مفكرة القرية: رحلة يوسف صابر
بقلم: سمير عطا الله

 

النشرة الدولية –

كان يوسف صابر أسمر البشرة، سمرة الهنود، لا سمرة العرب. وكان شارباه معكوفين إلى فوق، نمط القرى في الأربعينات، في كل العالم. ولذلك يمكننا القول إن شاربي يوسف صابر كانا مثل شوارب المارشال فوش، أو يوسف ستالين، أو أبو عفيف كريدية، زعيم قبضايات بيروت.

ولم يكن ليوسف صابر من القوة أو النفوذ أو الكفاية، سوى هذين الشاربين لا يفارقانه. ولا يفارقه سروال كاكي عريض من طراز الحرب. الثانية أو الأولى. ولا تفارقه ابتسامة حائرة بين الافترار وهيبة الغضب. الغموض الإيجابي الذي تحدث عنه هنري كيسنجر فيما بعد، هو كل ما كان يملكه يوسف صابر، في قرية لا يملك فيها الناس إلا القليل. وما عدا منزله لم يكن يملك شيئاً. وبيته كان في أعلى الضيعة وفي حضيض غابة الصنوبر. وفي ذلك البيت عاش العمر مع وحدته وطربوشه وهندامه الأثري.

وربما مع فقره أيضاً. ففي الضيعة كانت الناس مستورة بكرامتها. وكانت الكرامة عالية مثل شاربي يوسف صابر. ولا أحد يعرف كيف يعيش الآخر، لكن الجميع يعرفون أن الحيلة صعبة. وحيلة يوسف صابر كانت في الحلاقة وقص الشعر. عندما لا يستطيع الزبائن أن يقصوا شعرهم بأنفسهم. أو أن تتولى ذلك الزوجة. أو الابن البكر.

وكانت صناعة الحلاقة عند يوسف صابر قليلة الرأسمال والعتاد والزبائن. كرسي عتيق، كاكي اللون، ومن أيام الحربين. ومشط ومقص. وعلى حجر قريب يضع مرآة صغيرة. فإذا انتهى من عمله وضع المرآة أمام الزبون، وسأله رأيه في الهندسة الشَعرية. وإذا ما طالب الزبون بمزيد من تخفيف الفودين، أو بحرف الفالق أكثر نحو اليسار، انصاع يوسف صابر، لكن في شيء من التبرم. فالملاحظة إهانة مبطنة لمهارة «المعلم يوسف» بعد كل هذا العمر. ولم تكن سن يوسف صابر واضحة على معالمه. وكذلك أبناء جيله. فالصفاء والهدوء والسكينة، كانت تطوي آثار السنين كما تطوي الخيل آثار المسافات وهبوب الغبار. لكن الأكيد أنه كان من مواليد أوائل القرن. أو خواتم القرن التاسع عشر. ومن يهمه ذلك في أي حال. هل أن يوسف صابر في أهمية الجنرال غورو، معلن لبنان الكبير، لمجرد أن شاربيه معكوفان مثل شاربيه، ولون ثيابه العسكرية كاكي أيضاً؟ لا يهم أحداً يوسف صابر. حتى تجارته، أو بالأحرى، صناعته، كانت بلا جدران. كرسي يحمله معه إلى طرف الساحة ويعيده معه إلى البيت، فقط بضعة أيام في السنة. هذا هو عالمه من الجهات الأربع. لم يهاجر. لم يسافر. لم يصغ إلى الراديو. لم يقرأ صحيفة، حتى ذلك اليوم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button