ماذا بعد تجديد الاتفاق النووي مع إيران؟
بقلم: تاج الدين عبد الحق
النشرة الدولية –
رغم ما يمكن أن تحمله دول الخليج من تحفظات على تجديد الاتفاق النووي مع إيران، إن حصل، ورغم الشعور بأن هذا التجديد لم يأخذ بالاعتبار الهواجس الخليجية التي ظلت تربط لسنوات، بين البرنامج النووي والبرنامج الصاروخي لإيران، باعتبارهما وجهين لنزعة العسكرة، ووسيلة للوصول إلى الهيمنة، فإن هذا التجديد قد يجعل فرص نجاح أي حوار خليجي إيراني أكثر صعوبة، وأكثر تعقيدا.
فإيران تشعر مع تراجع الإدارة الأمريكية عن قرار إلغاء الاتفاق، أنها تحقق انتصارا مزدوجا حتى قبل أن يتفاعل قرار تجديد الاتفاق، وقبل أن يتحول إلى واقع سياسي جديد، يخرج إيران من عزلتها، ويرفع عن كاهلها أزمات خانقة كادت تشل الحياة الاقتصادية، وتخلخل البنية الأساسية الإيرانية.
وقد عبرت إيران عن شعورها بالانتصار بشكل مسبق من خلال اختيار المرشح ”المحافظ “ إبراهيم رئيسي لقيادة البلاد في المرحلة المقبلة. صحيح أن كثيرين من المتابعين للشأن الإيراني لا يلقون بالا للتصنيفات السياسية للنخب الحاكمة في إيران باعتبارها جميعا وجوها لعملة واحدة، يتحكم بها مرجع واحد هو المرشد الأعلى، إلا أن رمزية تجديد الاتفاق النووي وظفت للترويج لمرحلة ما سماها بعض الداخل الإيراني ”انعتاق قادم“، من الأزمات الخانقة التي يعيشها الإيرانيون، دون أن يضطر النظام لدفع ثمن من رصيده السياسي، وسطوته الأمنية.
وبعيدا عن ارتدادات تجديد الاتفاق على الشارع الإيراني، وعلى الثمن الذي ستدفعه المعارضة الإيرانية من حصيلة نضالها المتراكم، فإن الاتفاق بين واشنطن وطهران بالعودة إلى الاتفاق النووي، ورفع العقوبات عن طهران يفتح الباب أوتوماتيكيا أمام مرحلة جديدة في العلاقات الإقليمية، وفي تطور الأزمات المؤثرة في تلك العلاقات.
فالانفراج في علاقات طهران بالمجتمع الدولي، من خلال التجديد لاتفاقها النووي، قد تكون له نتائج عكسية على العلاقات الإقليمية. فإيران لا تكتفي بالثمن السخي الذي حصلت عليه برفع العقوبات، بل تريد ثمنا من دول الإقليم على شكل اعتراف بدورها في إدارة شؤون الإقليم، وإضفاء شرعية على تدخلاتها السياسية والعسكرية فيه.
لقد سعت إيران دائما إلى إبعاد تدخلاتها في شؤون المنطقة، عن دائرة الاهتمام الدولي، وكانت ترفض على الدوام الربط بين اتفاقها النووي مع المجتمع الدولي وبين تدخلها في عدد من دول الإقليم، ويبدو أن تجديد الاتفاق بمعزل عن التورط الإيراني في الأزمات الإقليمية، يعني أن إيران نجحت في عزل وتحجيم التأثير الدولي على دور إيران في الإقليم.
دول المنطقة تدرك، وهي تتابع عن كثب المفاوضات بين إيران والمجتمع الدولي، أن رياح هذه المفاوضات تجري عكس ما تشتهي سفن المنطقة، وتجد هذه الدول أن يد الحوار التي مدتها لإيران منذ بدء الحديث عن تجديد الاتفاق النووي، تواجه حاليا صعوبات محبطة ومعيقة لبدء ذلك الحوار.
فإيران التي أبدت تصلبا في كل مراحل المباحثات النووية -رغم الضغوط التي كانت تواجهها من المجتمع الدولي-، تشعر اليوم، وقد ظفرت بالتجديد أنها متحررة من أي ضغوط مماثلة في حوارها الإقليمي. بل إن إيران تجد نفسها- بدلا من ذلك – في موقع من يمارس الضغوط على جيرانها، من خلال تدخلاتها السافرة، ونشاطها العسكري الذي يهدد أمن واستقرار المنطقة.
في ظل هذا الجو المفعم بالشكوك، ورغم غياب الثقة يبقى ترتيب العلاقة مع إيران مطلبا خليجيا، وأولوية لدول المنطقة بالرغم من التداعيات الخطيرة لتجديد الاتفاق النووي، وبالرغم من النتائج السلبية المحتملة التي قد تنتج عن إحياء ذلك الاتفاق.
والعنصر الجديد في هذه المرحلة، هو مجيء رئيس إيراني جديد يصنف عند من يجيدون التصنيف على أنه من الصقور، ويقول عنه من يعرفون ما يدور في الكواليس إنه واجهة بلا رتوش للمرشد الأعلى، وهو بهذه المواصفات فرصة لإيران للخروج من عزلتها الإقليمية، والعودة للتعايش التاريخي بعيدا عن لغة التهديد والوعيد.
فالرئيس الجديد بما يملك من سلطة، أو بما لديه من صلات مع صاحب القرار الحقيقي، يشكل بداية جديدة تتيح لإيران مواجهة أزماتها المزمنة، ومشكلاتها المستعصية من خلال التخلي عن سياسة المواجهة والعنف التي أضرت بإيران أكثر مما أضرت بجيرانها.