أخطر مراحل الإنهيار اللبناني… بدأ!
بقلم: فارس خشان

النشرة الدولية –

لم تفاجئ الإشكالاتُ الأمنية بين سكان لبنان المتابعين، بل العكس هو الصحيح، إذ إنّ التحذيرات السابقة بتحوّل الأزمة المالية-الاقتصادية-الاجتماعية- السياسية الى احتكاكات أهلية بنت نفسها على معطيات كثيرة.

ووفق هذه المعطيات، فإنّ انتقال هذه الإشكالات الأمنية من مستوياتها الحالية المقلقة الى مستويات شديدة الخطورة، ليس ضرباً من الخيال التنجيمي.

وعادة تمرّ الدول التي تعصف بها أزمات مالية-اقتصادية بفترات اضطراب، ولكنّ لبنان يمتاز عن غيره من هذه الكيانات بطائفية حادّة للغاية، تترجم نفسها في السلطات الدستورية والمؤسسات العسكرية والأمنية والأحزاب والتيارات السياسية وبالتوزيع الجغرافي الذي أفرزته “الحرب الأهلية” التي نجح النهج الأسدي، بطريقة تنفيذه لاتفاق الطائف، وبعده “الوكيل الايراني”، في إبقاء جمرها متقّداً.

وحلم اللبنانيون في مناسبتين بأنّ التخلّص من مخاطر الطائفية ممكن. المرة الاولى، كانت في الرابع عشر من آذار ( مارس) ٢٠٠٥، والمرة الثانية في ١٧ تشرين الأوّل (اكتوبر) ٢٠١٩، ولكنّ الطبقة السياسية اللبنانية، في كلتا الحالتين، حوّلت الحلم العظيم إلى وهم كبير.

ولأنّ هذه هي حال لبنان، راهناً، فإنّ كل تطوّر فيه، مهما كان سببه الحقيقي، يصبح تطوّراً طائفياً: خلاف انتخابي أو سياسي أو تحاصصي، انفجار، احتكار، سرقة، حصانة، تنازع على مواد أساسية، و…الحبل على الجرّار.

وإلقاء البعد الطائفي على أي تطوّر يجعله مادة متفجّرة، خصوصاً أنّ أدواته التنفيذية تحرّكها الغرائز هنا، وقبضات الجماهير، هناك، والإندفاع الطائفي، هنالك.

وعليه، فإنّ ما اكتسبه الإشكال الأهلي بين سكان مغدوشة وعدلون، في الأيّام القليلة الماضية، من أبعاد طائفية لا يثير الاستغراب، بل هو امتداد طبيعي لمسار طويل كان يكتسب، في بعض الأحيان، أبعاداً فكاهية، كإقدام أحد النواب على تفسير الحرائق التي كانت قد اجتاحت لبنان، طائفياً، ومسارعة زميل له، بعد انفجار مرفأ بيروت، الى وصفه بأنّه مؤامرة لتهجير المسيحيين في لبنان، مقدّماً دراسة غير مسبوقة، عن خلفية طائفية معادية للمسيحيين، لاختيار مدينتي ناغازاكي وهيروشيما، كهدفين لإلقاء القنبلتين الذريتين الشهيرتين.

وثمّة خشية حقيقية من أن تتعاظم هذه النوعية من الصدامات الأهلية، بحيث تغطي، في آن، أكثر من منطقة على امتداد لبنان، ويعجز الجيش اللبناني الذي “يستجدي” لقمة العيش، عن التصدّي لها، فيما يقف حيالها المسؤولون السياسيون المعنيون بها، إمّا عاجزين وإمّا “راكبي موجة”.

كيف يمكن تجاوز هذا الخطر؟

إنّ الجواب عن هذا السؤال ليس مستعصياً نظرياً، لكنه كذلك تطبيقياً.

نظرياً، يفترض إعادة تكوين السلطة، بعيداً من المحاصصة والفئوية والمافيوية، بدءاً بانتخابات نيابية تجري على قانون هادف الى تعميم الوئام الوطني بدل قوانين مهمتها الثابتة توزيع الجبنة على مستغلّي الطوائف، وإعادة الاعتبار الى احتكار السلاح بيد المؤسسات العسكرية والامنية الشرعية، وفق أحكام الدستور،ممّا يسقط، فوراً، مشاعر الاستقواء هنا ومشاعر الاستضعاف هناك.

وهذا الطرح النظري- وهو كلاسيكي جداً- من شأنه أن يفتح الباب واسعاً أمام حلول للأزمات المعيشية الخطرة، وأن يعزّز قوّة المؤسسات العسكرية والامنية، وأن يعيد الاعتبار لخطاب وطني من شأنه أن يطفئ الجمر الراكد تحت الرماد.

ولكنّ هذا “الطرح النظري” مستعص في لبنان، حتى إشعار آخر، لأنّ “حزب الله” تحديداً، وفي ظلّه “الثانويون” في صناعة القرار السياسي، يستحيل أن يوافق على حلول من شأنها أن تجعله لاعباً متساوياً مع اللاعبين الآخرين، فهو، ناهيك عن طموحات متوسطة المدى ضمن النظام اللبناني، يؤدّي وظيفة إقليمية، كجزء من “الحرس الثوري الايراني”، تتطلّب منه أن يدافع، بكل ما أوتي من قوة، عن تفوّقه النوعي على الآخرين، في أي موقع كانوا.

إنّ موقع “حزب الله” هذا هو الذي يدفع الأزمة الحالية الى إنتاج الكوارث الناشئة عن الدوران في حلقة مفرغة: فقر، “نقار”، غرائزية، جرائم، اضطرابات، انقسام، و…مواجهة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى