جمهور “حزب الله” ب”سمنة”والباقي ب”زيت”!
بقلم: فارس خشان
النشرة الدولية –
لم يخرج مشهد خلدة الدامي،يوم الأحد الماضي، عن التوقعات السوداء التي تحوط بلبنان، منذ انفجاري الأزمة المالية ومرفأ بيروت.
والدول التي ستجمع الرئاسة الفرنسية بالاشتراك مع الأمم المتحدة ممثليها عبر تقنية “فيزيو كونفرانس” لتوفير ما أمكن من دعم للشعب اللبناني، سبق أن اطّلعت على تقارير اتّفقت عليها أجهزتها المخابراتية، وفيها تحذير جدّي للغاية من أن يصبح لبنان كياناً لا يعيش فيه إلّا جائعون يحكمهم متطرّفون يتزعمّهم، موضوعياً، “حزب الله”.
ولا يحتاج ضحايا انفجار مرفأ بيروت وذووهم الى أيّ نوع من أنواع التقارير ليعرفوا أنّ دماء الشعب اللبناني، طالما بقيت الأمور على ما هي عليه، ترخص، يوماً بعد يوم.
ولا تشخص الأنظار الى “مؤتمر باريس” الذي ضرب نفسه بنفسه، حتى قبل أن يبدأ، إذ إنّه سوف يستضيف رئيس الجمهورية ميشال عون، على الرغم من “شراكته”، أقلّه سلباً، في انفجار مرفأ بيروت، من جهة ودوره الرائد في الحيلولة، منذ ما يقارب السنة، دون تشكيل حكومة تملك مواصفات انقاذية للبنان، من جهة أخرى.
صحيح أنّ المسؤولين الفرنسيين الذين يهيئون الأرضية لفرض عقوبات أوروبية ودولية على الطبقة السياسية اللبنانية، يعزون مشاركة عون الى “الاضطرار”، بفعل “معايير” الأمم المتحدة “السيادية”، إلّا أنّ ذلك لا يحول دون نقل الاهتمام الجماعي إلى الحراك الشعبي الذي دعا إليه ضحايا انفجار المرفأ وذووهم، في ظلّ المحاولات المتكررة لتوفير حصانات دستورية وحمايات سياسية لمسؤولين يريد المحقق العدلي طارق بيطار استجوابهم، بصفة مدّعى عليهم.
وعلى عكس ما رجاه البعض، فإنّ حدث خلدة الدموي بين “حزب الله”، من جهة أولى و”العرب”، من جهة ثانية لم يحجب الأضواء، عن “حراك المرفأ” بل العكس هو الصحيح، إذ إنّ “تغييب” العدالة، تحت أي حجة من الحجج، يقود، بالنتيجة، الى ما لا تحمد عقباه.
ومن دون أنْ يدري ألقى “حزب الله”، بمناسبة “حدث خلدة”، درساً ثميناً على جميع اللبنانيين، حول ضرورة الاحتكام الى ما تريده “الجماهير” التي يُعلي صوتها على أيّ صوت آخر، إذ قال النائب حسن فضل الله:”جمهورنا يطالبنا باجتثاث هذه العصابات، ونحن قادرون على أن نجتثّها في خمس دقائق. وإن كنتم لا تُريدون فتنة، فسلِّموا القتلة (…) للصبر حدود وعلى الأجهزة الأمنية أن تفكك هذه العصابات”.
من دون الدخول في خلفية ما حصل في خلدة، وأسباب عدم تسليم “حزب الله” للمتهم الرئيس بقتل الطفل “العربي”حسن غصن، على الرغم من مرور سنة كاملة على الجريمة، وتداعيات الاستخفاف بالعدالة على إعادة الاعتبار لمنطق الثأر، فإنّ فضل الله الذي ينطق باسم جماعة ثابرت على توفير حمايات علنية لكبار المدّعى عليهم والمتهمين والمجرمين يعلن، ومن دون أن يؤثّر الوجدان على حنجرته، أنّ “جمهورنا يريد، وعليكم أن تطيعوا، وإلّا فنحن هنا”.
وهذه النبرة الاستقوائية تفضح أنّ في لبنان نوعين من الجمهور: النوع الاوّل، وهو يضم غالبية اللبنانيين، يستخفّ الجميع بدمائه، أمّا النوع الثاني، فهو “جمهور حزب الله” الذي “يستحيل” عدم الإنصات إليه.
الفارق بين هذين الجمهورين اللذين ينتميان الى وطن واحد ويستظلّان- مبدئياً- دولة واحدة، هو السلاح الذي يتحجّج حاملوه بما يسمّونه “مقاومة”، ولكنّهم لا يترددون في استعماله في “الفتن”، إثارة لها، حيناً، وتورطاً بها، أحياناً أخرى.
ولعلّ الجمهور الطبيعي المفترض أن يكون في كل البيئات هو جمهور “حزب الله”، اذ إنّ المواطن، عندما يسلّم شؤونه وشجونه الى الدولة، فعلى قاعدة أن توفّر له الحماية، وفي حال فشلت في ذلك، تعمل بلا هوادة، على أن توفّر له العدالة التي لا تعترف بقوة فوقها، مهما كانت طبيعتها أو شعاراتها أو عقيدتها أو ارتباطاتها.
إنّ ما يطلبه “حزب الله” لجمهوره يرفض أن يتوافر مثله لجميع اللبنانيين، لا بل إنّه يقود بنفسه عملية حرمانهم منه.
تدقيق بسيط في ما حصل في خلدة، منذ قتل الطفل حسن غصن، يظهر ذلك، من دون حاجة الى الإبحار، مثلاً لا حصراً، في ملفات اغتيال رفيق الحريري وجورج حاوي والنقيب سامر حنّا ومحاولات اغتيال مروان حمادة والياس المر وبطرس حرب.
إنّ المنطق الذي رفعه النائب فضل الله هو المنطق الذي يحاول أن يعتمده ضحايا انفجار مرفأ بيروت وذووهم.
هؤلاء لا يحملون سلاحاً ولا تقف وراءهم قوّة عسكرية أو “ثقافة عشائرية”، ولكنّهم يراهنون على أنّهم، ولو استضعفهم المسؤولون، يملكون قوّة الارادة ويفهمون معنى المواطنية ويؤمنون بجدوى النضال ويثقون بقدرة الحق.
إنّ “حدث خلدة”، على مأساويته الميدانية والرمزية، يمكن أن يُثمر إيجاباً، لو تمّ التعاطي مع خلاصاته، بجدية، بحيث يكف الجميع، يتقدّمهم “حزب الله”، عن اعتبار القوة الميليشياوية تسمح باحتقار العدالة والاستقواء على الجميع.
وهذا الدرس لا يصب في مصلحة ضحايا انفجار المرفأ، فحسب بل من شأنه أن يضع لبنان على سكة النهوض من سقطته المريعة تحت وطأة الانفجار المالي والاقتصادي والاجتماعي، وحينها لا يعود الشعب اللبناني، بحاجة الى “شفقة” مؤتمر باريس، ولا يعود في لبنان جمهوران، واحد خاص ب”حزب الله” وآخر خاص ب…ضحاياه!