ماذا لو حدثت «صفعة ماكرون» في ديار العرب؟
بقلم: حمزة عليان

النشرة الدولية –

في جلسة جمعت عدداً من الأصدقاء كان السؤال ماذا لو كانت “الصفعة” وجهّت إلى مسؤول عربي؟ ماذا كان سيحدث؟ الحاضرون أجمعوا على القول إن “الصافع” ومن ينتمي إليه والبلدة التي خرج منها أصبح في خبر كان.

الحوار لم يقتصر على الجالسين هنا، بل كانت الصفعة حديث العالم، بعد أن وصلت إلى كل بيت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والمفاجأة لم تكن بضربة الكف بل بنوع العقوبة التي نتجت عنها، فالمحكمة قضت بمعاقبة الشاب بالسجن 4 أشهر، لأن الصفع كان نوعاً من”العنف الخفيف” ولم يؤدِّ إلى عدم قدرة الرئيس على العمل لمدة ثمانية أيام، وإلا لكان السجن لمدة 3 سنوات، وكل القصة لخصها “الرئيس المصفوع” بقوله “حادث فردي ولا يجوز أن يوضع خارج هذا السياق” وانتهى الأمر هكذا.

في ديار العرب المسألة مختلفة، فمن لديه الجرأة على اعتراض “الموكب” أو “الشك” بأنه قد يقدم على “عمل هجومي” سيلقى مصيراً لا يعرفه إلا الله سبحانه وتعالى، نحن دول وشعوب لا علاقة لنا بحرية التعبير عن الرأي واحترامه أو تقبله، فهناك فاصل زمني يتعدى حدود السنوات الضوئية يحول دون الوصول إلى هذا المستوى من الثقافة.

رواة الحديث يحكون عن أحد القادة العرب الذي واجه موكبه تجمهر مجموعة من المواطنين قيل إن الرئيس امتعض منهم وأوكل المهمة إلى جهاز المخابرات فما كان من هذا الجهاز إلا أن محا القرية عن بكرة أبيها وساكنيها وسووها بالأرض، ليختلط البشر بالحجر!

صفعة الرئيس ماكرون أصابت الثقافة السياسية في العالم العربي “بمقتل”، بل أشعرتنا بالخجل، فالاستبداد وحده هو السائد وربما كانت هذه “الخصوصية” لها علاقة أو ارتباط بالتاريخ العربي، والذي أوجد بيئة غير قابلة للتغيير وقبول الرأي الآخر أو التعايش معه.

وعلى مستويات أدنى من بعض الحكام العرب يظهر الاستبداد بتجلياته عند من يتولى قيادة الأحزاب “الديمقراطية” و”الإسلامية” على حد سواء ولدى الطبقات الاجتماعية الأدنى.

سياسة الرئيس ماكرون أوجدت حالة كراهية في المجتمع الفرنسي، وأبرزت موجات من الغضب واليأس والاستفزاز وربما كانت “السترات الصفراء” وما تبعها دليلا على هذا الرفض الشعبي، لكن إلى أي مدى يمكن أن نرى أنفسنا كعرب في المرآة الفرنسية؟ واقع الحال أن الهرم لدينا مقلوب فالعلاقة بين الشعوب وبعض الحكام تسير في الاتجاه المعاكس.

التعبير عن الغضب الشعبي محكوم عندنا بنهايات مأساوية يغلب عليها الطابع الدموي والعنف المتأصل، وعلى قاعدة “أنا أو لا أحد” فالصراع يأخذ مدى إما غالب أو مغلوب وإما البقاء أو الرحيل.

عبدالرحمن الكواكبي قدم لنا إطاراً يمكن البناء عليه في كتابه “طبائع الاستبداد” فهو لم يكتف بالحديث عن شخص الحاكم المستبد بل استفاض بوصف “المجتمع المستبد” وهو ما يعني أن هناك صعوبة في التخلص من فكرة الاستبداد! والديموقراطية في العام العربي تستخدم “كديكور” فالبيئة السياسية لا تقوى على تحمل تبعاتها، وما حدث في ربيع 2010 كسر الصمت بالمنطقة لبعض الوقت والغالبية استبشرت به خيراً في مجالات الإصلاح السياسي، لكن لسوء الحظ تمت “مصادرة التغيير” ولم تستمر طويلاً وربما تلاشت وإلى غير رجعة.

الأمر أكثر تعقيداً مما نعتقد وجذور الاستبدادية متأصلة في الفكر السياسي العربي، ولربما كان هذا سبباً شرعياً لنتفهم حالة “اليأس والإحباط” التي لا تغيب عن آراء الزميل حسن العيسى في مقالاته الدائمة والمتواصلة والجريئة.

قد ينطبق وصف “الهجين الاستبدادي الديموقراطي” على أحوالنا العربية بصفة عامة وهو توصيف آخذ به عدد من المفكرين والدارسين في علم الاجتماع.

أخيراً ربما تتغير “الماكرونية” في فرنسا أو تنتهي عند صندوق الاقتراع، لكنها صفعتنا جميعا وأسقطتنا أرضاً.

 

***

فقدنا زميلاً وصديقاً عزيزاً هو المرحوم عبدالسلام مقبول، ترك إرثاً فنياً من أعماله التي امتدت على مدى سنوات عمره المهنية، له الرحمة وعزاؤنا لأسرته الكريمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى