التنمر والتنمر المضاد في الاردن!
بقلم: صالح الراشد

 

النشرة الدولية –

سالني إبني القادم من الولايات المتحدة الأمريكية قائلاً، عندما كنت في الاردن لم يكن هناك تنمر من الشعب على الحكومات وأعضائها، وكان النقد خجولاً وبطريقة مهذبة، لكن اليوم فإن الشعب ينتقد اي خطوة تقوم بها الحكومة حتى لو كانت صائبة، ولا أحد يخاف أو يرتعب فالتنمر قوي وأحيانا يكون مسيئاً، وهو شيء لم نعتاد عليه في سابق الايام، فما هو السبب، ولماذا ارتفعت وتيرة التنمر الشعبي على الحكومات؟، وأكمل قائلاً، ولماذا تصمت الحكومات والجهات الامنية على هذا التنمر؟، فهل هو الخوف من منظمات حقوق الإنسان التي تملأ العالم ضجيجاً لأي حدث في دول العالم الثالث، وتصم اذنيها وتغمض عينيها إذا حصل نفس الأمر لمواطن من دول العالم الثالث في دول الغرب؟،  أو هي محاولات لإظهار أن هناك حرية رأي في الوطن، في وقت إنعدمت هذه الحرية في الدول العربية بلا إستثناء؟

فرحت كثيراً بهذا السؤال وباهتمام إبني بما يجري في وطنه، وتنهدت طويلاً، وقلت له: العنوان يا ولدي ليس تنمر الشعب على الحكومات بل هو تنمر متبادل بينهما بطرق مختلفة، بحيث يحاول الشعب فرض رأيه على الحكومات التي تفرض قرارها على الشعب، لذا يا بني فهذا تنمر وتنمر مضاد، فالفساد انتشر في البلاد والنفقات أصبحت لا تُطاق والدخل ثابت وبالتالي تراجعت القيمة الشرائية، والحكومات السابقة والحالية لا يملكون الحل لأي قضية إقتصادية إلا جيب المواطن الذي أصبح فارغاً من المال وممتليء بأوراق الديون والشيكات والكمبيالات، ثم تنهدت من جديد وقلت:” ألا تعلم يا بني ان هناك العديد من بنات الوطن في السجون بسبب الديون”.

يا بني لقد تغيرت الأوضاع، فالنواب أصبحوا عبء على الوطن والمواطنين، وأصبحت علاقتهم بالحكومة كالزواج السري أو العرفي، فكل منهما يغضب من الآخر في العلن وربما يتدلل عليه، وفي النهاية وبعيداً عن الأعين يجتمعون في سرير واحد لتنفيذ رغباتهم المشتركة والتي يدفع ثمنها دوماً المواطن والوطن، وبالتالي فإن المواطن يعرف بواطن الأمور ويعلم من هو الفاسد ومن هو المُصلح، لذا يهاجمون الفساد والفاسدين دون أن يجرؤ أحد من الفاسدين على الدفاع عن نفسه حتى لا يُظهر للجميع أنه هو المقصود، لذا يصمتون ويضعون رؤوسهم في الرمال لحماية البيض الذي نهبوه من الوطن، لقد رفع المواطنون صوتهم حين فرضت الحكومة قرارتها الجائرة على الشعب وسط صمت من السلطة التشريعية، ليجد المواطنون ان الحل الوحيد يكون برد تنمر الحكومة التي فرضت قرارات أهلكت الشعب بالتنديد بها وبإنتقادها، دون خوف من القوانين التي شرعها مجلس النواب لضمان صمت الشعب الذي علا صوته أعلى وأعلى.

يا بني إن الإحساس بالظلم يجعل الشعب يخرجون عن صمتهم ويتحدثون بالعلن عن الفساد والقهر، فكيف لجائع أن يتغزل بمن سرق قوت أطفاله، وكيف لباحث عن العمل أن يصمت عن فاسد يقوم بتعين إبنه الفاشل، وكيف لمحتاج للعلاج لا يجد سرير في الوطن فيما كبار القوم يتعالجون خارج البلاد على نفقة الشعب، لذا فقد أصبحت نظرة الشعب للمسؤولين تحمل شعار ” كلكم فاسدون إلى أن يثبت العكس”، والغريب أن العكس لم يحدث، فالمسؤولين ورغم النقد يعينون ابنائهم واقاربهم ويتجاهلون أبناء الشعب، كما أن تعرفة مشتقات النفط لم تتغير وتعتبر من أسرار الدولة، ولو جمعنا جميع علماء الرياضيات ما عرفوا اصلها ونتائجها، وفي الكهرباء ستقوم الحكومة بالتصدير وترفع الأسعار على الشعب، لذا يا بني هي نظرية ثابتة حين تتنمر الحكومات على الشعب، يرد الشعب التنمر بالتنمر المضاد، لذا فإن الهجوم لن يتوقف إلا إذا اثبتت الحكومات أنها تعمل لصالح الشعب وهذا يحتاج لوقائع على الأرض وليس لشهادات إعلاميين محسوبين على الحكومة أو محللين مستأجرين، عدا ذلك سيبقى الحال على ما هو عليه حتى يأذن الله بالفرج من عنده.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى