ما وراء أفغانستان
بقلم: أ.د. غانم النجار

النشرة الدولية –

باستثناء المأزق الحاد في الإجلاء من مطار كابول، المتوقع أن يتصاعد، فقد انتهت أميركا من أطول حرب في تاريخها هناك. قد تشتعل معارك هنا أو هناك خارج الشأن الأميركي، وستقوم الدول الغربية وغيرها بالتفاوض مع حكومة طالبان للإجلاء، عبر سفارات في كابول، دون الحاجة بالضرورة إلى الاعتراف بها حالياً، وستسعى حكومة طالبان للتفاعل مع المطالبات الدولية بعمومياتها وليس بتفاصيلها، وستسعى حكومة طالبان للاعتراف الدولي، وستخضع للكثير من التفاوض، كما ستسعى إلى الإفراج عن الأموال المجمدة، كما ستواجه أزمة حادة في إدارة الدولة الفقيرة وملايين اللاجئين.

ويتبقى السؤال الأهم: إلى أي درجة ستكون أفغانستان محطة نشطة للجماعات المسلحة؟ ستتأثر المخاوف الإقليمية بشكل ملحوظ، وستحاول بعض الدول ملء الفراغ المتخيل، وهي مسألة معقدة. القوة تكره الفراغ الأمني، وحالما يحدث، أو يتخيله البعض، سيحاولون ملأَه، مما قد يترتب عليه صدامات عبثية. يحدث ذلك في ظل حالة انقسام داخلية حادة بأميركا ستنعكس على كل شيء، وستكون أفغانستان جزءاً منها تمهيداً للانتخابات النصفية السنة القادمة.

ما سبق ستحكم عليه الأيام، وقد تحدث مفاجآت غير متوقعة، إلا أن المؤكد هو أن أفغانستان ستختفي تدريجياً من الرادار الأميركي، وها هو إعصار “إيدا” يحتل الصدارة إعلامياً.

ماذا تبقّى من تركة أفغانستان؟ تبقى قضيتان وُلدتا مع الغزو الأميركي لأفغانستان، وستظلان بعد إعادة استنساخ حكم طالبان؛ أما الأولى فهي “الحرب على الإرهاب”، المستمرة حتى يومنا هذا، وها هي تظهر مجدداً في مطار كابول على يد داعش- خراسان، وهو تنظيم لم يكن موجوداً قبل ٢٠٠١، وقبل إعلان الرئيس بوش تلك الحرب المفتوحة، التي كلفت أميركا أكثر مما يحسب، وهو أمر يحتاج إلى تفصيل لاحقاً. وأما الثانية فهي معتقل غوانتنامو، الذي جاء كأحد عناصر الحرب الكونية على الإرهاب، وتفنن خبراء القانون الأميركان “بالقانون” لتبرير كيفية حبس الأشخاص من دون توجيه تهمة، وبلا مدة محددة، خاضعين لأبشع أنواع التعذيب، دون أن تتم مساءلة أحد. خطورة غوانتنامو أنه كان تعبيراً عن “حالة ذهنية” أكثر منها مكاناً أو ممارسة. والأفكار المعادية للإنسان تبقى وتتأصل في الأنظمة الديكتاتورية أو المركزية أياً كان شكلها، ولا تقل خطورة في الأنظمة الديموقراطية أو التي تدعي ذلك. لذلك لم يكن مستغرباً حدوث التعذيب المشين في سجن “بوغريب” في بغداد، أو “باغرام”.

وكان ارتباطي بحملة دولية لإغلاق معتقل غوانتنامو مكنني من الاطلاع على الكثير من المآسي، والتي لابد من تغييرها. قد تكون لأفغانستان أبعادها العسكرية والسياسية، ولكن دون تعلم الدرس الإنساني، ستتكرر أفغانستان مرات ومرات.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى