الكويت والسقوط في فخ الدولة الدينية
بقلم: أحمد الصراف
النشرة الدولية –
يزداد مع الوقت تحول الكويت، العلمانية بدستورها، إلى دولة دينية. وهناك دلائل كثيرة على قيام أطراف مؤدلجة دينياً بالاستفادة من هذا المناخ الخطير لمصلحتها ومصلحة أحزابها الدينية السياسية، وهي تقوم في سبيل ذلك باستخدام مختلف أدوات الإرهاب، سواء بالتحذير من غضب الله، وكأن الأمر بيدها، وهي الناطقة باسمه، أو باللجوء لسلاح تهديد الوزير المعني بالاستجواب، مدركين جيداً أن الحكومة تحاول تجنب أية استجوابات، وتختار في الغالب الاستجابة للضغوط وتحقيق «الطلبات الدينية البسيطة»، التي ستتبعها طلبات دينية بسيطة أخرى، ثم أخرى، لننزلق في نهاية الأمر إلى الدولة الثيوقراطية، ونحن غافلون.
انتشار الفكر الإسلامي (أو الديني بشكل عام) يزداد في المجتمعات المتواضعة ثقافياً. ففيها لا يكترث الغالبية بأمور التعليم والتثقيف، ولا تمتلك الرغبة في السؤال والتحليل، فهي لم تدرّس أو تدرّب لتقوم بذلك، وبالتالي تواجه مشاكلها بطريقتها الخاصة، والسلبية غالباً، وهذا يفسح المجال للمتاجرين بالدين للتدخل وفرض آرائهم والدفع أكثر في عملية «الانزلاق»، خاصة مع زيادة تعقيدات الحياة، وشعور البعض أن ما يساقون إليه هو الطريق الصحيح.
نشط مؤخراً بعض من سبق أن تعهدوا بالامتناع عن أي نشاط سياسي، وشاركوا في إطلاق تغريدات وإرسال رسائل سياسية بحق أفراد وحكومات، مخالفين شروط العفو عنهم. ولكنهم يبدو أن المناخ العام جعلهم وغيرهم على ثقة أنهم في أمان، وأن الحكومة ستختار غض النظر عن مخالفاتهم.
كما اتخذت الحكومة الموقف السلبي أو اللامبالي نفسه من مشاركة جمعيات، توصف بالخيرية، في أنشطة سياسية، لا تسمح بها أنظمتها، وهذه جميعها من مظاهر الانزلاق نحو الدولة الدينية.
وسبق أن قررت الحكومة قبل سنة تقريباً حل «هيئة طباعة القرآن» لفشلها على مدى عشر سنوات في طباعة نسخة واحدة من المصحف، ولكن القوى الدينية المستفيدة من وجود الهيئة تدخلت ولم تكتف بتجميد قرار الحل، بل زادت من صلاحيات الهيئة، التي أصبحت مؤخراً تعلن عن مناقصات وممارسات لتوريد وطباعة كتب ذات مواضيع دينية حزبية تجاوزها الزمن، وبمبالغ خيالية، علماً بأنها متوافرة مجاناً على الانترنت!
وهذه أيضاً من مظاهر الانزلاق نحو الدولة الدينية.
وسبقتها، وتبعتها، وزارة الأوقاف في الطريق نفسه، وتم طلب كتب مماثلة تقريباً، ومتوافرة مجاناً على الانترنت، علماً بأنه لا حاجة فعلية لاستيرادها أو طباعة الآلاف منها؟
كما قام نائب بـ«لفت نظر» وزير التجارة إلى وجود تماثيل في أحد المحال، وإنها من مظاهر «الشرك بالله»، فأرسلت التجارة مفتشيها خلال ساعات، وأزيلت التماثيل فوراً، معبّدين الطريق لدولة طالبانية مصغرة قادمة.
وغرّد شخص محتجاً على قيام كلية جامعية بتدرس الجندر Gender (وتعني لغوياً نوع الجنس، ذكر أم أنثى). إلا أن المغرّد ربما فهم المعنى بالطريقة التي تناسب فكره، وتعني تدريس «الجنس».
التقط نائب التغريدة وأحال الموضوع إلى وزير التعليم العالي، فوعده الأخير بمحاسبة الجهة المسؤولة!
وهذه أيضاً، وغيرها العشرات، من مظاهر الانزلاق المستمر نحو الدولة الدينية.