سعر البرميل وأخلاق الأمة
بقلم: أحمد الصراف
النشرة الدولية –
كان المرحوم الأستاذ خميس نجم، أستاذ اللغة الإنكليزية في مدرسة الصديق المتوسطة في نهاية الخمسينيات، من المدرسين غير المحبوبين من غالبية الطلاب، بسبب صرامته وانتقاداته اللاذعة لهم، ولكنه كان مخلصاً لوظيفته، غير متهاون مع أي طالب كسول، مع شيء من الغل في قلبه لم يستطع إخفاءه، بتكرار تمنيه زوال النفط ليرى ما سيحدث لنا!
توفي الأستاذ خميس قبل سنوات قليلة، دون أن يلحق على التطورات التي طالت أخلاقيات أهل المنطقة مؤخراً، بعد أن انخفضت عائدات دولها، والتي كانت طوال عقود تمكنها من فرض أسلوب حياتها، من الناحية الدينية على الأقل، على الغير، سواء بالتشدد والمحافظة الصارمة على التقاليد، أو بتطبيق الحدود بمبالغة قل نظيرها.
ومع بداية تبخر نسب عالية من عائدات النفط، بدأنا في الكويت، وربما في الدول الأخرى، بالتفكير جدياً في تخفيف اعتمادنا على النفط، كمورد رزقنا الوحيد، والاتجاه لتنويع مصادر الدخل من خلال تشجيع السياحة وغيرها، وهذا ما لم يكن ممكناً مع سطوة التشدد الديني، والتطبيق المتشدد للحدود، وتطلب هذا إحداث تغيرات كبيرة، وتغييراً وتطويراً وتحديثاً للأفكار والمفاهيم لجعل المجتمع شيئاً آخر، وعكس ما كان عليه أيام الوفرة المالية!
ذكرت في مقال نشر قبل فترة أن السلطات المحلية كانت تمنع عزف الموسيقى في بهو الفنادق، في أوقات محددة من العام. كما سبق لها أن حرمت إقامة الحفلات الغنائية، حتى العائلية في الأماكن العامة، ونتج عن ذلك حصولنا على المركز الأول في مقياس «الأخلاق» عالمياً، أو هكذا اعتقد البعض.
كما كانت التعليمات «غير المكتوبة» تمنع الفنادق من السماح للمواطن أو المواطنة حجز غرفة في فندق، وذلك من باب المحافظة على أخلاق الأمة، والنتيجة أمامكم!
ولكن السلطات نفسها كانت تسمح للزائر «الأجنبي»، بالمكوث لديها منفرداً أو مع شريكته، دون حاجة لأن يثبت علاقته بها. أما المواطن، حتى لو كان سفيراً عائداً لوطنه، فكان يُمنع من إشغال غرفة فندقية مع «زوجته»، بصرف النظر عن عمرها وفتنتها، إن لم يكن لديه عقد زواج. كما كانت هناك ولا تزال تعليمات مماثلة أخرى غاية في السخافة، ولكن لا يتسع المجال لذكرها!
فجأة، ومع تزايد عجز الدولة، وجدنا أن العادات والتقاليد والأخلاق نفسها التي كانت تمنع المواطن «الأعزب» من حجز غرفة في فندق، أصبحت «فجأة» لا تمانع بذلك!
فهل كانت أخلاقنا وعاداتنا وتقاليدنا، التي «دوشنا» العالم بها، عندما كان سعر برميل البترول مئة دولار، هي التي فرضت على الفنادق عدم إسكان المواطن في غرفة، له أو لعائلته، بغير إبراز عقد الزواج؟
ولماذا أصبحت الآن الأخلاق نفسها والعادات نفسها والتقاليد نفسها تغض النظر عن «مخالفة» مكوث مواطن أعزب في غرفة فندقية، دون الحاجة لعقود زواج.
وهل ستعود التقاليد والأخلاق والعادات نفسها لسابق «سطوتها» وتمنع المواطن من حجز غرفة فندقية، لو عاد سعر برميل البترول لمئة دولار مثلاً؟
نترككم مع فاصل من أغنية «أنا والرياء وهواك» للمطرب «هيبوكرسي»!