كتبت رُقية
بقلم: سارة المكيمي

النشرة الدولية –

في أحد أشهر وسائل التواصل الاجتماعي المعروفة بكثرة القيل والقال، كتبت رقية في يوم تخرجها التليد من كلية الهندسة الميكانيكية فقرة تعبر فيها عن مشاعر الفرح والفوز والانتصار قالت:” من بعد آلاف (ما عندي بنات يدرسون بالجامعة)، وآلاف (ترى أسحب أوراقج)، وآلاف (الدراسة ما تناسبج)، و(الجامعة حق الرياييل) ومئات (تخصص الهندسة الميكانيكية ما يناسب البنات)، وبعد آلاف الإحباطات وبعد أن صارعت وحدي لإكمال هذا الطريق، تخرجت من جامعة الشرق الأوسط الأميركية بتخصص الهندسة الميكانيكية بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف.

آلاف المهنئين والفخورين والسعداء لسعادة رقية، وآلاف التعليقات التي ساندت وعاضدت المرأة التي استطاعت رغم المصاعب والعراقيل أن تصل لهدفها وتحقق حلمها، ولكن أيضا هناك آلاف المشككين والساخرين والمكذبين لكل جملة كتبتها رقية، الذين لات يصدقون واقع بعض النساء في هذا البلد وغيرها من البلدان التي من السهل جدا تغطية الواقع فيها بدثار العيب والحرام، وإخفاء الحقائق التي تعيشها الفتاة خلف أسوار خصوصية العائلة وأسرار البيوت!

بل لم يتوان البعض عن القسم والحلفان أنها كاذبة فيما تقول، وألا أحد من أسرتها قال لها هذا الكلام! مئات التعليقات التي نزحت تحت تغريدة رُقية فقط لتنكر وتكذب واقعا عاشته بنت في بيت مغلق لا أحد من هؤلاء عاش معها فيه، وعشرات أخرى تسخر من إنجازها الذي كافحت من أجله وتستهزئ إما بالتخصص أو الجامعة!

هذه الآفة السلوكية الجائرة التي أسميها “ظاهرة إنكار معاناة النساء” متفشية جدا في مجتمعاتنا، هذه الجرأة والبجاحة والتسابق والاستبسال لطمس تفاصيل أي قصة تتكلم فيها امرأة أو بنت عن ظلمها وقهرها من قبل أسرتها، دائرة متوحشة مفرغة تدور حول حق الرجال كسلطة متفوقة بالأسرة في تقرير مصير ومستقبل الفتيات، بل حقهم في حرمانها ومنعها من أي رغبة دنيوية مشروعة لا تتماشى مع فكرهم أو ميولهم! فنحن لا نملك قوانين تحمي البنت من تعسف الأهل فيما يخص اختيار تخصصها الدراسي الجامعي مثلا، فهي مازالت قاصرة وتحت سلطة الأهل! ماذا عن البعثة الدراسية؟ ماذا عن مكان العمل؟ وطبعا لا حرج في الحديث عن اختيار الزوج أو الرغبة بالطلاق!

يجد أغلب الذكور في هذه البقعة من العالم أن للأهل الحق في حرمان الفتاة من حق أو رغبة، وأنها يجب أن تستسلم وتخضع وتنصاع، وأنها أيضا يجب ألا تتحدث أو تشتكي أو تنشر معاناتها في مكان يصل له حشد جمعي، لأن المرأة خُلقت لتخضع، وصُممت لكي تؤمر، ووجدت لكي تؤدي خدمة محددة ولا تتطلع للخروج من هذا الإطار! والدليل أنه كلما علا صوت امرأة، أو نجحت بعمل ما، أو تحررت من سطوة الأهل والأقارب سواء بالاستقلال المادي، والمعيشي، الهجرة، الزواج أو الطلاق، وُصمت بأقبح الألقاب ووضعت في خانة المنحلات المنشقات عن القالب المتفق عليه.

المرأة اليوم تتحدث، لأنها بدأت تتعلم حقوقها، السن القانونية التي تسترجع فيه حريتها وإرادتها، القوانين المناصرة لها، العادات الجائرة التي تحاربها، المرأة تتحدث رغما عن أنوف المشككين المكذبين المتجاهلين والمقللين، المرأة اليوم لا تستحي من معاناتها، ولا تجاربها الموجعة، المرأة اليوم لا يهمها مفهوم “السُمعة” التي تكبدت ثقله لوحدها ولا “الصورة” التي بُنيت على أكتافها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى