حزب الله” يرشّ المازوت الإيراني على حطام لبنان”
بقلم: فارس خشان
النشرة الدولية –
لا يواجه لبنان أدنى مشكلة في توافر مصادر النفط على أنواعه، حتى يكون المازوت الايراني الذي أعلن الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله إبحار أولى ناقلاته، هو الحل.
مشكلة لبنان تكمن في مكان آخر، وتحديداً في قدرات الدولة اللبنانية على انتاج معادلة مقبولة توازن بين توفير ثمن الاستيراد، من جهة والتوصل الى طرحه في السوق اللبناني، بأسعار “ملائمة”، من جهة أخرى.
وهذا يعني انّ الشركات التي تعتمدها الدولة اللبنانية لاستيراد النفط محكومة بقرار وزارة الطاقة، لجهة “التسعير”، وبقرار مصرف لبنان لجهة “قيمة الدولار”، وفي حال اختلفت هاتان المرجعيتان، كما حصل في الآونة الأخيرة، توقف الاستيراد، وفي حال “قنّن”المصرف المركزي “الدولار المدعوم” تضاءلت المواد المتوافرة.
وعليه، فإنّ كلمة حصار التي يتوسّلها “حزب الله” في أدبياته، لا تجد معناها، إلّا في سياق المحاولات التي يقدم عليها الجميع، في استثمار عذابات اللبنانيين، سواء في السياسة الداخلية أو في “صراع المحاور” الاقليمية والدولية.
اذن، باخرة المازوت التي يستوردها “حزب الله” من ايران، لا تكسر حصاراً، بل هي تستغل أزمة سياسية-مالية- اجتماعية تسبّبت بها التركيبة السلطوية التي يحميها “حزب الله” ويرعاها، أقلّه منذ نجاحه في فرض ميشال عون رئيساً للجمهورية، وتولّيه، بوجه مكشوف، قيادة اسقاط ثورة ١٧ تشرين الاوّل( اكتوبر) ٢٠١٩ ومفاعيلها.
إنّ توقيت إعلان نصرالله عن انطلاق رحلة المازوت الايراني الى لبنان، يبيّن هذا الإستثمار في عذابات اللبنانيين: فيما كان رئيس الجمهورية ميشال عون، وخلفه وزراة الطاقة، يحاول كسر قرار حاكم مصرف لبنان رياض سلامة القاضي ب”رفع الدعم عن دولار النفط”، كان نصرالله يقفز فوق هذا الخلاف معلناً انطلاق العمل في “جهاد المازوت”.
وكان لافتاً للإنتباه أنّ عون انتظر حتى يعلن نصرالله ما أعلنه، حتى يكتشف، بعد ظهر أمس،أي على بعد ثلاثة أيّام فقط، أنّه يملك صلاحيات دستورية تعينه على إيجاد حل لمشكلة استيراد المواد النفطية، بعدما أمعن في هدر الوقت الثمين في صراع لا جدوى منه، على الإطلاق.
ويعرف اللبنانيون وجميع المعنيين بالوضع اللبناني العلاقة التي تربط عون بنصرالله، ولهذا قصدته السفيرة الاميركية في بيروت دوروثي شيّا لتأخذ منه ةشهادة رسمية” تناقض كلياً اتهامات “حليفه”.
وفي ذلك، يحسن الاميركيون أيضاً استغلال المرجعيات الرسمية في لبنان ، وإن كانوا يدركون صوريتها.
وبالعودة الى إعلان نصرالله “المازوتي”، فهو يتميّز في أنّه يُغيّب كل المعايير التي تتحكّم باستيراد المحروقات، إذ إنّه يجري إهمال صلاحيات وزارة الطاقة، اذا لم تكن الكمية المستوردة هبة، ويجري تغييب صلاحيات الحكومة في حال كانت هذه الكمية هبة من الدولة الايرانية الى الشعب اللبناني، كما يسمح لفريق سياسي داخلي أن يتصرّف، وفق ما يرتأي وبمعايير تلائم مصلحته، في مادة تدخل في سياق “المواد الاستراتيجية”.
ولن تحل باخرة “حزب الله” المازوتية مشكلة النقص الحاد في السوق اللبنانية، حتى لو تبعتها العشرات، وليس على من يشكّك في ذلك،سوى التمعّن في أحوال سوريا التي تستورد، رسمياً، النفط الايراني،ولكنّها أعجز من أن توفّر حاجات السوق الذي يمتص جزءاً كبيراً من المازوت والبنزين اللبنانيَين، بواسطة شبكة تهريب مدانة منبراً ومدعومة ميداناً.
في المقابل، فإنّ “باخرة نصرالله المازوتية”،سوف تؤكّد انتهاء صلاحية الدولة اللبنانية، لمصلحة “حزب الله” الذي أضاف “وزارة النفط” الى نطاق المنظومة التي يتمتّع بها.
ولدى “حزب الله” في لبنان قطاعات مستقلة كليّاً عن تدخّل الدولة اللبنانية: وزارة الدفاع التي ترعى جيشه ورواتبه وتسليحه، وزارة الأشغال التي يطلق عليها اسم “جهاد البناء”، وزارة الثقافة التي تتولّى الترويج لعقيدة “الولي الفقيه”، وزارة الاعلام التي ترعى تلفزيونات واذاعات وعشرات المواقع الالكترونية والجيوش الالكترونية، وزارة الخارجية التي تحدّد سياسات الحزب الاقليمية والدولية، وزارة العدل التي تصدر ما يلزم من “تكاليف شرعية”، وزارة الصحة التي فتحت الاسواق اللبنانية للدواء الايراني، وزارة الشؤون الاجتماعية التي تتولّى اصدار “بطاقات الدعم التموينية”، ووزارة النقد التي توفّر نظام “القرض الحسن”.
وليس لدى اللبنانيين أو المعنيين في الشأن اللبنانيين أدلّة تمنعهم من تأكيد اعتقادهم بأنّ “حزب الله” يلعب الدور الأساسي في إضعاف الدولة اللبنانية، حتى يبرّر لنفسه أن يأخذ، بالتدرّج والقضم، مكانها.
والحزب شريك الدولة في كل شيء، في حين يمنع على الدولة مشاركته في أيّ موضوع يضع يده عليه.
والحزب صاحب قرار كبير، حتى لا نقول حاسم، في كلّ المسارات السلطوية.
ومع ذلك، تستطيع آلة “حزب الله” الدعائية تبرئته من كل سقطات الدولة اللبنانية، اعتقاداً منها أنّ تمثيله “المتواضع” في الحكومة يَغسل يديه من الإنهيار اللبناني، في حين يعرف القاصي والداني أنّ أعظم مشاكل لبنان التي انفجرت أزمةً غير مسبوقة في تاريخ الدول، سببها الأساس هو “حزب الله”.
ونصرالله، على طريقته “اللطمية” يعترف بذلك، و ينسبه الى ضغط “الاستكبار العالمي” على “محور المقاومة”.
وبغض النظر عن صحة التبريرات، فإنّ “حزب الله” يقحم لبنان، على حساب الشعب ولقمة عيشه، في صراع كبير تقوده ايران التي يهمّها، في هذه المرحلة، أن تجد سوقاً جديداً لانتاجها النفطي، ولا سيّما المازوت منه.
و”الحرس الثوري الايراني” في ظل أزمة العملات الصعبة في بلاده، وانهيار صورة أدواته في المنطقة، يصيب عصفورين بحجر واحد من خلال المازوت: يموّل الحزب ويبيّض صفحته.
في لبنان، ثمّة من يدعو الى إسقاط الازدواجية التي تتحكّم ببلاد الأرز، إذ إنّ المناصب في مكان والسلطة الفعلية في مكان آخر.
يدعو هؤلاء، ربّما بفعل اليأس من إمكان اصلاح الحال، الى تسليم “حزب الله” الدولة، بحيث يتحمّل هو المسؤولية عن كل ما يصيب اللبنانيين من أضرار، فلا يعود قادراً على تستير نفسه خلف السلطات والمؤسسات والأجهزة التي يتسبّب بعجزها.
وهذا الحل لن يزعج أحداً أبداً، فإسرائيل كما تفضّل بشّار الأسد في سوريا على الآخرين، فهي تفضّل “حزب الله” على الدولة المنهارة.
وتصدر في تل أبيب دراسات تبيّن مصلحة اسرائيل في أن يكون “حزب الله” حاكم لبنان الرسمي.
وقد ناقشت هذه المرجعيات قرار استيراد “حزب الله” للنفط الايراني، فدعت الى تسهيل وصوله الى لبنان، ليس خوفاً من حرب، بل مساهمة في دفع الحزب الى إحكام سيطرته على بلاد الأرز التي تحكمها دولة فاشلة.
حينها، في اعتقاد إسرائيل، سوف يصبح “حزب الله” في تعاطيه مع أمنها الاستراتيجي “أكثر عقلانية”.