نزار بنات .. والتراجيديا الفلسطينية!
بقلم: رجا طلب
النشرة الدولية-
لم يسبق لي أن جالسته أو تواصلت معه، لكني ومنذ أن شاهدت أول تسجيل فيديو له منذ عدة شهور انتابني شعور بأنه سيكون لهذا الرجل بصمته الخاصة والمؤثرة على الحالة الفلسطينية وتحديدا على مشروع الحرية والاستقلال، فالرجل أخذ على عاتقه مهمة طرق «جدران خزان الصهريج» على غرار ابطال رواية الشهيد غسان كنفاني «رجال في الشمس» الذين انتهى بهم المطاف موتا في خزان السمسار «ابو الخيزران».
الشهيد نزار بنات بدأ بطرق خزان الخوف ومقارعته وفضحه مبكرا وليس كما جاء في رواية غسان كنفاني في النهاية ولدى اكتمال كل عناصر الموت اختناقا في الصحراء العراقية–الكويتية خلال محاولة تهريبهم في صهريج من البصرة إلى الكويت التي كانت ملاذ الفلسطيني بعد النكبة من أجل الحرية والعيش.
الخميس الفائت استشهد نزار بنات بعد اعتقاله، حيث وصل المستشفى «ميتا»، وكان استشهاده وكما استشعرت لدى مشاهدتي أول فيديو له أن نزار حالة لن تمر مرورا عابرا في الحياة العامة الفلسطينية، فالرجل وتحديدا بعد تعليقاته المتكررة على فضيحة صفقة لقاحات فايزر بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل وتحديد اسماء المتورطين بها ايقنت ان نزار انتقل من مرحلة طرق جدران خزان الخوف الى مرحلة ثقبه «لا بل خلعه» عبر أدوات لغوية وتعابير والفاظ هي أقرب ما تكون للرصاص أو «الشواكيش» أو «العتلات الحديدية» التي فتحوا بها باب بيته فجر الخميس، وكنت أراه يدخل مرحلة الخطر ولكن لم أكن أتوقع أن يكون عدوه «الوطني» بهذا الضعف والوهن وفي ذات الوقت، ولم أكن أتوقع أن الحرية الوحيدة المسموحة للفلسطيني في الضفة الغربية التي أسماها الصديق نبيل عمرو «حرية البوح» في تعليقه على اغتيال نزار بنات، تخيف البعض لهذه الدرجة كما البطل السلبي والمخزي في رواية الشهيد غسان كنفاني، الذي يتاجر بأرواح الناس من أجل المال».
من الملفت جدا أن هناك تطابقا إلى حد كبير بين حالة استشهاد نزار بنات مع حالة استشهاد الأديب الكبير غسان كنفاني من حيث الإطار الدرامي والإطار التراجيدي، فالاثنان لم يستخدما السلاح، والاثنان ورغم الفارق في المكان والزمان والظرف الموضوعي تطابقا في استخدام الأداة أو الوسيلة «الثورية» ألا وهي «الكلام»، فغسان كنفاني استخدم الأدب والمقالات، وبنات استخدم «البوح» والنقد «المباح» عبر الفيديوهات والسوشيال ميديا فيما كان القاتل في حالة نزار هو الاختلال بينما قاتل غسان كنفاني هو الاحتلال.
نحيب ابنة الشهيد نزار بنات وقولها له في لحظات وداعه «كسرت قلبي يابا» أبلغ من كل الكلام.
إنه وجع «الدم الحرام» الذي بدأ بقتل قابيل لهابيل وما زال مستمرا.. رحمك الله يا نزار