روحاني إلى العزل وربما الإدانة
النشرة الدولية –
صعبة هي مهنة رئيس الجمهورية في إيران، وصعبة نهاية كل من يتولى هذا المنصب. فالنظام يُختصر في شخص المرشد ودائرته. هو من يختار الرئيس فيرشحه ويزكّيه وهو من يديره في مهماته، وسيكون نجاحه نجاحاً للمرشد وفشله سيتحمّله وحيداً.
ونموذج حسن روحاني سيضاف إلى سلسلة النماذج السابقة منذ قيام الجمهورية الإسلامية الخمينية؛ رؤساء يتم اختيارهم في مجلس خبراء يرعاه “القائد”، يؤتى بهم في انتخابات يحرص على شعبيتها وكثافة المشاركة فيها، ثم إذا حاول الرئيس المعين، أو خرج عن توجيهات مرشده، أو لم ينجح في تنفيذها، ولو كانت خاطئة أصلاً، فإنه سيتعرّض لغضب النظام وتنتهي مسيرته إن لم تنتهِ حياته.
أسلوب القيادة هذا أرساه الخميني ويواصله خامنئي ونتائجه الرئاسية مفعمة بالدروس والعبر، وأولها أن من يحسم موقع المرشد يحسم المناصب الأساسية في الدولة، وقد بدأ ذلك باكراً عندما فُرضت الإقامة الجبرية على حسين منتظري، الخليفة المفترض للخميني ليحل مكانه المرشد الحالي الذي يقال إنه يعدّ ابنه مجتبى لخلافته.
شغل خامنئي موقع رئيس الجمهورية في ظل الخميني، وكان الأوفر حظاً بين رؤساء النظام الجديد، إذ انتقل من وظيفة الرئيس إلى القائد الأعلى في ما كان غيره من الرؤساء يتعرضون للعزل والقتل ومحاولات الاغتيال.
الرئيس الأول للجمهورية الخمينية الحسن بني صدر (1980 -1981) اعتُبر خائناً وطورد، فهرب إلى فرنسا حيث جرت محاولات لاغتياله. الثاني محمد علي رجائي ترأس الجمهورية شهراً قبل اغتياله. الثالث كان خامنئي الذي استمر ولايتين (1981 -1989) قبل تعيينه مرشداً. الرابع هاشمي رفسنجاني رجل النظام القوي (1989 – 1997)، الذي عُزل واضطُّهدت عائلته لتميّزه ووقوفه إلى جانب الثورة الخضراء في 2009، هذا الرجل الذي أرسى تصدير الثورة باتفاقه مع رئيس النظام السوري حافظ الأسد في الثمانينيات، سيعزل من رئاسة مجلس الخبراء في 2011، وسيمنع من الترشح للرئاسة في 2013، ليموت في ظروف غامضة عام 2017.
الخامس محمد خاتمي، الوجه الثقافي الحواري الذي زار بيروت قبل انتخابه رئيساً، فلم تهتم به ذراع إيران فيها إلا قليلاً، بينما حل مكرماً على أوساط المثقفين من مختلف الطوائف، وأجريت معه أحاديث وحوارات غنية تركت أثراً. إلا أن هذا المثقف بقي واجهة ضرورية لنظام متهم بتصدير الإرهاب في فترة الهجمات على نيويورك، ثم غزو الأميركيين لأفغانستان فالعراق، ليذهب إلى النسيان بعد فشله في الدفاع عن صديقه المرشح للرئاسة مير حسين موسوي، الذي صُنّف خائناً فمُنع من الترشح وفرضت عليه الإقامة الجبرية وجيء برئيس بلدية طهران المعين محمود أحمدي نجاد رئيساً عام 2005.
نجاد الذي فاز على الثورة الخضراء وموسوي وخاتمي في انتخابات 2009 “المزورة”، لولاية ثانية، كان مدعوماً من خامنئي في الولايتين، إلا أن خامنئي نفسه وقف ضد ترشحه في 2017، ثم في الانتخابات الأخيرة، التي أنهت عصر حسن روحاني وجاءت بإبراهيم رئيسي، المسمّى على نطاق واسع في الإعلام الغربي بـ”جزار طهران”.
هل يجب على روحاني وغيره من المصنفين إصلاحيين أو متعاطفين مع الاحتجاجات الشعبية أن يخشوا على أنفسهم في عهد “القاضي” رئيسي؟ في المبدأ عليهم ذلك. فخلال المناظرات الرئاسية التي سبقت الانتخابات الأخيرة خاطب أحد المرشحين رئيسي، قائلاً: هل تضمن لي الخروج بأمان من مبنى التلفزيون؟.
وفي سياق السباق إلى نيل حظوة الترشيح، قدّم نجاد الذي رُفض ترشيحه مع ذلك، قائمة اتهامات بحق روحاني يمكن لخلفه أن يستلّها من الجارور في لحظة، خصوصاً إذا لم تنجح مساعي العودة إلى الاتفاق النووي.
وصف نجاد روحاني بـ”القاتل”، وقال، “إنه ووزير داخليته عبد الرضا رحمن فضلي ووزير النفط بيجي زنغنة يجب أن يحاكموا بسبب سفك دماء الأبرياء وتشويه سمعة البلاد”.
كان نجاد يشير إلى احتجاجات 2019 لدى قيام حكومة روحاني برفع أسعار الوقود ثلاثة أضعاف، ما أدى إلى مقتل 1500 شخص وقيل رسمياً 250.
هذا العدد من الضحايا لا يقارن بالعدد المنسوب إلى رئيسي عندما لُقّب بـ”جزار طهران”، لكنه مضبطة يضاف إليها ما يعتبره نجاد وآخرون فشل روحاني في المفاوضات مع الأميركيين على الرغم من نيله الضوء الأخضر من خامنئي، ونتائج ذلك ستتضح لدى إكمال هذه المفاوضات في ظل الرئيس الجديد.
المناخ الذي رافق نهاية ولاية روحاني، والتذكير الدائم بانتقادات وزير خارجيته جواد ظريف للواء قاسم سليماني، يوحيان بعزل طويل للرئيس الإسلامي المنصرم، إن لم تقتضِ الضرورات الداخلية تقديم كبش محرقة لديمومة النظام.
صحيفة “كيهان” التابعة للمرشد تهكمت على خطابه الأخير كرئيس وكتبت في عنوانها، “كنا ممتازين!”، وإلى جانب العنوان أوردت تغريدات معارضيه ومنها، “إرحل فأنت من دمرت البلاد”. أما صحيفة “وطن أمروز” الأصولية، فاكتفت بالقول، “إرحل فقط “. لم يعُد روحاني في صلب النظام. هو مثل من سبقه أدى دوراً مرسوماً، لتبقى الحياة للمرشد، مختصراً الثورة والشعب ومحدداً مصيرهما.