تأزيم علاقة الجزائر والمغرب… “حرب الرمال” مستبعدة
النشرة الدولية –
الحرة –
تتواصل حلقات تصاعد التوتر بين الجارين المغاربيين، فبعد اتهام الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون المغرب بـ”الأفعال العدائية”، ندد ملك المغرب محمد السادس، بـ”عملية عدوانية مقصودة” ضد بلاده “من طرف أعداء الوحدة الترابية”، دون أن يسميهم.
يقول الكاتب الصحفي المغربي عبد الرحيم التوراني لموقع “الحرة” إن “أعداء الوحدة الترابية هم معروفون وليسوا أشباحا، وفي مقدمتهم الصحراويون الانفصاليون، ثم الدولة الجزائرية التي ترعاهم منذ بداية سبعينات القرن الماضي”.
وبعد اجتماع للمجلس الأعلى للأمن، الأربعاء الماضي، قررت الجزائر “مراجعة” علاقتها بالمغرب، واتهمت الرئاسة جماعتي رشاد الإسلامية وحركة الماك الانفصالية في منطقة القبائل، صنفتهما مؤخرا ضمن المنظمات الإرهابية، بالتورط في حرائق غابات مدمرة هذا الشهر، وقالت إن الماك مدعومة من المغرب وإسرائيل.
وهذا الشهر، وصفت الجزائر حرائق الغابات التي اجتاحتها بأنها “الأشرس”، وتسببت في أضرار، وأودت بـ90 شخصا على الأقل في عدة محافظات خاصة تيزي وزو، في منطقة القبائل شرقي العاصمة.
لكن الجزائر لم تقدم دلائل على صلة المغرب بدعم الماك وإشعال الحراق، الأمر الذي يرجعه الكاتب والصحفي الجزائري علي بوخلاف إلى طبيعة المعلومات الأمنية الحساسة التي لا يُكشف عن جميع تفاصيلها.
بينما يقول التوراني إن اتهام المغرب “يدخل في باب التصعيد وتأزيم الوضع في المنطقة”.
وأضاف “هذا الاتهام صادر عن جهات ليس في صالحها أن يعمل البلدان يدا في يد لما فيه خير الشعبين الجزائري والمغربي. جهات تستفيد من إطالة عمر الأزمة، وقد طالت بالفعل أكثر مما ينبغي”.
ومنذ عقود تعاني العلاقات بين الجزائر والمغرب توترا، إذ تدعم الجزائر جبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (بوليساريو) المسلحة التي تطالب باستقلال الصحراء الغربية عن المغرب.
وفي مقابل ذلك، دعا دبلوماسي مغربي في نيويورك لحق شعب منطقة القبائل في تقرير المصير، فردت الجزائر باستدعاء سفيرها في الرباط الشهر الماضي.
ويصف التوراني دعوة مندوب المغرب في الأمم المتحدة عمر هلال بـ”الاستفزازية”، ويعتقد أنه من المنطقي أن تبادر الجزائر إلى استدعاء سفيرها في الرباط.
الصحراء والقبائل
وعن سبب استياء الجزائر من دعوة المبعوث المغربي في نيويورك في وقت تدعم فيه الجزائر استقلال الصحراء الغربية التي تعتبرها الرباط منطقة ضمن أراضيها، يقول بوخلاف: “لا مجال للمقارنة بين القضيتين، فالصحراء الغربية قضية أممية تتعلق بالاستعمار، وهي في حالة شبه حرب حيث تحمل البوليساريو السلاح”.
ويعود الصراع بين المغرب وجبهة بوليساريو حول إقليم الصحراء الغربية لعام 1976، إذ يعد من أقدم النزاعات في إفريقيا، عندما تأسست الجبهة بعد ضم المغرب الصحراء إليه إثر انسحاب الاستعمار الإسباني منها في عام 1975، لتطالب الجبهة باستقلال الإقليم وتحمل السلاح في وجه المغرب.
ولم يتوقف القتال إلا عام 1991 عندما تدخلت الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار.
“لكن الوضع مختلف في منطقة القبائل”، كما يقول بوخلاف الذي أضاف “لا وجود لمجموعات مسلحة أو سياسية في هذه المنطقة أو الجزائر بصفة عامة، والحديث عن الاستقلال في هذه الحالة ليس في محله”.
وبعد اتهامها، نفت حركة استقلال منطقة القبائل (الماك) أي مسؤولية لها في إشعال الحرائق.
وعام 2001، تأسست الماك، التي تتخذ من باريس مقرا، بينما تعتبرها الجزائر منظمة غير قانونية وصنفتها “إرهابية” في 18 مايو الماضي، إذ تعارض الدولة فكرة استقلال منطقة القبائل، الناطقة باللغة الأمازيغية.
“تهجم مباشر”
وفي يوليو الماضي، دعا العاهل المغربي إلى تحسين العلاقات مع الجزائر، وإعادة فتح الحدود المغلقة بينهما منذ فترة طويلة.
ثم عاود في الأول من أغسطس، دعوة تبون إلى “تغليب منطق الحكمة” والعمل على تطوير العلاقات، وفتح الحدود بين الدولتين المغلقة منذ صيف 1994.
ويقول التوراني: “جاء خطاب محمد السادس في ذكرى توليه العرش، ليمسح كل ما صدر عن المندوب المغربي. كان الملك واضحا في مد اليد إلى الأشقاء في الجزائر، بل أنه وصف البلدين بالتوأم”.
وأشار إلى أنها ليست المرة الأولى التي يطالب فيها المغرب “على أعلى مستوى في الدولة بفتح الحدود، وبدء صفحة جديدة من التعاون والإخاء، بغاية وهدف تحقيق التقدم والازدهار لشعوب المنطقة المغاربية”.
وكانت الرباط أعلنت استعدادها لمساعدة جارتها “بمجرد موافقتها” على مكافحة الحرائق. لكن الجزائر لم ترد علنا على هذا العرض.
ويعلق التوراني على ذلك، بقوله: “بدلا من أن يكون الرد بالإيجاب وتكون المبادرة المغربية مدخلا لاستعادة الثقة بين البلدين، باتجاه تأسيس علاقة جديدة مبنية على أسس ومنطلقات جديدة بعيدة عن إرث الماضي وتوتراته، بدأنا نسمع مثل تلك الاتهامات المجانية والصبيانية التي لا تستحق الرد في واقع الحال”.
ويقول المغرب إنه بينما يسعى إلى الحوار لإنهاء الجمود السياسي المكلف مع الجار الشرقي، تستمر الجزائر في نهجها العدائي تجاه الرباط وتصعد خطابها العدائي ضد المملكة.
إلا أن بوخلاف يعتقد أن هناك فرق شاسع بين الخطاب السياسي لملك المغرب وما تقوم به المملكة على الأرض، مشيرا إلى ما وصفه بـ”التهجم المباشر” لوزير خارجية إسرائيل يائير لابيد أثناء زيارته للمملكة المغربية، في وقت سابق من أغسطس الجاري.
وكان لابيد أشار إلى أنه تطرق أيضا مع نظيره المغربي ناصر بوريطة إلى ما وصفه بـ”المخاوف حول الدور الذي تلعبه الجزائر في المنطقة وتقاربها مع إيران، وكذا الحملة التي قادتها ضد قبول إسرائيل عضوا مراقبا في الاتحاد الإفريقي”، فأصدرت الخارجية الجزائرية بيانا يهاجم بوريطة.
ولا تعترف الجزائر بإسرائيل، ولا تشير إليها في البيانات الرسمية باسمها، في وقت قالت إسرائيل، هذا الشهر، إنها ستقيم قريبا علاقات دبلوماسية كاملة مع المغرب.
وقال بوخلاف: “بعد أيام من خطاب الملك استقبل المغرب وزير خارجية إسرائيل الذي تهجم مباشرة على الجزائر وهذا ربما خلق نوعا من التخوف لدى السلطات الجزائرية بالتعاون بين المغرب وإسرائيل ضد الجزائر”.
ويزعم بوخلاف أن التخوف الجزائري نابع من شراء المغرب برنامج “بيغاسوس” الذي طورته شركة “إن إس أو” الإسرائيلية والذي يسمح بالتجسس.
لكن الحكومة المغربية كذبت ما وصفتها بـ”الادعاءات الزائفة” حول استخدام أجهزتها الأمنية برنامج “بيغاسوس” للتجسس، نافية امتلاك “برمجيات معلوماتية لاختراق أجهزة اتصال”.
خط الأنابيب
ورغم التوتر الآخذ في التصاعد بين البلدين، أعرب المغرب، الجمعة، عن تأييده الحفاظ على خط أنابيب الغاز المغاربي الأوروبي الذي يربط الحقول الجزائرية بالقارة الأوروبية مرورا بالمملكة، فيما ينتهي الاتفاق بشأنه في أكتوبر المقبل.
ويقول بوخلاف إن الجزائر بإمكانها الاستغناء عن خط تصدير الغاز، لتوفر البديل البحري، لكن رغبة المغرب في الحفاظ عليه يؤكد أن الدول الثلاث (إسبانيا والمغرب والجزائر) تنتفع منه.
وأضاف “ليس هناك انقطاع كلي للعلاقات بين البلدين، خاصة في المجال التجاري فهناك شركات ثنائية وتبادلات اقتصادية لا تعاني أزمة خانقة مقارنة بالمجالين السياسي والدبلوماسي، فضلا عن الانتقال المتبادل للمواطنين بين الدولتين”.
وفي مايو الماضي، أمر تبون بوضع “حد نهائي” للعلاقات التعاقدية بين شركات جزائرية وما سماها بـ”كيانات أجنبية معادية للجزائر”.
لم يتحدث تبون عن طبيعة هذه الكيانات، كما لم تنشر وكالة أنباء الجزائر الرسمية هذا الخبر، ولم تصدر الرئاسة أي تعليق، بينما توجهت الأنظار نحو المغرب، جار الجزائر والمنافس الإقليمي الكبير لها.
استبعاد “حرب الرمال”
وفي ظل هذا التهجم اللفظي، يبدو أن السبيل لوقف التوتر والتصعيد بين المغرب والجزائر لا يزال مبهما، وقد تحمل تطورات الأزمة بين البلدين احتمالات “غير سعيدة”، حسبما يقول التوراني.
وأضاف “ربما سنرى إعادة النظر سلبا في هذه العلاقة، مثل تجميدها وسحب السفيرين، وبالتالي دق آخر مسمار في نعش صرح الاتحاد المغاربي غير المفعل بسبب الأزمة بين الجزائر والمغرب”.
وإذا حدث ذلك، “فستتأكد وجهة نظر المتشائمين والحاقدين أنه (الاتحاد المغاربي) كيان ولد ميتا” وفقال للكاتب الصحفي المغربي.
أما الجزائر فقد تنظر في عدة قرارات مثل قطع العلاقات مع المغرب أو تخفيض بعثتها الدبلوماسية هناك أو فرض تأشيرات على المغاربة حسبما يقول بوخلاف الذي استبعد، إلى جانب التوراني، أن يصل تأزيم العلاقة إلى مواجهة عسكرية بين البلدين.
ويرى التوراني أن “الذهاب نحو حرب تعيد للأذهان تاريخ حرب الحدود بين الجارين عام 1963، والتي يطلق عليها في الأدبيات التاريخية (حرب الرمال) فأمر مستبعد”.
لكنه توقع إما أن تكثف “الجزائر آليتها الدبلوماسية والإعلامية ضد المغرب الذي سينشغل بدوره بنفس اللعبة، أو تحرك البوليساريو، التي يشرف عليها ضباط من الجيش الجزائري، لتنظيم عمليات وهجومات محدودة، مثلما حصل في واقعة إغلاق معبر الكركرات نهاية 2020″، على حد قوله.
وفي يناير الماضي، قصف الانفصاليون الصحراويون منطقة الكركرات العازلة في الصحراء الغربية، على الحدود المغربية الموريتانية، الواقعة تحت سيطرة المغرب، بينما قللت الرباط من أهمية الهجوم.
وجاء هذا القصف بعد نحو شهرين من إطلاق المغرب عملية عسكرية في منطقة الكركرات من أجل “إعادة إرساء حرية التنقل” المدني والتجاري في المنطقة، بعد إغلاق أعضاء من بوليساريو الطريق الذي تمر منه خصوصا شاحنات نقل بضائع نحو موريتانيا وبلدان إفريقيا جنوب الصحراء.