قراءة قانونية في إقتراح الحريري تعليق مواد دستورية
لبنان 24 – هتاف دهام –
النشرة الدولية –
اما وقد أطلق رئيس تيار المستقبل سعد الحريري قبل يومين مطالبة جدية بتعليق كل الحصانات في قضية انفجار مرفأ بيروت، على قاعدة ان القرار الإستثنائي الذي يجب أخذه هو اقتراح ينص تعليق كل المواد الدستورية والقانونية التي تعطي حصانة أو أصولا خاصة بالمحاكمات، لرئيس الجمهورية ولرئيس مجلس الوزراء والوزراء، والنواب، والقضاة، والموظفين وحتى المحامين، فإن هذا الاقتراح يفترض ان يسلك طريقه الى البرلمان بعد التوقيع عليه من قبل اكثرية النواب كما قال الحريري.
بيد ان من يخالف الحريري يرى ان الاخير ذهب إلى رفع سقف المواجهة مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ويهدف الى التغطية على عريضة طلب الاتهام والاحالة أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، في حين أن رأيا سياسيا آخر رأى أن اقتراح الحريري لاقى ترحيبا من قوى سياسية أساسية في البلد على رأسها كتلة التحرير والتنمية.
ومع ذلك فإن الاقتراح لا بد ان يفنّد من الناحية الدستورية وفي هذا الاطار يرى الخبير الدستوري والأستاذ الجامعي الدكتور عادل يمين في حديث ل” لبنان24 “أنّ اقتراح الرئيس سعد الحريري بتعليق الحصانات الدستورية والقانونية استثنائياً لحاجات التحقيق في دعوى انفجار مرفأ بيروت مستوجب الردّ والإهمال شكلاً وأساساً للأسباب التالية:
1- إنّ تعليق الحصانات الدستورية لا يمكن أن يحصل بموجب قانون عادي، إنّما يحتاج الى تعديل للدستور عملاً بمبدأ موازاة الصيغ.
2- إذا كان أصحاب الاقتراح ينوون تقديمه بصيغة اقتراح تعديل دسوري، فإنّ مبادرة اقتراح تعديل الدستور الصادرة عن النواب، وفقاً لما يوضحه يمين، لا تجوز سوى في خلال عقد نيابي عادي عملاً بأحكام المادّة 77 من الدستور التي تنص على أنّه “يحق لمجلس النواب في خلال عقد عادي وبناء على اقتراح عشرة من اعضائه على الاقل أن يبدي اقتراحه باكثرية الثلثين من مجموع الاعضاء الذين يتألف منهم المجلس قانونا باعادة النظر في الدستور”، علماً بأنّ البرلمان حالياً يمرُّ في عقد حكمي عملاً بالمادة 69 من الدستور ما دمنا في ظلّ حكومة تصريف أعمال، في حين أنّ العقد العادي يبدأ في الثلاثاء الذي يلي الخامس عشر من تشرين الأول.
3- يمكن إقرار تعديل دستوري قبل تأليف حكومة جديدة ونيلها ثقة البرلمان، لأنّ هذا التعديل،وفق يمين، لا يصحّ في ظلّ حكومة تصريف أعمال باعتبار أنّ دور مجلس الوزراء أساسي وحصري في صياغة مشروع التعديل عملاً بأحكام المادة 77 من الدستور.
4- التشريع يجب أن يتّسم بصفة العمومية وبصفة التجرد تحت طائلة تعريضه للإبطال، الأمر الذي يعني،بحسب يمين، أنّه لا يجوز التشريع لحالة معينة أو لجريمة معينة مهما كانت فظاعتها وضخامتها.
وأمام ذلك يشدّد يمين على أنّه خلافاً لما أوحى به الرئيس سعد الحريري، فليس في الدستور من “حصانة لا مسؤولية” عن الأفعال إلا لرئيس الجمهرية عملاً بأحكام المادة 60 من الدستور التي تنصّ على أنّ “لا تبعة على رئيس الجمهورية حال قيامه بوظيفته الا عند خرقه الدستور او في حال الخيانة العظمى”، وهي حصانة مرتبطة بموقعه كرئيس للدولة وكرمز لوحدة الوطن وبعدم حيازته صلاحيات تنفيذية وآمرة، ولا يمكن في جميع الأحوال ومن باب الاستطراد في البحث تعليقها أو إلغاؤها بمفعول رجعي ،لأنّه لا يجوز عملاً بالمبادئ العامة ترتيب مسؤولية جزائية بمفعول رجعي. أما رئيس الوزراء والوزراء فلا يحوزون أيّ “حصانة لا مسؤولية” بتاتاً، وإذا كان قاضي التحقيق العدلي طلب من البرلمان رفع الحصانة عن بعض أعضائه، فباعتبارهم نواباً وليسوا وزراء، علماً بأنّ حصانة النائب عن الأفعال المنصوص عليها في الماة 40 من الدستور هي حصانة إجرائية وموقتة ونسبية وتكون قابلة للرفع بالأغلبية النسبية من الحاضرين في نصاب أغلبية مطلقة في الهيئة العامة للبرلمان، وهذه الحصانة تنحصر في دورات انعقاد البرلمان ولا يُعتدّ بها في الجرائم المشهودة، في حين أنّ حصانة اللامسؤولية النيابية المنصوص عليها في المادة 39 من الدستور محصورة بالآراء والأفكار التي يبديها النائب مدة نيابته. وبناءً عليه، لا حاجة لتعليق أجزاء من الدستور، بل تكفي موافقة البرلمان سريعاً على منح الإذن بملاحقة بعض أعضائه في دعوى المرفأ.
أما اختصاص المجلس النيابي لاتهام رئيس الوزراء والوزراء وبالتالي اختصاص المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء من أجل إجراء المحاكمة، فهو، بحسب يمين، اختصاص جوازي واختياري وليس حصرياً ولا احتكارياً من جهة، كما أنه محصور بالخيانة العظمى وخرق الدستور من جهة ثانية، عملاً بالمادة 70 من الدستور التي تنصّ على أنّ “لمجلس النواب أن يتّهم رئيس مجلس الوزراء والوزراء بارتكابهم الخيانة العظمى او باخلالهم بالواجبات المترتبة عليهم ولا يجوز أن يصدر قرار الاتهام إلّا بغالبية الثلثين من مجموع أعضاء المجلس”، علماً ، وبحسب يمين، بأنّ المجلس الأعلى لم يتلقّ أيّ إحالة ولم يشهد بالتالي أيّ محاكمة بتاريخه .
وعليه فإنه وفي حال كان الرئيس سعد الحريري على استعداد لدخول طريق تعديل الدستور فهذه فاتحة خير، يؤكد يمين، وإذا كان يرغب بإخضاع رؤساء الجمهورية للمحاسبة، فذلك يشترط أن يتمّ مستقبلاً وليس بمفعول رجعي من جهة، وأن يترافق مع تعزيز صلاحيات رئيس الجمهورية من جهة ثانية كون المسؤولية ترتبط بتوفر الصلاحيات، فيتمّ منح رئيس الجمهورية الحق بأن يوجِّهَ منفرداً الدعوة إلى مجلس الوزراء للانعقاد ويُمنع انعقاده بدون حضوره وبغير رئاسته ويُساوى رئيسُ الجمهورية برئيس الحكومة والوزير على الأقل من حيث إلغاء مهلة الخمسة عشر يوماً أمامه لتوقيع قرارات مجلس الوزراء ويُمنح حقَّ إقالة الحكومة عند تقاعسها، وسوى ذلك.