الطروحات الترقيعيّة لن تنفع لحل مشكلة الكهرباء في لبنان
النشرة الدولية –
لبنان 24 – نوال الأشقر
يعود الحديث عن البطاقة التمويلية إلى صيف العام الماضي، في حينه لم يكن دولار السوق الموازية قد تجاوز الـ 5500 ليرة، اليوم وصل إلى عتبة الـ 19 ألف ليرة، لا بل تجاوز العشرين ألف ليرة في الأسابيع الماضية. في حينه كانت تسعيرة المولدات الخاصة تصدر عن وزارة الطاقة والمياه وفق سعر وسطي لصفيحة المازوت (20 ليتر) بحدود 11200 ل.ل. على سبيل المثال سعّرت الوزارة تعرفات المولدات الكهربائية الخاصة عن شـهر حزيران 2020 بـ 498 ل.ل. عن كل كيلواط ساعة، اليوم ارتفع السعر إلى 2.367 ل.ل. عن كل كيلواط ساعة بحسب آخر تسعيرة صدرت عن شهر آب الماضي.
أسعار المواد الغذائية كانت قد ارتفعت عند بدء الحديث عن البطاقة التمويلية حوالي 100%، اليوم تجاوزت الـ 700%، وفق تقرير أصدره في تموز الماضي مرصد الأزمة في الجامعة الأميركية في بيروت “إذ تخطى سعر زيت دوار الشمس نسبة 1100% منذ صيف 2019، فيما ارتفع سعر لحم البقر 627 %، والأرز العادي 545%، وسعر البيض ارتفع 450 %، وتضاعف سعر اللبنة 275 %”. هذه الأسعار عادت وشهدت ارتفاعات إضافية مع رفع الدعم الجزئي عن المحروقات، ولكن بناءً على هذه التقديرات توقّع المرصد أن تنفق الأسرة نحو مليوني و130 ألف ليرة لبنانية على وجبة رئيسية واحدة خلال شهر واحد، أي ما يعادل ثلاثة أضعاف الحد الأدنى للأجور تقريبًا. لن نتحدث عن كلفة الأدوية التي ارتفعت بدورها.
بظل التصاعد الدراماتيكي في أسعار مجمل السلع ما جدوى البطاقة التمويلية ؟
“إعطاء هذه البطاقة للناس، مقابل رفع الدعم بالمطلق عن كلّ السلع، يفقد البطاقة قيمتها، لا بل يجعلها عبئًا على حاملها” يقول الخبير الإقتصادي انطوان سعادة ” إذ أنّ قيمتها بالليرة ستكون بحدود 2 مليون ليرة بالحد الأقصى، علمًا أنّ فاتورة المولّد 5 أمبير ستصل إلى 3 مليون ليرة بعد رفع الدعم عن المحروقات. سعر ربطة الخبز سيترواح بين 7 و 8 الآف ليرة وربما أكثر، كلفة النقل بالنسبة للموظفين القاطنين على مقربة من عملهم ستصل إلى مليون ونصف مليون ليرة شهريًا. بالتالي إعطاء البطاقة من جانب وارتفاع الأسعار بنسبة 300% من جانب آخر سيفاقم الأوضاع السلبية، إذن ما الذي يمكن أن تقدّمه البطاقة للمواطن وهي لا تكفي لسداد نصف فاتورة المولد؟”.
انطلاقًا من تآكل قيمة البطاقة يقترح سعادة حلًا آخر “كلفة البطاقة حوالي 600 مليون دولار سنويًا، بدل إنفاق هذه الأموال على بطاقة لن تكفي المواطن فاتورة المولد وحدها، فليخصصوا المبلغ المرصود للبطاقة لتأمين الكهرباء للمواطن وإزاحة عبء فواتير الكهرباء عن كاهله. في هذه الحال يمكن للطلاب أن يتابعوا تعليمهم اونلاين، في حال تعثرت العودة إلى التعليم الحضوري”.
لا يمكن التحجج هنا بعدم القدرة على تأمين الكهرباء، لا سيّما وأنّ العديد من الدول والشركات قدّمت عروضًا ومنها شركة سيمنز “يمكنهم عبر الـ bot، الشراكة بين القطاعين العام والخاص، أنّ يلزّموا الكهرباء إلى إيّ شركة عالمية تؤمّن الكهرباء بفترة لا تتعدى السنة، وخلال هذه الفترة تعمل على تركيب توربينات حديثة في المحافظات، تؤمّن من خلالها التيار الكهربائي 24/24 إلى حين استكمال بناء المعامل، هذه العروض سبق وأن قُدّمت للدولة. بأضعف الإيمان يمكن أن يشتروا بكلفة البطاقة بواخر لتوليد الكهرباء بدل استئجارهم، فثمن الباخرتين 400 مليون دولار، بالأموال المخصّصة للبطاقة يمكن شراء 4 بواخر بالتقسيط، ووضع باخرة لكل محافظة، عندها يصبح سهلًا استقدام الغاز من مصر إلى بيروت، بحيث تفرغ حمولته في خزانات البواخر “.
بأيّ حال البطاقة هذه لم تبصر النور بعد،على رغم المواعيد الأسبوعية التي تُضرب لإطلاقها، وهناك ضبابية حيال مصادر تمويلها وفق سعادة “التمويل غامض إلى اليوم، إذا كان مصدره مصرف لبنان هذا أمر خطير من شأنه أن يشكّل ضغطًا على الليرة”. أمّا مصادر التمويل الخارجية فهي بدورها غير متاحة، خصوصًا بظل حتمية إيجاد دولة عضو في صندوق النقد الدولي، تقبل باستبدال وحدات السحب الخاصة بلبنان SDR بعملة قابلة للتداول.
طُرحت البطاقة كي تشكّل بديلًا عن دعم مصرف لبنان للسلع، فتذهب أموال الدعم مباشرة إلى مستحقيها “ولكن توقيف الدعم بطريقة فجائية سيحدث سكتة قلبية جماعية” يقول سعادة “أيدت وقف الدعم منذ البداية، لكن كان يجب أن يحصل بشكل تدريجي، كان يفترض أن يلجأ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة إلى رفع الدعم منذ العام 2019، وعدم السير بالسلة الغذائية المدعوة والفضفاضة التي شملت الكاجو والكافيار وغيرهما، اليوم يؤخّر توقيع الاعتمادات، لكن بعد إنفاق 7 مليار دولار على الدعم العشوائي”.
تصحيح الرواتب بدوره لن يشكّل حلًا ” في حال رفع الرواتب الى 7 مليون ليرة سيقفز الدولار إلى عتبة الخمسين ألف، يعني إعطاء 7 مليون بيد وسحب 15 مليون باليد الأخرى، وهذه معادلة خطرة”.
كلّ هذه الطروحات الترقيعيّة لن تنفع، لا بل سترفع مؤشّرات التضخم إلى حدود قياسيّة، يستحيل معها تأمين أدنى مطلبات العيش لحوالي 90 % من اللبنانيين. حلّ واحد لا بديل عنه، يكمن في الذهاب نحو تأليف حكومة تنقذ البلاد والعباد من جحيمهم.