غدي الأزرق .. طريقة مختلفة لتجاوز المأساة
النشرة الدولية –
ابراهيم عادل –
ما الجديد في تناول المأساة؟ سألت نفسي قبيل قراءة هذه الرواية، التي عرفت أنها لسورية تتحدث عن امرأة قررت أن تترك سوريا بعد الحرب، وبعد مقتل وحيدها، ما الجديد الذي يمكن أن يضاف على هذه المأساة التي تبدو لفرط ما تناولها الروائيون متكررة واعتيادية؟! الجديد عند ريما بالي هو مكا ستجده السورية على الجانب الآخر، وما سيمنح المأساة طابعًا إنسانيًا عالميًا، تلك المآسي الأخرة، والمصائب التي تحدث في كل ركن من أركان العالم، وما تلبث أن تصبح معتادة، ومألوفة، وما يلبث أصحابها أن يتحولون إلى أرقام مجرد ضحايا!
تلتقط ريما بالي حكاية أخرى’ هناك في بلد منفاها فرنسا، حيث تتعرّف بطلة الرواية مصادفة على التوأمان الأسبانيتان إيفا ومارتا، وتتورّط في حكايتهما، وهنا ربما يقفز للقارئ تساؤل آخر، ما الغرض من تعديد المآسي والأوجاع؟ هل هي مجرد التسلية بالمأساة أو صبغها بالصبغة العالمية، لاسيما مع حضور الشاب الأوكراني “بوريس” والتعرض لحكايته أيضًا، ولكن المفاجأة أن ثمة تفاصيل في الحكاية يمكن أن نغيرها.
يحتاج الأشخاص الذين يتعرضون للصدمات النفسية الكبيرة، أو الإدمان أو الاغتصاب إلى طريقة خاصة لتجاوز تلك الأزمات الكبرى، وما فعلته ندى الخياط بطلة الرواية بشكلٍ يبدو للقارئ غير واعٍ أو بمصادفات خاصة بها، يعد طريقة علااجٍ مثالية، لأم تعرضت لأقسى ما يمكن أن تتخيله أم، ليس مقتل ابنها فحسب بل وضياع حبيب عمرها الذي أخلصت له عمرها كله رغم مساوئه وفضائحه الكثيرة. ربما الفضول ما دفع ندى/بطلة الرواية، لمتابعة حكاية إيفا وأختها، ولكن ما فعلته بعد ذلك كان بوعي وتركيز شديدين، لتجاوز المأساة من خلال بث روح الأمل في هاتين الفتاتين رغم كل ما لاقوه من مآسٍ قد تفضي إلى موتهم.
من الرواية:
(( قطفت لك هذه الأزهار من المكان الذي أنا موجود فيه الآن. عبَّاد الشمس هنا ليس أصفر فقط، بل يمكنك أن تشاهدي منه أزهارًا من مختلف الألوان. وقد اخترت لك الأزرق لأنَّه يذكِّرني بحكاية قديمة كانت تحكيها جدَّتي، وكنت تبكين كلَّما سمعتِها! هل تذكرين؟
هذه الأزهار لا تدور مع الشمس، وهي في حقولها الملوَّنة تتطلَّع كلٌّ منها إلى اتِّجاه. هي حرَّة ومَرِحة، ترقص مع نسائم الهواء، وتغنِّي عندما يحلّ المساء. لها صوت جميل، كما تتميَّز بشذاها السَّاحر الذي يختلف من واحدة إلى أخرى.
اعتني بأزهارك جيِّدًا يا أمِّي الحبيبة، ستسلّيك بموسيقاها وتنعش قلبك بعبيرها. قالوا لي هنا إنَّها كي تعيش تحتاج إلى قليل من الماء، وإلى كثير من الحبّ! حبّ الذات الحقيقيَّة وحبّ الآخر. حبّ قضية أو رؤيا أو طريق، وحبّ الحياة. وعندما سألتهم كيف ستشعر هذه الزهرة بالحبّ، أجابوني بأنَّها تستطيع أن تتنفَّسه في الهواء في عمليَّة تشبه ظاهرة التركيب الضوئيّ، إذ تستعيض به عن الطاقة الشَّمسيَّة، فتمتصُّه من الجوّ وتتغذَّى به وتطرح بعدها الأوكسيجين ليتنفَّسه الجميع.
تنفَّسي يا حبيبتي أوكسيجين زهراتك الزرقاء وأَنعِشي رئتيك، وعودي إلى الحياة من جديد، فالموت لا يليق بك. اكتشفي حياتك أنت، فحياة الآخرين لا تليق بك))
بالإضافة إلى حكايات الرواية ونسيجها المحكم، استطاعت ريما بالي أن ترسم شخصيات رواياتها الأساسية والثانوية وتعبّر عنهم بطريقة سلسلة وذكية، وأن تقفز بالقارئ بين فصول الرواية بشكل ذكي، وأن تجذبه لعالمها لاسيما في فصول الرواية الأخيرة بشكل ذكي جدًا ومحكم.
غدي الأزرق، أول تعرف لي على قلم وعالم ريما بالي، وسأنتظر جديدها دومًا، فقد تأكد لي أنها روائية متمكنة جدًا.
شكرًا للصديقة أماني على ترشيح الرواية.
وشكرًا دومًا لــ Abjjad | أبجد