الاقتصاد الإيراني يتسرب لمصلحة تمويل “الحروب بالوكالة”

النشرة الدولية –

اندبندنت عربية –  سوسن مهنا –

في نوفمبر (تشرين الثاني) 2017، نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية تقريراً يتحدث عن تدريب إيران الآلاف من الأفغان الشيعة وإرسالهم للقتال في سوريا ضمن ما يعرف بـ “لواء فاطميون”. ونقلت عن أحد الأفغان الذين أرسلتهم إيران إلى سوريا وقاتل هناك، أن الراتب الشهري للشخص الواحد يبلغ 800 دولار أميركي شهرياً. وتزامناً مع الاحتجاجات الإيرانية في يناير (كانون الثاني) 2018، صرح غابي أيزنكوت، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، أن طهران أنفقت منذ عام 2012 المليارات في سوريا. وأضاف، “في الوقت الراهن هناك ألفا عنصر من القوات الإيرانية وعشرة آلاف من جنسيات أخرى وثمانية آلاف من قوات حزب الله اللبناني في سوريا”.

وقدّرت وزارة الدفاع الإسرائيلية في خريف 2017 أن إيران تدفع 800 مليون دولار سنوياً إلى “حزب الله” و70 مليون دولار لحركة “حماس” ومجموعات أخرى في قطاع غزة. وفي مقابلة تلفزيونية، قال الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما إن “خطر إيران ليس في امتلاكها المال وأنما في الميزانية الدفاعية السنوية التي تبلغ 15 مليار دولار، في حين تصل الميزانية الدفاعية لدول الخليج مجتمعة إلى 150 مليار دولار”. ويرى بعض المتخصصين في الشأن الاقتصادي أن من أهم المشكلات التي يعاني منها الاقتصاد الإيراني، هي العقوبات وخروج رؤوس الأموال من البلاد وعدم جذبها من الخارج، إضافة إلى التوترات الداخلية والحزبية وعدم التحاق إيران بمجموعة العمل المالي.

وإيران تمتلك 10 في المئة من احتياطيات النفط المؤكدة في العالم. وهي عضو في منظمة البلدان المصدر للنفط “أوبك”، وتنتج 4 ملايين برميل يومياً، أكثر من نصفها يصدر إلى الخارج فيما تذهب الكمية الباقية إلى الاستهلاك المحلي. وتقدر الاحتياطات المؤكدة بـ152 مليار دولار. لكن إيران تمتلك أيضاً قطاعات زراعية وصناعية وخدمية مهمة، وتدير الحكومة مباشرة المئات من الشركات المملوكة للدولة، وتسيطر بشكل غير مباشر على العديد من الشركات التابعة لقوات الأمن في البلاد، بما في ذلك مكافحة الفساد، وضوابط الأسعار، والإعانات والنظام المصرفي.

ويصف الباحث الاقتصادي الإيراني فريدون خاوند مشروع موازنة 2021 الذي قدمه الرئيس السابق حسن روحاني إلى البرلمان في ديسمبر (كانون الأول) 2020، تعاظم فشل الإدارة، إذ وصل إلى المقعد الرئاسي عام 2013 تحت شعار “فتح أقفال الاقتصاد”، لكن كل شيء تبدد في نهاية المطاف.

وبحسب خاوند، كان تقديم مسودة موازنة العام الجديد 2021 بالتركيز على وعود بالتنمية وإيرادات من خارج قطاع النفط الخام أمراً لافتاً مع غياب الرئيس روحاني عن تلك المراسم داخل البرلمان، ما يؤشر إلى انهيار وعوده الإصلاحية.

اقتصاد إيران المتعثر

يشير تقرير لـ “البنك الدولي” نُشر أواخر عام 2020 إلى أن إيران تحتل المرتبة الثانية عالمياً في احتياطيات الغاز الطبيعي، والمرتبة الرابعة في احتياطيات النفط الخام المؤكدة. وفي حين أن قاعدتها الاقتصادية متنوعة نسبياً، إلا أن النشاط الاقتصادي والإيرادات الحكومية يعتمدان على عائدات النفط، وبالتالي فهما يتسمان بالتقلب. ويرى التقرير أن هناك حضوراً ملحوظاً للدولة في قطاعي الصناعات التحويلية والخدمات المالية. ويُقدر إجمالي الناتج المحلي بـ 628 مليار دولار للسنة التقويمية الفارسية 2020- 2021، محسوباً بسعر الصرف الرسمي. ويتوقع التقرير نموّ إجمالي الناتج المحلي الحقيقي لإيران بنسبة 1.7 في المئة في 2020- 2021. ويضيف أن الخسائر التي ألمت بالاقتصاد الإيراني على خلفية تفشي جائحة كورونا تبدو أقل وضوحاً في البلدان الأخرى، إذ انكمش الاقتصاد الإيراني بالفعل بنسبة 12 في المئة خلال العامين الماضيين. وجاء التعافي الاقتصادي في الربعين الثالث والأخير من عام 2020 أقوى من المتوقع، وذلك في القطاعين النفطي وغير النفطي على حد سواء، مع انتعاش القطاع غير النفطي مدفوعاً بالصناعات التحويلية، إذ أدى انخفاض سعر الصرف إلى زيادة تنافسية الإنتاج المحلي. لكن الإنفاق المرتبط بجائحة كوفيد-19 وانخفاض عائدات النفط أديا إلى زيادة نسبة عجز الموازنة العامة لإجمالي الناتج المحلي إلى أعلى مستوى لها منذ عقود، ولم تُغط الإيرادات الحكومية في الفترة من أبريل (نيسان) وديسمبر (كانون الأول) 2020 سوى 55 في المئة من الموازنة المعتمدة للسنة المالية بأكملها.

وعلى صعيد مماثل، لم يتحقق سوى 14 في المئة من الدخل النفطي المتوقع نتيجة الانخفاض في حجم الصادرات النفطية وأسعار النفط. وفي الوقت نفسه، أدى ارتفاع تكاليف المساعدات الصحية والاجتماعية الناتجة عن جائحة كوفيد-19 إلى ارتفاع إجمالي النفقات بنسبة 28 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وهكذا، تشير التقديرات إلى ارتفاع عجز الموازنة العامة إلى أكثر من 6 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، وإلى تجاوز الدين العام بما نسبته 50 في المئة من إجمالي الناتج المحلي في 2020- 2021. وانخفضت قيمة الريال الإيراني نتيجة نقص المعروض من العملات الأجنبية، وارتفاع التضخم إلى أكثر من 48 في المئة.

العقوبات الأميركية وتأثيرها في الاقتصاد

هناك أسباب أخرى جوهرية ترتبط بانخفاض قيمة العملة الوطنية (ما يوازي نصف قيمتها)، إذ حظرت العقوبات الأميركية استخدام احتياطيات النقد الأجنبي الإيرانية المجمدة في الخارج. وانتقلت الآثار السلبية للتقلبات في أسعار الصرف، وفي عمليات التمويل الحكومي، إلى سوق الأسهم. وكان قد أدى رفع معظم العقوبات ذات الصلة بالمواد النووية في إطار خطة العمل المشتركة الشاملة في يناير (كانون الثاني) 2016 أي بعد توقيع الاتفاق النووي، إلى استعادة إنتاج النفط الإيراني وإيراداته ونمو الناتج المحلي الإجمالي. لكن النمو الاقتصادي تراجع في العام 2017، مع انتعاش إنتاج النفط. غير أن الاقتصاد الإيراني كان يعاني منذ ما قبل خطة العمل المشتركة من مستويات منخفضة من الاستثمار وانخفاضات في الإنتاجية، ومن مستويات البطالة المرتفعة.

وتشير تقارير “منظمة الإدارة والتخطيط” عام 2018، إلى أن ثلث الرجال ونصف النساء دون عمر الثلاثين الحاصلين على شهادات جامعية عاطلون من العمل. و44 في المئة من العاطلين من العمل في إيران يحملون شهادة جامعية. وتفيد وزارة التعليم  الإيرانية بأن 20 ألف شخص يبدأون برامج الدكتوراه كل عام، ولكن لا تتوافر الوظائف سوى لأربعة أو خمسة آلاف منهم. أما القطاع المصرفي المدار مباشرة من الحكومة الإيرانية فيحمل مليارات الدولارات من القروض المتعثرة، ما يثقل كاهل الاقتصاد ويقوض إمكانات النمو الذي يقوده القطاع الخاص، وفقاً لكتاب “حقائق العالم” The World Factbook لوكالة “الاستخبارات المركزية الأميركية”.

وفي خطوة يائسة لمواجهة النقص في الموارد المالية، عمدت الحكومة الإيرانية إلى طباعة الأموال لتعويض عجز الموازنة. ما تسبب في ارتفاع معدلات التضخم.

في هذا السياق، كان الرئيس السابق للبنك المركزي الإيراني إبراهيم مظهري سأل في مقابلة معه (2017) إذا ما كانت علاقات إيران مع دول العالم الثالث صدقة أو استثماراً؟ وقال إن بعض الحكومات قامت بالالتفاف على البرلمان من أجل مساعدة دول خارجية من خلال فتح خطوط ائتمان.

نفقات إيران الخارجية

وقال أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، خلال مقابلة مع قناة “إن بي سي نيوز” الأميركية في أغسطس (آب) 2019، إن لدى الجمهورية الإسلامية الإيرانية أدوات مختلفة في حال اندلاع النزاع مع الولايات المتحدة، ومنها “الحرب بالوكالة”. وتفيد دراسة أعدها المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية البريطاني في فبراير (شباط) 2020 تحت عنوان “شبكات التسلل الإيرانية في الشرق الأوسط”، بأن إيران تولي أهمية عسكرية واستراتيجية لميليشياتها المنتشرة في المنطقة أكثر من اهتمامها ببرامج الصواريخ. وتضيف الدراسة أن إيران استغلت قدراتها المالية والعسكرية لحماية رأس النظام السوري، بشار الأسد، ولتنفيذ الاتفاقيات التي تضمن مصالحها في سوريا لعقود مقبلة، وتوسع نطاق الدعم الإيراني من الدعم الاستشاري إلى المالي والعسكري”. وأضافت الدراسة، “في الوقت الذي يموت فيه الشعب الإيراني من الجوع والفقر، وهذا ما أكدته أخيراً موجة الاحتجاجات في طهران والعديد من المدن الأخرى، تسعى الحكومة الإيرانية إلى مد يد العون إلى النظام السوري لضمان بقائه”.

وقدرت الدراسة إجمالي إنفاق إيران على أنشطة ميليشياتها في سوريا والعراق واليمن بحوالى 16 مليار دولار سنوياً، بينما تنفق حوالى 700 مليون دولار سنوياً على ميليشيات “حزب الله” في لبنان. ووفقاً لمسؤولين إيرانيين ولموقع مجلة السياسة الخارجية، فإن طهران أنفقت مبالغ هائلة في سوريا، تتجاوز 48 مليار دولار.

وأكد موقع iranwire أن أحد أهم نفقات إيران في سوريا هو تسليم النفط والمنتجات النفطية إلى قوات الأسد. ويتم ذلك في إطار “حد ائتماني” فتحته إيران لسوريا، ويتراوح بحسب وسائل الإعلام الإيرانية بين مليارين و3 مليارات دولار في السنة، مع منح حد ائتماني إجمالي يصل إلى 6 مليارات دولار في السنة، بما في ذلك الإمدادات الغذائية والطبية، التي حددها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بنحو 2.5 مليار دولار في السنة.

وكشفت جيسي شاهين، المتحدثة باسم المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، أن تقديرات الأمم المتحدة في شأن متوسط الإنفاق الإيراني في سوريا تبلغ 6 مليارات دولار سنوياً. ما يعني أن إيران ساعدت النظام السوري بمبلغ يعادل نصف ميزانية دعم الأسعار الداخلية سنوياً، إذا أنفقت إيران هذا المبلغ سنوياً على مدار 8 سنوات من الحرب السورية، فإن هذا يعني أنها أنفقت 48 مليار دولار، أي 4 أضعاف ميزانية الدفاع السنوية.

“لا غزة ولا لبنان، أرواحنا فداء لإيران”

وقد أثرت العقوبات الأميركية في الحكومة الإيرانية في السنوات القليلة الماضية، إلى جانب سوء الإدارة الاقتصادية وتغلغل الحرس الثوري الإيراني وسيطرته على الاقتصاد وزيادة المصاريف العسكرية، خصوصاً في الخارج. ما دفع في اتجاه أزمة اقتصادية حادة في إيران. وفي يوليو (تموز) 2020، تجمّع عشرات الإيرانيين في تبريز (شمال) وبهبهان (جنوب) ومناطق أخرى، في الشوارع رافعين شعارات منددة بالنظام، من بينها “لا غزة ولا لبنان، أرواحنا فداء لإيران”، في إشارة إلى الأموال التي ينفقها النظام الإيراني على الميليشيات ويحرم مواطنيه منها.

وقبل ذلك، في 15 نوفمبر 2019، سارت احتجاجات في العاصمة طهران وعبادان والمحمرة وبوشهر، بعد أن أعلنت الحكومة زيادة سعر البنزين بنسبة 300 في المئة. ووصف التلفزيون الحكومي الإيراني حينها هذه التدابير الاقتصادية بأنها وسيلة للمساعدة في تمويل الإعانات لحوالى 60 مليون إيراني. وتجاوز عدد القتلى بين المتظاهرين ألف شخص، إضافة إلى جرح عشرات الآلاف واعتقال ما يزيد على سبعة آلاف متظاهر، خلال هذه الاحتجاجات بحسب بيانات حكومية إيرانية.

وفي تصريحات للتلفزيون الإيراني، حينها، اعترف محمود واعظي، مدير مكتب الرئيس الإيراني، بحدوث “مجزرة معشور” جنوب الأهواز، وقال إن “مسلحين مجهولين هم من أطلق النار على المتظاهرين”، وذلك في 18 نوفمبر 2019.

وقبل ذلك، جرت احتجاجات عام 2018 في المدن الإيرانية، وكانت الهتافات أيضاً ضد الإنفاق في سوريا.

يذكر أن الاقتصاد الإيراني يعتبر اقتصاداً غير شفاف، كما أن معرفة كلفة إرسال القوات والسلاح صعبة، بل مستحيلة، بسبب غياب المعلومات الكافية. مع ذلك، صدرت في الأعوام الماضية تقديرات عن حجم المساعدات المالية الإيرانية لسوريا. لكن بقيت هذه الأنشطة والأموال المرصودة لتمويلها خارج أي تدقيق مالي رسمي.

الفقر في إيران

وجاء في تقرير لمجلة “فورين أفيرز” الأميركية، نشر في مارس (آذار) الماضي، أنه في عام 2011، ساعد الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد في تخفيف وطأة العقوبات من خلال إصدار تحويلات نقدية للمواطنين، لكن حكومة الرئيس حسن روحاني لم تقدم كثيراً للشعب الإيراني. ولا تزال التحويلات النقدية التي بدأت في عام 2011 مستمرة، لكنها لا تفوق حالياً 19 دولاراً للفرد شهرياً، بعد أن كانت تبلغ 90 دولاراً في بدايتها. أما التحويلات الحكومية الأخرى المخصصة للفقراء بشكل أساسي، فهي أقل من ذلك بكثير، إذ تبلغ في المتوسط 6 دولارات شهرياً. وتحدّث رئيس المعهد العالي لأبحاث الضمان الاجتماعي روزبه كردوني عن أن “عدد السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر تضاعف بين عامَي 2017 و2019، ووصل إلى 30 في المئة، بعد أن كان عند 15 في المئة قبل ذلك التاريخ”.

ولا يوجد خط فقر رسمي ثابت في إيران، لكن وفقاً لخطوط الفقر الدولية التي يتم التعبير عنها بالدولار الأميركي بما يعادل القوة الشرائية في عام 2011، وباستخدام الحد الأعلى من فئة الدخل المتوسط البالغ 5.50 دولارات، فقد انخفض الفقر في إيران بين عامي 2009 و2013 بنسبة 5 نقاط مئوية إلى حوالى 8 في المئة، قبل أن يرتفع مجدداً إلى 11.6 في المئة عام 2016. وبلغت معدلات الفقر في الريف 27 في المئة، مقارنة بنسبة 6 في المئة في المناطق الحضرية في عام 2016، وفقاً للبنك الدولي.

وبتتبع عدم المساواة مقاساً بمؤشر إنفاق الفرد في مؤشر جيني، (نسبة إلى العالم كورادو جيني من المقاييس المهمة والأكثر شيوعاً في قياس عدالة توزيع الدخل القومي)، انخفض المؤشر ما بين عامي 2009 و2013 من 42.0 نقطة إلى 37.4 نقطة وزيادة بعد ذلك إلى 40.0 نقطة في عام 2014.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى