لبنان: مستشفيات بعلبك الهرمل تنهش لحم مرضاها
النشرة الدولية –
المدن – عزة الحاج حسن –
ليست أزمة المستشفيات بالأمر المستجد. فجميعها من دون استثناء تواجه أزمة وجودية بفعل انهيار سعر الصرف. قلصت خدماتها، قنّنت عمليات استقبالها للمرضى، خصوصاُ مرضى المؤسسات الضامنة، ومنهم المنتسبين للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وعلى حساب وزارة الصحة. وفرضت على كافة مرضاها سداد فروقات الفواتير الاستشفائية على سعر صرف الدولار.. وغير ذلك من الإجراءات المجحفة بحق المرضى، والمنتهكة لحقهم بالطبابة على حساب المؤسسات الضامنة. لكن، وعلى الرغم من كل ذلك، نشهد ممارسات في بعض المستشفيات لا يمكن أن تقاس سوى بميزان تجاري بحت، لا يرقى إلى الإنسانية بأي شكل من الأشكال. تبتز مرضاها، تستخف بصحتهم، ولا تراعي أدنى معايير السلامة العامة، للحد من انتشار فيروس كوفيد 19 بين مرضاها والزوار.
تجار المستشفيات
بعض المستشفيات تتعامل مع مرضاها اليوم على أنهم زبائن، تقتضي مصلحتها تحقيق الأرباح منهم حتى قبل تقديم أي خدمة استشفائية أو طبية. وخير مثال على تلك الممارسات مستشفى دار الأمل الجامعي في منطقة بعلبك–الهرمل، حيث يتعامل الكادر الوظيفي والتمريضي عموماً على أن الوضع الصحي سليم، فلا يشهد الزائر في معظم أقسام المستشفى أي مظاهر وقائية من انتشار فيروس كوفيد 19. فلا الكمامة إلزامية ولا الزيارات محدودة. حتى قسم الطوارئ في مستشفى دار الأمل الجامعي، تغيب عنه الإجراءات الوقائية بشكل تام، ومفتوح للزيارات غير المحدودة، إن لجهة عدد الأشخاص أو عدد الساعات ومواقيتها.
وفي المستشفى عينها تتعطّل بعض المعدات عند حاجة مرضى الضمان الاجتماعي إليها، وتعود إلى مهامها المُعتادة عند الدفع “كاش”، مهما ارتفعت مخاطر الحالة الصحية. فلا يأبه بعض العاملين في مستشفى دار الأمل الجامعي للخطر الذي قد يلحق بالمرضى، جراء منع طبابتهم وعدم إجراء فحوص وتحاليل لهم قبل تعهّدهم بسداد التكاليف كاملة، من دون تغطية أي جهة ضامنة. هذه الحال ليست من نسج الخيال، بل هي واقع عايشه أكثر من مريض في المستشفى المذكور. فقد وصل أحدهم وهو س. أ. (40 عاماً) حسب شهادته في حديث لـ”المدن” إلى قسم الطوارئ، نتيجة تعرّضه لجلطة دماغية، كما كان يعتقد، نتيجة عوارض الشلل النصفي التي ظهرت على يده وقدمه ووجهه، وفقدانه القدرة على النطق. هذه الحالة الصحية الطارئة تستدعي من المستشفى أقله المباشرة بالإجراءات الطبية الفورية لإنقاذ حياة المريض. غير أن الكادر التمريضي في قسم الطوارئ، وعندما أُبلغ من ذوي المريض بأن الأخير مضمون على حساب الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ارتأى نقله إلى مستشفى آخر، لأنه يحتاج إلى إجراء سكانر بشكل عاجل، و”صودف أن السكانر في المستشفى معطّلة”، وفق ما أكد أحد المعنيين بإجراء صورة السكانر للمرضى. حينها استدرك ذوي المريض الأمر، فعرضوا على المستشفى سداد تكلفة السكانر نقداً، وكذلك باقي الإجراءات الطبية، شرط المباشرة فوراً بمعالجة الحالة. وكانت النتيجة أن صورة السكانر أجريت سريعاً، ليتبيّن أنها غير معطّلة كما ادعى الموظف، الذي أبلغ ذوي المريض بأن تكلفة السكانر تبلغ 550 ألف ليرة من دون ضمان.
حالة مرضية أخرى أكدت في حديث لـ”المدن”، وصول المريضة إلى طوارئ مستشفى دار الأمل تحت تأثير ارتفاع في ضغط الدم، وتعرّضها لحالة تجلّط مُحتملة. وهي أيضاً مغطاة من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. فما كان من قسم الطوارئ في المستشفى سوى الطلب من ذوي المريضة الانتظار في صالة الانتظار. علماً ان وضعها الصحي “دقيق” وفق تعبير المريضة، ما اضطر ذويها إلى نقلها إلى إحدى مستشفيات بيروت.
إهمال عام
هذه الممارسات لا تقتصر على المستشفى المذكورة فقط، بل تشمل غالبية مستشفيات منطقة بعلبك الهرمل، التي تتشارك جميعها الإهمال نفسه، لجهة تجاهل الإجراءات الوقائية من انتشار فيروس كورونا. فالفوضى عارمة في بعض المستشفيات، خصوصاً مستشفى دار الأمل الجامعي ومستشفى رياق (مستشفى العبدالله). الاكتظاظ لا تضبطه معايير أو إجراءات معيّنة، لا في قسم الطوارئ ولا الأقسام الأخرى. حتى أن المستشفيات تكاد لا تلحظ أكثر من عدد قليل جداً من العاملين والزوار يرتدون الكمامات، بمبادرات شخصية وليس في سياق الانتظام العام للمستشفى. أما لجهة الإهمال في تقديم الخدمات الاستشفائية لمرضى الجهات الضامنة، فالمستشفيان يُجبران المرضى على سداد تكلفة معظم الخدمات نقداً قبل تقديمها.