أوجه شبه بين سقوط كل من نتنياهو وترمب وصعودهما
بقلم: باتريك كوبيرن
النشرة الدولية –
يُشبه بنيامين نتنياهو في ارتقائه سلم السلطة إلى حد كبير دونالد ترمب. فكل منهما فاز بمنصبه لأنه كان زعيماً وطنياً شعبوياً سعى إلى تعميق الانقسامات والاستقطاب ضمن بلاده واستغلالها. هكذا بالغ نتنياهو في تضخيم التهديد الذي يمثله الفلسطينيون في عيون الناخبين الإسرائيليين، فيما عمد ترمب إلى شيطنة المهاجرين والسود بالنسبة إلى الأميركيين.
وكذلك ثمة عناصر متشابهة في قصة سقوط كل منهما. كلاهما خسر منصبه بأقل الفروق [بهامش ضئيل] الممكنة. هذا ما جرى لترمب في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بينما هُزم نتنياهو في انتخابات الكنيست بفارق صوت يتيم في يونيو (حزيران) الجاري. ومع أن قدراً من الأذى ربما لحق بشعبية كل منهما، فإنهما لا يزالان يتمتعان بموقع الصدارة في أوساط اليمين المتطرف، وقد يكونان قادرين على انتزاع السلطة مجدداً من أيدي خصومهما.
لكن عودة أي منهما إلى موقع الزعامة على المستوى الوطني ستكون على الأرجح من طريق إثارة العداء بين الأطراف المختلفة وتعميق الشروخ بينها.
في هذا الإطار، يُذكر أن نتنياهو خاطب الكنيست عندما أُطيح من رئاسة الوزراء التي شغلها طوال 12 عاماً، قائلاً “سأقودكم في معركة يومية ضد هذه الحكومة اليسارية السيئة والخطيرة وسأسقطها”. من جهته، استعمل ترمب خطاباً عدوانياً من النوع نفسه، منذ خسارته الانتخابات الرئاسية، في مناسبات أشهرها يوم الهجوم على مبنى الكابيتول في 6 يناير (كانون الثاني).
وقد يعتقد نتنياهو أن الائتلاف المؤلف من ثمانية أحزاب تتراوح بين أقصى اليمين وأقصى اليسار، الذي حلّ محله قبل أيام، هشّ إلى درجة تجعل استمراره في الحكم صعباً [لن تقيد له الحياة]. فليس من الواضح كيف ستنجح هذه الأحزاب المتباعدة في الحفاظ على تأييد ناخبيها المختلفين بدورهم؟ وقد واجه الائتلاف فعلاً تحديات مباشرة، منها مسيرة الأعلام في المناطق الفلسطينية في القدس التي نظمتها مجموعات اليمين المتطرف غداة تسلم الحكومة الجديدة مقاليد السلطة.
لكن على الأمد الطويل ثمة تساؤلات حول موقف حزب “يامينا”، وهو حزب رئيس الوزراء الجديد، نفتالي بينيت، في المستقبل، إذا لم يمضِ قدماً في بناء المستوطنات في الضفة الغربية أو إذا لم يرد حين إطلاقها قذيفة واحدة من غزة على إسرائيل؟
لم يعطِ الناخبون الإسرائيليون نتنياهو الغالبية في أربعة انتخابات أُجريت على امتداد سنتين، بيد أن 70 في المئة من الناخبين الإسرائيليين قد صوتوا لصالح أحزاب الجناح اليميني. وهذا يعني أن نتنياهو شخصياً يتمتع بشعبية أقل مما تحظى به سياساته.
ومن الضروري ألا يجري الاستخفاف بالائتلاف المناهض لنتنياهو بشكل تلقائي وكأنه غير قادر نهائياً على الحياة، فقادته سيبذلون قصارى جهدهم لإبقائه في السلطة لأنهم لا يريدون أن يفقدوا مناصبهم الوزارية ويعودوا إلى مقاعد المعارضة الدائمة.
اعتقد عديد من المعلقين أن “حرب” غزة التي تواصلت على مدى 11 يوماً في مايو (أيار) الماضي، ستؤدي إلى قلب المفاوضات المعقدة لتشكيل الحكومة الجديدة رأساً على عقب، بيد أن المباحثات مضت على قدم وساق حالما توقف القنابل.
من جانبهم، يقول الفلسطينيون باستخفاف إنهم لا يعتقدون أن الكثير سيتغير، وحتماً لن يتغير شيء نحو الأفضل، بصرف النظر عمّن يتسلم رئاسة الوزراء في إسرائيل. ومع أن من السهل أن يفهم المرء سبب اتخاذهم هذا الموقف، فهذا الرأي يتجاهل التغييرات المهمة في المشهد السياسي التي تذهب إلى أبعد بكثير من خروج نتنياهو من رئاسة الوزراء.
والقضية لا تقتصر على مسألة نجاة نتنياهو شخصياً في السياسية أم لا، بل هي تتعلق بمصير “النتنياهوسية”، أي “الصيغة” السياسية التي يجسّدها رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، وقدرتها على تحقيق مكاسب كبيرة لإسرائيل كما في الماضي.
إن التغير الأكثر أهمية من كل ما عداه يتمثل في حلول جو بايدن محل ترمب، الذي أعطى نتنياهو كل ما أراد حين كان في البيت الأبيض، بما في ذلك إلغاء الاتفاقية النووية مع إيران ونقل السفارة الأميركية إلى القدس. وعلى الرغم من كل هذا الدعم العلني من بايدن لإسرائيل، فإنه سيكون سعيداً للغاية برؤية الستارة تسدل على عهد نتنياهو، وسيسعى سراً إلى ضمان بقائه خارج السلطة بصورة دائمة.
إن الإشارات التي توحي بأن إسرائيل لم يعد بوسعها التعويل على الدعم الذي كانت تتلقاه بشكل أوتوماتيكي من أميركا (ومن الحزب الديمقراطي أيضاً)، كما اعتادت في الماضي، هي الأخرى بالغة الأهمية. سيكون هناك ثمن سياسي ستدفعه إسرائيل بسبب العلاقة الوثيقة التي أقامها نتنياهو مع ترمب، لا سيما أن الرئيس الأميركي السابق يجسد الشر السياسي في عيون كثيرين من مواطنيه قبل غيرهم.
ولم تتوقف خسائر تيار نتنياهو عند هذا الحد، فقد تلقى لكمة أخرى تجلت بوضوح في سياق “حرب” غزة ، التي أثبتت أن إسرائيل لم تستطع تهميش سبعة ملايين فلسطيني خاضعين لاحتلالها الكامل أو الجزئي إلى درجة يمكن معها تجاهلهم تماماً.
وتطبيع العلاقات مع أربع دول عربية على رأسها الإمارات العربية المتحدة الذي احتُفي به على نطاق واسع، لم يتمخض عما يعتد به [لم يغير في أمر في هذا النزاع].
هكذا تندلع المواجهات الفلسطينية- الإسرائيلية على جبهات متعددة، في القدس الشرقية والضفة الغربية، وبين غزة وإسرائيل أيضاً، وهي اشتباكات مترابطة تسري عدوى كل منها في الأخرى. وفي وقت يرزح الفلسطينيون تحت قيادة استبدادية وهشة [فقيرة أو ضعيفة]. دُحضت الفرضية الأساسية، التي سعى نتنياهو إلى تقديم براهين عليها منذ صار رئيساً للوزراء للمرة الأولى في عام 1996، وتتمثل في أن الفلسطينيين شعب مهزوم وليس هناك ضرورة للتوصل إلى تسوية معهم، وتبين زيفها.
وكما كانت الحال مع ترمب في الولايات المتحدة، يحتل نتنياهو حالياً موقعاً غريباً في السياسة الإسرائيلية، فهو في آن يهيمن على اليمين ويقف كذلك وراء انقسامه. إضافة إلى ذلك، فإن الخوف والكراهية اللذين يثيرهما نتنياهو يسهمان في شدّ أواصر حكومة مؤلفة من أعدائه من مختلف الخلفيات السياسية، بعضها مع بعض.
وترمب، هو الآخر، يكسب أصوات الناخبين لصالح الحزب الجمهوري، غير أنه يساعد أيضاً على تحشيد الناخبين ضد هذا الحزب.
لقد أخفق نتنياهو بالفوز بمقاعد كافية لتشكيل حكومة في أربعة انتخابات إسرائيلية أخيرة. وليس هناك من سبب يحمل المراقب على الاعتقاد أن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق سيحظى بقسط أوفر من النجاح في المستقبل حتى إذا انهارت الحكومة الجديدة.