قطر على خريطة اللاعبين الكبار
بقلم: حمزة عليان

النشرة الدولية –

وسط دوي المدافع والانسحاب العسكري المفجع للقوات الأميركية من أفغانستان، برزت دولة قطر على الساحة الدولية بوصفها “لاعبا إقليميا له وزن”، فهي اليوم بعد “تلزيمها” إعادة تشغيل مطار كابول الدولي تمثل حبل النجاة لحركة طالبان ووصلها بالعالم الخارجي، وكما جرى وصفها بالأوساط الدولية فالدوحة باتت الممر الإلزامي و”الآمن” لهذه الحركة نحو المجتمع الدولي: قطر وكما وصفتها التقارير الفرنسة، تقع على بعد 18000 كيلومتر من أفغانستان وبالرغم من ذلك لم يمنعها البعد الجغرافي من أن تتحول إلى “قبلة” للأميركيين ودول حلف الناتو، فقد سجلت نجاحات سياسية بالدرجة الأولى، جعلتها في دائرة الحدث الأفغاني مباشرة، حيث أعطتها مشاركتها الفاعلة مزيداً من الدفع بدخولها حلبة “الوسيط” المقبول من الأطراف المتصارعة إضافة إلى اكتسابها خبرات ميدانية تؤهلها للدخول في حل النزاعات الإقليمية والدولية.

 

اليوم الحديث يدور عن مصير 22 سفارة وربط بقائها في كابول بمصير المطار الذي أوكلت مهمته إلى القطريين وبمشاركة الأتراك، والذين وصلوه قبل أيام عبر رحلة جوية نقلت فريقا فنيا متكاملا لإعادة التشغيل والترميم والذي ستبلغ تكلفته بحدود 300 مليون دولار.

 

واشنطن ولندن وعدد آخر من البعثات الدبلوماسية نقلت أطقمها بالكامل إلى الدوحة، والتي برعت بتقديم كل التسهيلات لهم، وقامت بعمل استثنائي باستضافتهم وتوفير كل أنواع الدعم لهم.

 

هي الآن “تحصد” نتائج ما زرعته وما سارت عليه منذ الأزمة الخليجية عام 2017 وإلى الآن، فقد خاضت معركة سياسية بامتياز أهلتها لأن تقود تحالفات مع تركيا (بنت لها أهم قاعدة عسكرية في الدوحة) ومع أميركا التي منحتها قاعدة العديد منذ سنوات، ومارست أدوارا سياسية على مستوى منطقة الشرق الأوسط بحيث بدت كالظهير القوي لواشنطن والإمساك بملفات ساخنة استثمرت فيها قطر “دبلوماسيتها الناعمة” وحولتها إلى “محطة أساسية” في إدارة النزاعات.

 

قد لا يكون بعيداً اليوم الذي نرى فيه علم “إمارة أفغانستان الإسلامية” يرفرف على مبنى سفارة أفغانستان بالدوحة بعد أن كان منتصباً فوق مبنى حركة طالبان والذي افتتحته عام 2013، وشكلت المكان الأمثل للتفاوض بين الحركة والأميركيين، وآوت إلى جانب “المكتب” قياديين من طالبان قيل إن بعضهم متهم بجرائم حرب دولية أو أنهم خرجوا من معسكر غوانتنامو.

 

انتزعت الدوحة “اتفاق السلام” في فبراير 2020 وهو الاتفاق الذي كانت تأمل أن يكون قاطرة الحل المنتظر لكن الأحداث على الأرض كانت أسرع بكثير، فقد حسمت المعركة هناك بوصول عناصر من طالبان إلى القصر الرئاسي والسيطرة الكاملة على البلاد.

 

صورة قطر في الإعلام الدولي منحتها “قوة إضافية” إلى مكانتها بعد أن أقامت “منطقة دبلوماسية خضراء” خاصة بأفغانستان، وفتحت أبوابها وسخرت إمكاناتها لخدمة البعثات الدبلوماسية وعلى رأسها الدبلوماسية الأميركية والبريطانية، وأميركا في طريقها لإقامة وجود دائم في الدوحة مهمته قيادة وتنفيذ سياسات واشنطن المقبلة تجاه أفغانستان.

 

استطاعت قطر، الدولة الفتية، أن تتشابك مصالحها مع مصالح أميركا تماماً مثلما فعلت مع تركيا أثناء الأزمة الخليجية، ووضعت نفسها في مصاف الدول الإقليمية المؤثرة والفاعلة ولم يعد السؤال، عن مصادر القوة التي تمتلكها، ولا عن الحجم الجغرافي الذي تتربع عليه، فقد برهنت على قدرتها بتوظيف فائض القوة والموارد التي تمتلكها وبما يخدم مصالحها، سواء بالمورد الطبيعي وهو الغاز المسال، أو بالعوائد المالية التي تديرها عبر صندوقها السيادي أو بالذراع الإعلامية التي بنتها عبر سنوات والممثلة بـ”محطة الجزيرة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى