مداخلة الزميلة بثينة غريبي حول كتاب “رسائل من شاطئ اخر” للدكتورة دلال مقاري باوش والدكتور حسام عبد القادر

النشرة الدولية –

جديد معهد دراما بلا حدود الدولي ، ندوة رسائل من الشاطيء الآخر

 

استضاف معرض الكتاب الدولي ، في مكتبة الاسكندرية مؤخرا ،وضمن البرنامج الثقافي المرافق ، استضاف ندوة (أدب الرسائل،  في كتاب رسائل من الشاطيء الآخر)

حيث قدمت العديد من المداخلات لمثقفين من الوطن العربي ودول الاغتراب ، ناقشت في متنها الوسائل والتقنيات التي ميزت أدب الرسائل في الماضي ، وشكلها الحداثي في رسائل  من الشاطيء الآخر ، التي كتبها المستشار الاعلامي حسام عبد القادر ، والدكتورة دلال مقاري باوش  .

في حين ناقشت المداخلات الأكاديمية ، الفرق بين الأنماط الأسلوبية للرسائل بوجه عام ، وخصوصيتها بين الكاتبين المتراسلين ( حسام ودلال ) .

عبر هذه الزاوية اليومية يسعدنا ان نشارككم المداخلات التي تميزت بملامح أسلوبية خاصة ، عَبّرت عن زاوية الرؤية الخاصة بالكاتب ( الأديب والناقد ) الذي تناول تجربة رسائل من الشاطيء الآخر .

كل المتعة والفائدة نتمناها لكم في متابعة المداخلة الأولى .

الاستاذة بثينة غريبي ، من تونس

صحفية ، اعلامية ، وباحثة ، حصلت على الماجستير في الصحافة متعددة المنصات .

مُعدة للبرامج التلفزيونية ، ومختصة في الاتصال الثقافي ، أسست وتدير موقع منشورات خاص (بمجال الكتابة والنشر) .

حاصلة على العديد من الجوائز والتكريمات ، وخاصة من معهد دراما بلا حدود الدولي ( تقديرا لجهودها في مجال الصحافة والإعلام الحديث ) .

على خلفية إصدار كتاب “رسائل من الشاطئ الآخر”

رسالتي للدكتورة دلال مقاري باوش وحسام عبد القادر

الرسالة الثالثة من الطفلة العابثة …

في حين تذهب التنبؤات إلى تلاشي أدب الرسائل لانجرافنا إلى الرقمنة وعالمها ولن أذم الصراحة الآن  “سيدتي” الرقمنه ونحن في حرمها فقد تقطع بي مثلا حبل التواصل كما قطعت عني “الكامرا”..

تأتينا تجربة الدكتورة دلال مقاري باوش والأستاذ حسام لتكسر هذه التنبؤات وتعيدنا بروح متجددة مختلفة طريفة إلى أدب الرسائل …رسائل لا يمكن أن يكتبها الا دلال وحسام .

الصراحة شرعت في قراءة هذا الكتاب “رسائل من الشاطئ الاخر ” بذاكرتي التي ألمت يوما ما بتفاصيل رسائل ديكارت و اليزابيث، غسان كنفاني وغادة السمان، وجبران خليل جبران ومي زيادة ولكن من أول سطر قرأته في رسائل دلال وحسام ارتبكت ذاكرتي وتلاشت وارتجفت أمام هذا الكم من الأحاسيس والمشاعر الصادقة… كيف حولا  ثنائي 2021 أي دلال وحسام هذه التجارب الذاتية إلى تجارب كونية، كيف انطلق من دواخلهما خوالجهما ليورطانا معهما.

وليس أكثر صدقا من دلال أو حسام في طرح تجربة الغربة وهما الغريبين على ألمانيا وكندا. فالرسائل تحمل في مضامينها سيرة ذاتية بل سيرة جماعية مغلفة بالصور الشعرية. هي وثيقة تاريخية وشهادة لمغتربين …تأريخ لفترة  محددة من الزمن ولكن بلغة خالدة تراوحت هذه اللغة بين الكلمات ولوحات دلال مقاري باوش التي في حد ذاتها تستوجب منا وقفة استقرائية جديدة لانها لم تكن انعكاسا لنصوص الرسائل بقدر ما كانت امتدادا لها تكملة للمعاني التي تعجز عنها الكلمات. وما بالك حين تكون الرسومات عبر تقنية الكولاج. فهذا بناء على بناء، تكاثر للمعاني التي تفلت حتى من راسمها.

بصراحة لم أقرأ لكاتبين أو شاعرين أو ناثرين   و إنما قرأت لروحين… فاسمحا لي أن أتطفل على عالمكما…

والصراحة أني قرأت قائمة المتدخلين فرأيت من الأسماء التي تعتبر مدرستي في الكتابات الصحفية والأدبية فاترك لها مجال الأكاديميات التي لست بارعة جدا فيه…

سأسوق مداخلتي في شكل رسالة …

رسالتي لكما من خلالكما…. أعتذر لو تطفلت  لأكون ثالثكما ولست شيطانا وقد أكونه أو لا أكونه ولكني انسانا يقرأ رسائلكما في مرحلة دقيقة من حياته يحاول أن يمهل نفسه بعض الوقت حتى  “يحنط” قلبه كالخبز اليابس وهذا ما قلته يا دلال…

تونس 25/08/2021 : الساعة الثانية زوالا بتوقيتنا المحلي

إلى دلال وحسام،

لا يهم من أنا ، أعرف أني الغريبة المتطفلة، أو  ربما أنا القارئ الغارق في سباتي  عن سابق إصرار وترصد أو ربما  أنا الذي أتعمد تجاهل ما يحدث حولي :أكلني الوجع بما فيه الكفاية… أنيم قلبي من زمن أو كما قلت يا دلال أحاول تحنيطه .. جميلة الصورة أن يتحنط القلب كالخبز اليايس. فلماذا أتت رسائلكما لتعيدني الى نقطتي الصفر، الى “بعث” جديد يتطلب مني حواسا وأنا الذي خدر عمدا هذه الحواس. أتعبثان بي وبنا حتى نبعث من جديد ولكن اعتدنا على البعث عبث …

حين تسلمت نسخة من الكتاب عبر المايل فتحته و لم يكن لي  شغف بالقراءة حينها وذلك بعد أسبوع كامل من فتح كتب كثيرة لم ترق لي من أول سطر وحتى تعسفت على نفسي ولم تستسلم لقراءتها.

فلا أقيم التجربة الإبداعية وفق ثنائية الفشل والنجاح بل مقياسي الأساسي هو الصدق. تظل الكتابة حالة شعورية. قدر جرأتنا على ترويض هذا الشعور وتحويله  إلى إبداع قد ما   تلامسنا وتعيدنا الى داخلنا.

لم يكن شغف قراءة الرسائل ولكن مع أول سطر رسوت في شاطئ اخر صار الكتاب قفصي الذي أحلق فيه بكل حرية قفصي الذي تفجرت داخله صناديق روحي فاتسع. كيف يكون المرء فراشة وحمامة وحتى بوما داخل القفص.

و سأعتبر م كلامك يا دلال : لأول مرة أفكر أن البوم الذي خفت منه كثيرا ومن القصص الشعبية المتوارثة في ذهني كحال حسام، حيث كنا نردد قديما لو زارنا البوم فهذا علامة فراق واضحة مع أحدهم وها أن البوم كالحمام غير أن البوم للمبدع لعشاق الليل والهدوء.

من أول كلمة الى اخر الكلم، كانت تزحف الذاكرة كبحر لم افرق بين مائه وماء دموعي..

لقد تقيحت الذاكرة اللعينة ولم أعد  قادرة على التخلص من الصور: من تفاصيلي الى تفاصيلهم الى تفاصيلكم . من نشرات الأخبار التي تسوق لنا  شهادات مستمرة عن وحشية البشر عن إنسان مفقود …

“أفتح باب الحلم ذكرياتي مضطربة بين ماض أعيد اكتشافه وحاضر يتكثف في اللوحات ، لم أغلق الباب ورائي وهذا الفضاء ينكسر مبعثرا في جزئيات.” قولي دلال بماذا اغتسلت حتى أطلت روحك علينا صادقة شفافة نقية ، حتى تجعلين من صديقك حسام ينزعج لو تأخرت في الرد.

يا من تأتي رسائلها من ألمانيا، هل لك أن تخبريني مثلا:  “كيف تتقشر الروح” كما قلت وكيف “يسيل القلب في راحتك جداول من حرقة” وبربك أشتهي أن يكون شعري “باقة ريح” كيف ذلك يا دلال ؟ هل من أمر ما أو معجزة ما غير الأحلام نسد بها ثقوب الحياة؟ فثقوب حياتي أيضا كثيرة جدا.

تحدثتما عن الوطن وأنا حاليا في رحلتي للبحث عن وطن وأحيانا حتى أخمد النار التي “تمضغني” بهدوء وتلذذ ، أتذكر أن الوطن فكرة على طريقة درويش فأجد سببا كافيا للرحيل اليا بعيدا عن هذه الأرض ولكن فعلا يا حسام كيف نرتبط بأرض؟  كيف نصير خبزا من زعل حين نشتاق للوطن يا دلال؟ اه نسيت كيف خبزت جدتك قلبها رغيفا؟

تسألين دلال هل نحن بحاجة لاعادة كتابة قصة البشرية والتاريخ لنعيد الاعتبار لشخصيات وحيوات؟ أعتقد نعم .

دلال وحسام:

قرأت في الرسائل عن الهواء الذي يتحرك والريشة التي تؤذن بالمأساوية والحمامة المغادرة ومحاولات غلق الباب وتساؤلات عن الهوية وتركيبة الأنا وما يلتصق فيها من موروث بلا معنى وعادات بلا رمزية. قرأت عن الوطن في تاريخ الجدة والعائلة والبحر الغادر وشوارع كندا التي صارت بعيون زائرها تشبه شوارع الإسكندرية. قرأت عن إرادات لا محدودة تعاكسها الثقوب الكثيرة  من ثقب الإنسانية المعدومة الى ثقب الممارسات البشرية الوحشية المدمرة الى ثقبة الغربة داخل الغربة حين تصبح “فيروسة” قادرة على إمكانات لا محدودة للعقل. هل تعتقدان مثلا انتصار الفيروسة على العقل في مرحلة ما لأن العقل في إحالة مبكرة على التقاعد من زمان؟

ومع هذا أنا الغريب المتطفل الذي سيعبث بجملكما كما عبثتما بهدوءي… لكما التالي إجابات أو تحويرات أو لعب أو مغازلة بجمل هي بالأصل منكما :

نعم : سيتحرك الهواء،

لا أرى ريشة الحمام على النافذة بل أرى الحمام يرقص

سينعق البوم حتى يعاقب البشرية بكسر موروثاتهم ويغدقهم فرحا

كفراشات أنتما ..

وأنت يا دلال اتركي الباب مفتوحا…وتجملي بتلك الريشة فحولك حمام كثير يا  فراشة

فعلا أستاذ حسين دعسة انها دعوة الى الرقص، أتدري لأول مرة أرقص دون موسيقى…

في النهاية المسقطة عليا لضيق الوقت ، لعلها أيضا رسالة من الله يا حسام حتى أقرأ رسائلكما في زمني وزمنهم وزمنكم وزماننا.

الامضاء : اسمحي لي يا دلال ان اردد ما قلت الطفلة العابثة.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى