وفاة محمد دعبول المشرف على تنفيذ أوامر حافظ الأسد و”كاتم أسرار سوريا”
النشرة الدولية –
اندبندنت عربية – سوسن مهنا –
توفي محمد دعبول، مدير مكتب رئيس النظام السوري الراحل حافظ الأسد ومن بعده وريثه بشار، بحسب مصادر آتية من العاصمة السورية دمشق في إحدى مستشفياتها، مساء السبت 4 سبتمبر (أيلول). دعبول المعروف بـ”أبو سليم”، تحدثت مصادر أنه توفي عن عمر ناهز التسعين سنة، وأخرى عن 86. وقال نجله سليم، الذي يترأس جامعة القلمون، لدوائر مقربة منه، إن جثمانه سيشيع يوم الأحد في منطقة دير عطية مسقط رأسه شمال شرقي دمشق، كذلك كانت نقلت وكالة الأنباء الألمانية DPA.
يذكر أن سليم ابن المتوفى، هو نفسه رجل الأعمال سليم دعبول الذي شملته عقوبات “قانون قيصر”. إذ إنه منذ بداية الحرب السورية، عمد سليم دعبول على تمويل ودعم أجهزة النظام في منطقة القلمون، التي تشمل دير عطية ويبرود وقارة وجريجير والتل، وقد وضع كل مواقع ومباني شركاته في المنطقة تحت تصرف الأجهزة الأمنية وجيش النظام السوري.
محمد دعبول “القوي جداً”
دخل محمد ديب دعبول، مواليد 1935 دير عطية (ريف دمشق)، القصر الرئاسي من أوسع أبوابه، بعدما عمل مديراً لمكتب حافظ الأسد ومن بعده نجله بشار. وشغل أكثر المناصب حساسية في سوريا لسنوات طويلة، تراوحت المعلومات حولها ما بين 50 و66 عاماً. ويعد دعبول الذي يوصف بأنه “كاتم أسرار سوريا” واحداً من أكثر الشخصيات التي تمتعت بنفوذ داخل النظام، نظراً لمعاصرته حافظ الأسد مذ كان رئيساً للوزراء. إذ عمل مديراً لمكتب الأسد الأب، عندما تولى الأخير لفترة أشهر منصب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع، بعد انقلابه الذي سماه “الحركة التصحيحة”، في 16 نوفمبر (تشرين الثاني) 1970. كان يشرف على تنفيذ أوامر الرئيس في مختلف الوزارات والمؤسسات والهيئات، ويتابع آليات التنفيذ لهذه الأوامر ونتائجها، فضلاً عن وجوده الدائم كـ “حكم ووسيط” بين الضباط والجهات المتصارعة داخل النظام، وكانت كلمته مسموعة لأنها أوامر الرئيس. ووفق تعبير نجل وزير الدفاع السابق لدى النظام السوري، فراس طلاس، فإن “حافظ الأسد كان يتحكم بسوريا عبر هاتف أبي سليم دعبول، وكانت التوجيهات تنفذ فوراً”.
يقول باتريك سيل في كتابه “الصراع على الشرق الأوسط”، إن حافظ الأسد عندما ذهب ليتولى رئاسة مجلس الوزراء عقب انقلابه الأبيض في 13 نوفمبر 1970، وجد هناك ثلاثة موظفين بينهم محمد سليم دعبول “أبو سليم”، وأنه عندما تولى رئاسة الجمهورية أخذهم معه إلى القصر الجمهوري، حيث تولى دعبول منصب مدير مكتب رئيس الجمهورية، وبقي فيه 50 عاماً”، حتى قبل وفاته بأسابيع. ويتابع سيل تعقيباً على حادثة حصلت مع مدير عام الإذاعة والتلفزيون، أن سكرتير الأسد اتصل بالمدير طالباً منه استفساراً (الذي اتصل بالمدير يومها مدير مكتب الأسد العسكري) لم يكن ذلك السكرتير سوى محمد ديب دعبول أو “أبو سليم”، وباعتباره حاجب الأسد وحامل دفتر مواعيده، كان الشخصية المركزية في النظام الجديد.
من هو؟
سني من دير عطية البلدة الصغيرة قرب حمص، وفي نظام رئيسه هو الكل، فإن الرجل المتحكم بالوصول إلى الرئيس يصبح هو نفسه قوياً جداً”. عمل محمد دعبول في رئاسة الحكومة منذ عهد رئيسها خالد العظم، وتحديداً منذ بداية الخمسينيات، حينما كان العظم على رأس حكومته الخامسة (تولى العظم رئاسة الحكومة في سوريا ست مرات، في أزمنة وفترات مختلفة امتدت ما بين أعوام (1941 و1963). تابع دعبول مهماته بعد وفاة الأب مع الابن لولائه المطلق وخبرته الطويلة، خصوصاً مع رجال والده، وهو من “الحرس القديم”، (قتل أو توفي معظمهم بحسب مصادر مقربة) كما أنه ممن يحظون بثقة روسيا.
حامت اتهامات كثيرة حول شخصية دعبول، تتعلق بالفساد واستغلال المنصب للإثراء الفاحش، وبناء إمبراطورية مالية له ولأبنائه، بقوة نفوذه وعلاقاته، كما يعرف بأنه من أبرز الوجوه “السنية” التي آثرت الوقوف في صف بشار الأسد، وسكتت عن جرائمه الموثقة في حق السوريين. وكان رئيس النظام، منح مدير مكتبه الخاص الأكثر شهرة في سوريا، محمد دعبول، وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة، نهاية شهر مايو (أيار) الماضي، حسبما ذكرت وكالة الأنباء الرسمية “سانا”، “إن المرسوم رقم 146 لعام 2021، يقضي بمنح وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة لدعبول تقديراً لخدماته البارزة في مجال الإدارة والوظيفة العامة”.
اتهامات بالفساد والإثراء الفاحش طالت دعبول
لا توجد معلومات دقيقة عن ثروة دعبول أو عدد شركاته، إلا أن مصادر عدة تشير إلى أن نجله سليم، الذي تسلم إدارة ثروة العائلة، يمتلك أكثر من 25 شركة، تتنوع بين المقاولات والمصارف والسياحة والتعليم الجامعي، فضلاً عن شركات صهره. وهو رئيس مجلس إدارة شركة “النبراس”، وشريك ونائب مجلس الأمناء في جامعة “القلمون” الخاصة، وشريك مؤسس في شركة “ذرى” المساهمة القابضة الخاصة، وشريك مؤسس في شركة “الضيافة”، ومالك لشركة “سنير” المساهمة القابضة الخاصة، ورئيس مجلس المديرين بشركة “الضيافة”، ورئيس مجلس الأعمال السوري التشيكي، بحسب موقع “مع العدالة”.
وتقول المعلومات، إن “أبو سليم” بما كان يمتلك من نفوذ وإمكانية الحل والعقد، وحلقة الوصل بين جميع مراكز النفوذ في النظام، كان مقصد جميع رجال الأعمال وكبار التجار في دمشق وحلب للحصول على التراخيص اللازمة لأعمالهم التجارية والمشاريع الاقتصادية، مقابل رشاوى ضخمة حتى كون ثروة طائلة، ليصبح هو وأسرته من العائلات الأكثر ثراءً في سوريا. كان “أبو سليم” يستصدر موافقات لمشاريع كان يحصل عليها من دوائر الدولة لصالح كبار التجار، ويستقطع نسبة من أرباح المشروع، أو يحصل على مبالغ مالية لقاء تلك الخدمات، أو يدخل في شراكات مع هؤلاء التجار كشراكته مع حسان الحجار أحد أكبر مصدري النسيج في سوريا.
وبعد عودة ابنه من التشيك، انخرط في العمل في الشركات التي أسسها والده، وبات شريكاً في إمبراطورية المال والأعمال. ولعل حفل زفافه يعطي فكرة عن تلك الإمبراطورية، ففي مطلع التسعينيات أقام (أبو سليم) حفل زفاف ابنه في حديقة قصره المنيف في دير عطية، وكان هناك ألف كرسي من الطراز الملكي الفرنسي خصصت للضيوف. وكما هي عادة السوريين في الأعراس، يتم توزيع تذكار العروسين على الضيوف المتعارف عليها باسم (علبة العرس)، ولكن فوجئ الحضور في نهاية الحفل بأن هدية كل واحد منهم هو الكرسي الفاخر الذي يجلس عليه، وقد نقش على كل كرسي الأحرف الأولى للعروسين وتاريخ الزفاف، لقد كانت كلفة الكرسي الواحد يومها 250 دولاراً أميركياً. أيضاً من الاتهامات التي طالت عائلة دعبول، أنها قامت بدعم ميليشيا تأسست في منطقة دير عطية في القلمون عام 2011، بهدف قمع التظاهرات والاحتجاجات ضد النظام التي اندلعت هناك. وروعت هذه الميليشيا أهالي معظم قرى وبلدات مناطق القلمون، مثل قرية يبرود وجريجير والتل، وتعاونت مع قوات النظام في اقتحام تلك البلدات وارتكاب المجازر فيها. ويملك سليم دعبول شركات عدة يتجاوز عددها 25 شركة ما بين شركات كبيرة وفروعها.