فنانة لبنانية تُراكم ثلاثة نصوص جمالية على قماشة واحدة

النشرة الدولية –

العرب – ميموزا العراوي –

تقدّم صالة “آرت أون 56 ستريت” البيروتية العائدة حديثا إلى العرض الفني بعد غياب قصري دام ما يقارب سنة، معرضا للفنانة اللبنانية سارة شعار تحت عنوان “اليقين المُتخايل”.

سارة شعار، هي فنانة تشكيلية لبنانية صاعدة لم تتلق دراسة أكاديمية في الفن بل في الإعلام المرئي والمسموع، لكنها ما لبثت أن انحازت إلى الفن، حيث عثرت على ما كان يعجّ في نفسها ويريد أن يظهر في نصها الفني.

وتقدّم الفنانة وحتى الثامن عشر من يوليو القادم معرضا فنيا في صالة “آرت أون 56 ستريت” البيروتية بعنوان شائق وشائك هو “اليقين المُتخايل”، لأنه ليس من السهل العثور عليه في أعمالها المعروضة.

اليقين المُتخايل، يبدو في لوحات سارة شعار أشبه بهلوسة بصرية يكاد يُسمع أنينها بفضل فعل التجريح والتقطيع وانسياب الألوان
اليقين المُتخايل، يبدو في لوحات سارة شعار أشبه بهلوسة بصرية يكاد يُسمع أنينها بفضل فعل التجريح والتقطيع وانسياب الألوان

تقدّم الصالة الفنانة الشابة بهذه الكلمات في المنشور المرافق للمعرض “عمل الفنانة مبني على ثلاث مراحل تشبه ما تعيشه بيروت منذ زمن بعيد وهي مرحلة البناء، التدمير وإعادة البناء.. تقنية عملها في هذه اللوحات مبني على عملية الحفر والخدش في طبقات الألوان التي تضعها على لوحاتها. عالم تسكنه كائنات تشبه الحشرات تتولى في تحركاتها وتجوالها في فضاء اللوحات أن تعبّر عمّا يجول في عقل الفنانة من أفكار ومشاعر”.

اليقين المُتخايل، يبدو في أعمال شعار أشبه بهلوسة بصرية مُرتجّة يكاد يُسمع طنينها وأزيزها وأنينها بفضل فعل التجريح والتقطيع وعملية مراكمة الطبقات التي تليها فتح شقوق يدخل إليها اللون في “سكب” جديد منه تضيفه على صفحات أعمالها العُرضة “لعُدوانها”، أي لعُدوان الفنانة، إذا صحّ التعبير.

من الواضح بأن الفنانة في معرضها التشكيلي الأول تستفزّ سطح القماشة في محاولة استنطاقها بما لا تُريد أن تُفصح عنه. وتتتالى ضربات الفنانة المُلحّة دون أن تمدّها في وسع مساحات لوحاتها التي اختارتها كبيرة الحجم، على الأرجح كي تتمكّن فيها من غزل خيوطها بعيدا وعميقا في حناياها.

ويستمرّ تدخّل الفنانة في لوحاتها إلى جانب إحداث تجريح غزير يتمظهر بكثرة الخطوط الدقيقة على شكل “غارات” متقطعة تأتي أحيانا كبقع حمراء ودموية وأحيانا زرقاء ومائية/ رقراقة، وأحيانا أخرى كلطخات سوداء تعشعش فيها أسرار كائناتها الحشرية البادية في الأعمال التي تئنّ وتتلوّى وتتقطّع بها السبل، فتتقطع أطرافها وأوصالها تحت وصاية ورعاية الفنانة التي تسيّر لوحاتها وكأنها حروب مجهرية ما بين الذات واللوحة، وما بين العالم وما يسكنه من تفاصيل يُمنع عليها بأن تؤكّد وجودها بكل وضوح.

وتذكّر لوحاتها بأجواء اللوحات التي تنتمي إلى الغنائية التعبيرية، ولكن بصيغ هي أقرب إلى الكابوس من الأحلام.

تطلق الفنانة على لوحاتها عناوين ذكية تحرّض فيها المُشاهد على التأمّل طويلا والتفكير بما تريد أن تقوله، وهكذا تُصبح أعمالها التجريدية مُحمّلة بصور حقيقية عن عالم يرفض أن يظهر بوضوح أو تفضل شعوريا أو لا شعوريا أن تبقيه شعار مُلتحفا بغموضه التراجيدي.

من هذه العناوين نذكر: “ذاكرة الأصفر” و”الطريق إلى اللامكان” و”رائحة الصدأ” و”عندما تتدخل الأضواء” و”حلمي تحوّل إلى أحمر” و”غالبا ما تكون أفكاري مُخطئة” و”الشمس هي مجرد حلم” و”كل شيء ولا شيء”.

حفر وخدش في طبقات الألوان المنسابة
حفر وخدش في طبقات الألوان المنسابة

في مرات عديدة يُمكن استيعاب نص فني يقارب الإبهام إن تمت مقابلته وليس مقارنته مع نص فني آخر يشبهه من حيث الأسلوب. لذلك قد تكون هناك ثمة إفادة في مقابلة أعمال الفنانة سارة شعار مع أعمال الفنانة اللبنانية هبة كلش مع اختلاف كبير في الخبرة الفنية والقدرة على تشكيل نص فني متماسك.

ولعل من أهم الملاحظات التي يُمكن تقديمها في هذا السياق هو أنه في حين تأتي المعاني في لوحات كلش راشحة من عمق اللوحات إلى سطحها متخطية طبقات غير مرئية وتمتاز بشفافية هائلة تذكّر بصفاء الهواء والماء، تسقط المعاني المُلتبسة والشائكة لتحفر في لوحات شعار نحو الداخل الذي يختنق أحيانا كثيرة بما تلقاه، ليذكّر أيضا بالأعمال المشغولة بمادة “الرزين” الصناعية التي تحتجز أشكالا مختلفة تحت طبقاتها الشفافة.

لا “احتجاز” في لوحات كلش بينما يوجد منه الكثير في أعمال شعار. أجواء الفنانة الشابة تنحّى نحو كابوس مُخفّف ومُعرّض لأن يزداد كثافة في لوحات قادمة وفي معرض جديد. أما في لوحات كلش تبرز ثيمة الحلم الذي يتخطّى كونه تفريغا لشحنات عاطفية أو تخفيفا من أهوال وكوابيس مستقبلية. فهو بوابة إلى العالم الآخر حيث تهدأ الجراح وتنتعش الروح.

وفي حين تخفّ حدّة ظهور أشواك الورود وعروقها المشدودة وتتكاثر بُتيلات الأزهار المُنفصلة عن بعضها البعض في لوحات كلش، لتطفو عبر حالات صوفية لم تُعد تقيم لحضورها المادي كزهرة متكاملة أي أهمية، تنهل حشرات شعار أيضا من هذه المادية غير آبهة بأشكالها وغير معنية بأيّ تصنيف قد يمليه عليها مُشاهدها.

ولكنها تأخذ المُشاهد إلى عوالم درامية حيث لا يملك أحد آخر (ولا حتى الفنانة) معايير حقائقها ولا قوانين حياتها، وذلك لأن الارتجال في لوحات شعار حيّ وواضح تطلق من خلاله الفنانة صيحاتها في حرية لافتة، بينما يترقرق نص كلش في شاعرية لافتة لا يُريد عبرها، أي نصها، أن يكون خارج “حضن” صاحبته.وسارة شعار مولودة في ميامي/ فلوريدا الأميركية وقد ترعرعت هناك. وهي فنانة متعددة الوسائط من ضمنها التجهيز الفني والفيديو. ويتميّز عملها بتنوعه وباستخدام مواد مختلفة إلى جانب مادة الأكريليك التي تكثفها أحيانا وتجعلها رقيقة في مواضع أخرى من لوحاتها. ومن تلك المواد نذكر الطبشور والأقلام والألوان الزيتية ومواد صناعية.

شاركت بمعارض جماعية كثيرة في لبنان وفي كوبنهاغن وكندا. وستشارك قريبا في معرض في فرنسا بعنوان “أضواء من بيروت” وذلك في مركز العالم العربي في باريس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى