نهاية فيلم أميركي طويل
بقلم: حمزة عليان

النشرة الدولية –

المشهد ليس جديداً في تاريخ الحروب الأميركية، ففي النهايات هناك دائما لحظة فارقة تسجل فيها واقعة السقوط المدوي، فقبل أن تنتهي الحرب الفيتنامية عام 1975 تعرضت صورة البطل الأميركي إلى ما يشبه ما حدث في كابول، يومها كانت طائرات الهليكوبتر تقلع من سايغون بصورة مأساوية وفيها الكثير من «الذل».

لماذا خرج الأميركيون بهذه الصورة “المذلة” من أفغانستان؟ كان هذا أحد الأسئلة التي رافقت مشهد الطائرة العسكرية العملاقة وهي تقلع من مطار كابول يسير معها ومن تحتها وعلى أطرافها عشرات الأفغان الذين تعلقوا بعجلاتها طلباً للنجاة من الموت!

المشهد ليس جديداً في تاريخ الحروب الأميركية، ففي النهايات هناك دائما لحظة فارقة تسجل فيها واقعة السقوط المدوي، فقبل أن تنتهي الحرب الفيتنامية عام 1975 تعرضت صورة البطل الأميركي إلى ما يشبه ما حدث في كابول، يومها كانت طائرات الهليكوبتر تقلع من سايغون بصورة مأساوية وفيها الكثير من “الذل” فقد اضطرت إلى المغادرة تحت وقع ضربات الثوار الفيتناميين الذين أذاقوها مرارة الاحتلال وتسببت بمقتل 58 ألف جندي أميركي وبهزيمة سياسية وعسكرية.

عام 1953 أطاحت المخابرات الأميركية بأول رئيس وزراء إيراني منتخب ديمقراطياً من الشعب، وهو محمد مصدق، وأجهزت عليه بانقلاب عسكري لتعيد الشاه رضا بهلوي إلى الحكم بعد هروبه إلى إيطاليا، ثم تنقلب عليه عام 1978 لتخرجه من طهران وتأتي بالإمام الخميني، وفي هذا الصدد يكتب الشاه في مذكراته، أن الأميركيين رموا بي خارج بلدي كما يرمي القط فأراً.

عام 2003 أسقطت الإدارة الأميركية نظام صدام حسين وتولى حكم العراق بول برايمر الذي أوجد بدوره صيغة حكم مدني، بعد أن حل حزب البعث والجيش ومؤسسات عراقية أخرى فتسببت قراراته في دخول العراق دوامة حروب لم تنته! وعن تلك المرحلة ينقل أحد الأصدقاء عن وزير النفط إبراهيم محمد بحر العلوم أنه اصطحب في تلك الأيام أحد معاوني برايمر الكبار في زيارة إلى جنوب العراق بعدما استشعروا أن العشائر قد تتحرك ضد الوجود الأميركي، ذهبوا في موكب عسكري مهيب وحراس مدججين بالسلاح، ودخلوا إحدى المناطق، وترجلوا من السيارات ليصافحوا شيوخ العشائر الذين تهافتوا على “السيد” وتركوا معاون برايمر وهو الحاكم الفعلي للعراق، متقدمين نحوه يقبلون يديه ورأسه وكتفيه في منظر أثار غضب واستهجان الشخصية الأميركية.. ثم راح الوزير العراقي يشرح له ماذا يعني ذلك من الناحية الدينية، وانتسابه إلى “السادة” من آل البيت وصلتهم بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم!

تلك الحادثة تعكس عقلية “البطل الأميركي المحتل” التي تقوم على استعراض القوة العسكرية الجبارة وما تملكه من أحدث وأقوى الطائرات في العالم وأضخم الأساطيل والصواريخ والأسلحة المتطورة التي تجعل منه أسطورة خارقة عند الخصم أو الدولة المستهدفة.

في الأمس خرج وزير الدفاع الأميركي الأسبق تشاغ هاغل في لقاء مع محطة CNN أجرته كريستيان أمانبور فقال كلاماً في منتهى الوضوح “ارتكبنا أخطاء مميتة خلال الـ20 سنة من الاحتلال في أفغانستان فتاريخ هذا البلد لم نفهمه جيداً على الإطلاق، حيث إنها لم تعرف حكومة مركزية من قبل، فالإنكليز عرفوها تماماً كما عرفها السوفيات”، وأضاف “لم نفهم الثقافة أو الدين أو القبيلة كل هذه الديناميكيات تؤسس الثقافة”.

الحقيقة أن التدخلات العسكرية الأميركية في الخارج غالباً ما انتهت إلى فشل استراتيجي، وتغيير بالتحالفات وبالتالي تدير أميركا ظهرها إلى حلفائها وتتخلى عنهم كما تخلت عن الشاه رضا بهلوي وهو المعروف بالشرطي الأميركي في الخليج.

طالبان تتباهى اليوم بانتصاراتها العسكرية أمام العالم وأميركا تخذل حليفها أشرف غني، الذي قامت بتهريبه بطائرة هليكوبتر أقلته مع حزمة من الأموال والسيارات إلى طاجيكستان، وتوجه رسالة خاطئة جداً غير مباشرة إلى حلفائها وهي رسالة غير مطمئنة تبعث على الخوف والتساؤل عن المصير الذي ينتظره. هكذا كانت النهاية، فيلم أميركي طويل.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button