في جوهرها النظري ذات طبيعة تأسيسية، ومن شأنها، إذا قُيّض لها النجاح، إعادة كتابة العقد الاجتماعي المنظم لعمل الدولة ومؤسساتها، خاصة ما يتعلق منها بالتعديلات الدستورية، وصلاحيات الحكومة وقانون الانتخاب، وقانون الأحزاب، وغيرها من القوانين المتصلة بحقوق المواطنة والممارسة السياسية.
وهذه الأمور بطبيعتها التأسيسية لا يجوز أن تكون محكومة برؤى شخصية مهما علت مكانة أصحابها من الناحية الفكرية، ونجوميتهم وتراثهم السياسي وسيرتهم الوظيفية.
فالأصل أن تتولى مهمة صياغة ”العقد الاجتماعي“ لجنة دستورية منتخبة، حرة في عملها وصلاحياتها، وأن تكون محكومة في مرجعياتها لسلطة الشعب عبر الاستفتاء على أي مخرجات تصل إليها.
ومع التقدير لتعهد الملك بأن يوافق مسبقًا ودون تحفظ على ما تصل إليه اللجنة المشكلة بإرادة ملكية، فإن هذا التعهد برغم القيمة المعنوية التي يمثلها، ليس ملبيًا لطموحات الإصلاح المنشودة، فالملك في واقع الأمر شريك فعلي في السلطة التنفيذية، بل إن الولاية العامة معقودة له من الناحية العملية، وهو بحكم دوره الحَكَم الفصل في كل شؤون الحكم.
وحتى لو التزم الملك حرفيًا بتعهداته، بما في ذلك تعديل صلاحياته ووضع قيود على ممارسته الدستورية، فإن اعتباره المرجعية التي يتم عبرها نفاذ التعديلات والتصديق على الإصلاح ووضعه موضع التطبيق، يجعل هذا الإصلاح، إن حدث، برنامجًا سياسيًا لا إطارًا دستوريًا ثابتًا، فالملك الذي أجاز التغييرات وأتاح لها التطبيق يجعل من تعهده وضمانته منحة يكون قادرًا على استردادها، وتعديلها وإلغائها متى ما أراد.
وحتى لو عُرضت الإصلاحات على مجلس النواب لنيل موافقته، فإن هذا العرض لا يغني عن الآليات الدستورية التي تحتاجها عملية إصلاح حقيقية، فالمرجعية النيابية بوضعها الحالي وبالآليات التي يجري فيها اختيار مجلس النواب لا تعد كافية للتصديق على قوانين تأسيسية، كتلك التي ينتظرها المواطن الأردني.
لذلك فإن الإصلاح حتى يكون مستوفيًا لشروطه، وملبيًا لطموحات الناس ومستجيبًا لآمالهم، يجب أن يبدأ من القاعدة للقمة، لا العكس. وهذا يعني أن يتم اختيار الهيئة التي تكلف بإعداد برنامج الإصلاح بالانتخاب، وأن تكون هناك ضمانات على حيادها، بحيث يكون الحكم على ما يتم التوصل إليه من نتائج ومقترحات موضعًا لاستفتاء شعبي منضبط بالنزاهة، التي تكفلها وتسهر على التأكد منها جهات رقابية محلية ودولية معتبرة، وعندها فقط نتأكد من أن عملية الإصلاح عملية جدية، وليست محاولة للشراء من وقت الأزمة، والتحايل على استحقاق طال انتظاره.