اقطعوا رأسه!
بقلم: صالح الراشد

النشرة الدولية –

تقودني الذاكرة التي بدأت تضعف لمسلسل قديم حين كنت في العشرينات من عمري، حيث قام أحد أبناء كبار القوم بقتل مواطن من عامة الشعب، وللحفاظ على هيبة أسرة القاتل اقترح الحاجب أن يتم تغيير القاتل، وهذا ما حصل حين تم الإتفاق مع فقير للاعتراف بأنه من ارتكب الجريمة على ان يقدم الحاجب وأسرة القاتل الحقيقي المال لأسرة القتيل ويتم العفو عن القاتل المستعار الذي حصل على مبلغ من المال، وعند تنفيذ حكم القصاص بقطع الرأس والناس ينتظرون الصفح من ذوي القتيل الذين أخذوا يفاوضون لينهي الحاجب المشهد حين أمر السياف قائلاً :”اقطعوا رأسه”، فمات البريء وقُتلت الحقيقة ونجا المجرم الحقيقي.

المشهد لم يُفارقني منذ شاهدته، لكن شعرت أننا في هذا العالم المضطرب نعيشه بكل تفاصيله، ففي كورونا قُتل كل من اقترب من الحقيقة في دول العالم المختلفة، وفي السياسة اندثرت ملفات مع أشخاص ماتوا بالجلطة القلبية لتلقيهم عدة طعنات في القلب، وفي التخطيط للحروب قُتل أشخاص كُثر بالجلطة الدماغية لتلقيهم عدة رصاصات في الرأس، وهي ذات الطريقة التي انتحر بها عدد كانوا يعرفو الكثير حين انتحروا بعدة طلقات في الرأس والجسد، ففي هذا العالم اللعب مع الكبار ممنوع وثمنه الموت.

والأسوء حين تعبث بالاقتصاد وتدخل عش الدبابير وتتجرأ على استيراد مادة يحتكرها تاجر لا يعرف غير لغة المال، عندها يصدر القرار ” اقطعوا رأسه” فتغلق جميع الأسواق أمامك ولا تجد إلا إعلان إفلاسك وبيع كل ما تملك لسداد ديون البنوك والآخرين وربما تجد نفسك مطالباً بتهمة التهرب الضريبي ، ففي عالم المال القذر لا مجال للفرص عند الحيتان، فإما أن تكون حوتاً مدعوماً بقوى ضاغطة أو مقطوع الرأس تجلس على المقاهي أو تنتحر، لذا على من يبحث عن المال أن يحسب خطواته بدقة حتى لا تأخذه قدماه صوب النهاية، ويملك كبار التجار أذرع في الخارج تجعلهم يتحكمون بقرارات الدول المصدرة وعندها يتحولون إلى ديناصورات تأكل ولا تشبع.

وفي عالم الإعلام كثرت الرؤوس التي تدحرجت، وبالذات في الدول التي تُعاني من ويلات الحروب، فيصبح الإعلامي العدو الأول كونه يبحث عن الحقيقة التي تُلحق الضرر بأحدى الفصائل المتناحرة وتُجار الأسلحة ، كما يتم التخلص منهم كلما عرفوا أسراراً أكثر، وكلما اقتربوا من الحقيقة أو فضح ملفات الفساد، وعندها يأتي القرار من منظومة وليس من الحاجب وحده ليكون القرار ” اقطعوا رأسه”، لقد تدحرجت رؤوس العديد من الأبرياء في السياسة والحروب والاقتصاد والإعلام وفي تجاوزات القوى العسكرية، لتموت الحقائق مع من ماتوا، ويبقى البعض ينتظر صدور القرار بالموت كونهم خطر على الدول والمتنفذين فيها ليكون الحكم الميداني “اقطعوا رأسه”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى