مع رفع الإغلاقات، الوسائط الإعلامية تستعد لمواجهة “ركود الانتباه”
بقلم: (الإيكونوميست)
النشرة الدولية –
في حزيران (يونيو)، اعترف تشيب بيرغ، رئيس شركة “ليفي شتراوس” الأميركية للألبسة: “لقد أصبح عدد الأشخاص الذين أصبحت لهم مقاسات جديدة مذهلا للغاية”. الآن، بعد أكثر من عام من عمليات الإغلاق المتقطع، أخبر صانع سراويل “الجينز” الشهيرة وكالة “أسوشيتيد برس” بأن ربع العملاء لم يعد مقاس سراويلهم يناسبهم.
ربما كان قضاء فترة طويلة على الأريكة سيئا لمحيط الخصر في العالم، لكن هذه كانت حقبة ذهبية للصناعات التي توفر عوامل تشتيت الانتباه داخل المنزل. مع إغلاق خيارات الترفيه خارج المنزل، وفسح المجال للعمل من المنزل، أصبح هناك الكثير من الوقت الإضافي المتاح للناس. وبذلك، ارتفع استهلاك كل شيء في عالم الترفيه تقريبا، من الكتب والمدونات الصوتية، إلى الموسيقى وألعاب الفيديو.
الآن، بينما تشرع اللقاحات في أداء وظيفتها، بدأت الحكومات في العديد من البلدان الغنية في إلغاء أوامر البقاء في المنزل، وأصبح الناس يغامرون بالعودة إلى الخروج. وأعيد فتح المكاتب، وعادت المطاعم إلى تلقّي الطلبات، والجماهير الحية عادت إلى كل مكان، من “كان” إلى “ملعب ويمبلدون”. ويُظهر “مؤشر الحياة الطبيعية” الذي أعددناه في “الإيكونوميست” أن الحياة في العديد من البلدان الخمسين المشمولة بالمسح تزحف الآن، عائدة إلى العمل كالمعتاد.
بينما يشرع وقت الفراغ المتاح في المنزل بالتقلص، تفسح طفرة الاهتمام التي حدثت في العام 2020 مكانها لما وصفه مارك موليغان، من مؤسسة “ميديا” للأبحاث، وهي مؤسسة من المحللين، بأنه “ركود الانتباه”. ويقول بريندان برادي من “أنتينا”، وهي شركة تقيس اشتراكات بث الفيديو، أن تقلص وقت الفراغ يعني أن جميع الشركات الإعلامية تطرح الآن نفس السؤال: “هل ستكون هذه فترة استقرار؟ أم أننا سنسقط قريباً من على منحدر”؟
عدم فعل شيء
حصل العامل المتوسط بدوام كامل على حوالي 15 في المائة من وقت الفراغ الإضافي خلال الوباء، وفقا لمسح أجرته شركة “ميديا” للمستهلكين في كل من أميركا وأستراليا وبريطانيا وكندا. ولم يتوفرلهؤلاء العاملين المزيد من الوقت فحسب؛ لقد توفر لأولئك الذين احتفظوا بوظائفهم المزيد من المال أيضا. فقد انخفض إنفاق الأميركيين على الترفيه، مثل الرياضة والمتنزهات والعطلات بنسبة، 30 في المائة في العام 2020.
بدلا من ذلك، تحول الناس إلى شاشاتهم. في بريطانيا، ارتفع الوقت الذي يقضيه الأشخاص على الإنترنت العام الماضي (بما في ذلك خدمات البث التلفزيوني) من أكثر من نصف ساعة في اليوم إلى ما يقرب من خمس ساعات، وفقا لشركة تنظيم الاتصالات “أوفكوم”. وأصبح الاتصال بالإنترنت ضروريا. في بداية الوباء، كان واحد من كل عشرة منازل بريطانية يفتقر للوصول إلى الإنترنت، ولكن منذ ذلك الحين، أصبح حوالي نصف هذه المنازل متصلاً بالإنترنت. وسعيا وراء مصادر تشتيت جديدة، قام مستخدمو الهواتف الذكية في جميع أنحاء العالم بتثبيت 143 مليار تطبيق جديد، بزيادة بمقدار الربع عن العام 2019 (وأكثر من ضعف معدل النمو في العام السابق)، وفقًا لكريغ تشابل من شركة “سينسور تور”، التي تراقب متاجر التطبيقات.
ذهبت الحصة الأكبر من وقت الشاشة الإضافي إلى التلفزيون: فقد ارتفع زمن مشاهدة الفيديو بحوالي 80 دقيقة في الأسبوع في البلدان الغنية، حسب ما توصلت إليه مؤسسة “ميديا”. وشهدت ألعاب الفيديو أكبر قفزة نسبية، حيث خصص لها الأشخاص ساعة إضافية في الأسبوع، أو 30 في المائة من الوقت الإضافي للألعاب. وارتفع الاستماع إلى الموسيقى بنسبة 5 في المائة، في حين ارتفعت استهلاك المدونات الصوتية والكتب المسموعة بنحو الربع.
كما حصلت الكتب المطبوعة المختلفة على دفعة قوية أيضا. في بريطانيا، أفاد أربعة من كل عشرة أشخاص بأنهم أصبحوا يقرأون خلال الإغلاقات أكثر مما اعتادوا أن يفعلوا في الأوقات العادية، وفقًا لشركة البيانات “نيلسين”. وكانت القفزة في القراءة أكثر وضوحًا بين الشباب، ولا سيما النساء، الذين أمضوا وقتًا أطول في القراءة بنسبة 50 في المائة أكثر مما فعلوا قبل انتشار الوباء. ويعود بعض من هذا إلى محاولة للهروب من الواقع، لكن الكثير من القراءة كان له دافع عملي: كانت كتب الطبخ والبستنة هي أفضل الخيارات في الكتب غير القصصية، بينما في كتب الأطفال، شهد التعلم المنزلي أكبر نسبة من الزيادة.
والآن، بينما شرع وقت الفراغ في الجفاف، أصبح السؤال هو: أي من هذه العادات المكتسبة حديثا هي التي ستبقى وأيها سيتم التخلي عنها. في سوق دفق الفيديو شديد التنافسية، ثمة إشارات مبكرة على أن الجمهور ربما بدأ يتراجع. ووفقاً لشركة الأبحاث “أوميديا”، أصبح متوسط عدد خدمات البث التي يستخدمها المشاهدون في أميركا ينخفض لأول مرة، في نيسان (أبريل)، استخدم المستخدم النموذجي 7.06 خدمة (بما في ذلك الخدمات المجانية)، في انخفاض من 7.23 خدمة في تشرين الثاني (نوفمبر). وفي جميع أنحاء العالم، اشترك 5 ملايين شخص في “نيتفليكس”، الشركة الرائدة في السوق، في الربع الأول من العام، في انخفاض من 15 مليونًا في نفس الفترة من العام 2020. وسجلت “ديزني +”، المنافس الرئيسي لـ”نيتفليكس”، عدد اشتراكات أقل من توقعات المحللين.
مع ذلك، فإن الخاسرين الرئيسيين في “ركود الانتباه” عندما يتعلق الأمر بالمشاهدة، ستكون أشكال المدارس القديمة في الإعلام الترفيهي. وقد شهدت مشاهدة تلفزيونات الكابلات في أميركا، التي تتراجع منذ فترة طويلة، ارتفاعًا طفيفًا خلال أعماق إغلاق العام 2020. لكن إعادة فتح القطاعات جعلتها تنزلق أسرع من أي وقت مضى بنسبة 23 في المائة على أساس سنة لسنة في الربع الثاني من العام 2021، وفقا لبيانات “موفيت-ناثانسون”، وهي شركة محللين. وانخفضت نسبة مشاهدة البث التلفزيوني الأميركي بنفس المقدار. وعلى الرغم من إعادة فتح معظم دور السينما، كان الاضطراب الذي استمر لمدة عام كافياً لإقناع استوديوهات إنتاج الأفلام بتغيير طريقة عملها. وتقوم البعض منها الآن بإصدار أفلامها الجديدة على خدمات البث الخاصة بها في نفس التاريخ الذي تظهر فيه في دور السينما لأول مرة. ويبدو أن “النافذة المسرحية” الطويلة -الأشهر الثلاثة التي كان يمكن فيها مشاهدة فيلم جديد على الشاشات الكبيرة فقط، قد انتهت إلى الأبد.
بالإضافة إلى تسريع التحول من الأشكال القديمة إلى الجديدة، أظهر “كوفيد-19” كيف تتنافس أنواع مختلفة من الوسائط بشكل متزايد مع بعضها البعض على جذب انتباه المستهلكين. حتى عقد مضى، كان الناس يصِلون إلى الوسائط المختلفة باستخدام أجهزة مختلفة: أجهزة التلفزيون للفيديو؛ وأجهزة الكمبيوتر للألعاب؛ وأجهزة الستيريو للموسيقى. واليوم يتم إيصال جميع هذه الأصناف إلى المستهلك عن طريق الهاتف الذكي.
يقول إيميت شير، الرئيس التنفيذي لـ”تويتش”، وهي شركة للبث المباشر، إنه ليس لدى الأشخاص حصة محددة في جدولهم الزمني للفيديو. بدلاً من ذلك، “يفكر الناس: ‘أين يمكن أن أحصل على الترفيه’؟… ويذهبون إلى الخدمة التي تقدم أكبر قدر منه”. ويضيف أنه مع رفع عمليات الإغلاق، من المحتمل أن يكون المنافسون الرئيسيون لـ”تويتش” هم كرة السلة، ولعبة الصحن الطائر، والمتنزهات.
تتجلى المنافسة بين أنواع الوسائط المختلفة في المنتجات الصوتية. خلال فترة التوقف في العام 2020، استمع الناس إلى المزيد من كل شيء؛ من الموسيقى إلى المدونات الصوتية والكتب الصوتية. لكن حصة الموسيقى من إجمالي وقت الاستماع انخفضت. في بداية الوباء، كانت المدونات الصوتية والكتب الصوتية تمثل خُمس إجمالي الاستماع. وبحلول نهاية العام الماضي، ارتفعت حصتها إلى الربع، كما تقول “ميديا”. ومع عودة وقت الاستماع إلى مستويات ما قبل الجائحة، تشير بعض الأدلة إلى أن الناس يتمسكون بهذه الخيارات الجديدة، ويقلصون وقت الموسيقى لصالحها. في نيسان (أبريل)، قالت “سبوتيفاي” أن ملفات التدوينات الصوتية قضمت من حصة الموسيقى لتصل إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق من حيث حصتها من إجمالي الاستماع.
تناسب إعادة التوازن من الموسيقى إلى التدوينات الصوتية شركات البث. وفي حين أنها تقوم بترخيص معظم موسيقاها من شركات التسجيلات الموسيقية التي تمتلك حقوق الأغاني، فإن هذه الشركات تقوم بشكل متزايد بإنتاج ملفات تدوينات صوتية خاصة بها، وهو ما يمنحها طريقة لتمييز أنفسها عن منافسيها –على سبيل المثال، تم إنتاج “Call Her Daddy” و”The Joe Rogan Experience” حصريًا لـ”سبوتيفاي”- ولزيادة هوامش ربحها. ويلاحظ السيد موليغان أن لدى شركة “أمازون” فرصة لتمييز عروض الصوت الخاصة بها من خلال الجمع بين “أمازون ميوزيك”، خدمة بث الموسيقى والتدوينات الصوتية، و”أوديبل”، شركة الكتب الصوتية الخاصة بها.
لا عقبات أمام “روبلوكس”
يبدو أن أكبر عادة إعلامية جديدة نشأت أثناء الوباء هي الألعاب. وتمثل الساعة الإضافية في الأسبوع التي قضاها الأشخاص في ممارسة الألعاب في العام الماضي أكبر زيادة في النسبة المئوية لأي فئة وسائط على الإطلاق. وعلى عكس هوايات الإغلاق الأخرى، فإن هذه الهواية لا تُظهر أي علامة على التراجع مع عودة الحياة إلى طبيعتها. ويقول كريغ تشابل من “سينسور تور” أن هذه أصبحت “عادة لزجة”. ووجد أنه في العام الماضي، قام الأشخاص بتثبيت 56.2 مليار تطبيق ألعاب، بزيادة قدرها الثلث عن العام 2019 (وثلاثة أضعاف معدل الزيادة في العام السابق). ولا يؤدي تخفيف عمليات الإغلاق إلى إضعاف هذه العادة: فقد شهد الربع الأول من العام 2021 عمليات تثبيت للألعاب أكثر من أي ربع من العام 2020. وذكرت “روبلوكس”، وهي منصة مزدهرة دائمة الاتساع يصنع عليها الأشخاص ألعابهم الأساسية ويشاركونها، أن اللاعبين قضوا في الربع الأول من هذا العام ما يقرب من 10 مليارات ساعة على المنصة، أي ما يقرب من ضعف الوقت الذي أمضوه في نفس الفترة من العام 2020.
تعتمد شعبية الألعاب بشكل كبير على جيل مواليد أواسط إلى أواخر التسعينيات تقريبًا، الذين تقل أعمارهم عن 25 عامًا -والذين يمثلون معظم مستخدمي “روبلوكس”. ووجد استطلاع أجرته في شباط (فبراير) شركة “ديلويت” الاستشارية أنه في حين أن جميع الأجيال الأخرى من الأميركيين سمّت التلفزيون والأفلام باعتبارها الشكل المفضل لديها للترفيه المنزلي، فقد صنفها جيل التسعينيات في المرتبة الأخيرة، بعد ألعاب الفيديو والموسيقى وتصفح الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي. وتجادل “ديلويت” بأنه بمرور الوقت، “يمكن تحدي الموقف المهيمن الذي احتله الترفيه بالفيديو”.
يمكن أيضًا رؤية الشكل المتغير لحياة ما بعد الإغلاق من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. في العام الماضي، قضى الأشخاص 40 دقيقة إضافية في الأسبوع على الشبكات الاجتماعية، بالإضافة إلى نصف ساعة إضافية لمشاهدة الأخبار، أحيانًا عبر منصات التواصل الاجتماعي. وفي نيسان (أبريل) من هذا العام، قالت شركة “فيسبوك” أن المستويات المتزايدة من المشاركة التي شهدها الموقع في العام 2020 تنحسر مع تخفيف الإغلاقات.
من ناحية أخرى، أبلغ “سنابتشات” عن العكس. أخبر إيفان شبيغل، الرئيس التنفيذي لشركة “سناب”، مطور التطبيق، المستثمرين أنه مع رفع الإغلاق في أميركا في أواخر شباط (فبراير)، زاد مقدار المحتوى المنشور على التطبيق. وقال إنه كان هناك، منذ نهاية آذار (مارس)، ارتفاع في معدل الصداقات الجديدة، حيث بدأ الناس في التواصل الاجتماعي بشكل أكبر من الحياة الواقعية. ويلاحظ مايكل ناثانسون من “موفيت-ناثانسون”: “لا يبدو أن هناك قلقًا كبيرًا من يتآكل استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل ملموس مع فتح الاقتصادات. مع قدرة الأشخاص على مقابلة المزيد من الناس شخصيًا، فإنه قد يزداد في الحقيقة”.
ربما يكون الفائز الأكثر وضوحًا بين الشبكات الاجتماعية هو تطبيقات المواعدة. وقد ذكرت مجموعة “ماتش غروب”، التي تمتلك العديد من هذه المواقع، بما في ذلك “تيندر”، أن عدد المشتركين الجدد انخفض العام الماضي في نيسان (أبريل) مع وصول فيروس كورونا، ومرة أخرى في كانون الأول (ديسمبر)، وسط الموجة الثانية من الفيروس. ولكن يبدو الآن أن الناس يعوضون الوقت الضائع. حتى الآن هذا العام ارتفع عدد المشتركين بنسبة 10 في المائة عما كان عليه قبل الوباء. وفي شباط (فبراير)، تم إرسال رسائل أكثر بما يقرب من 20 في المائة من العام السابق. ومع تحول انتباه الناس من الشاشات إلى الحياة الواقعية، طلبت “ماتش” من المستثمرين أن يتطلعوا إلى “صيف للحب”.