أين الكويت من الوثائق الفرنسية؟
بقلم: حمزة عليان
النشرة الدولية –
الذكرى الستون للاعتراف الفرنسي بدولة الكويت (28 أغسطس 1961م) مّرتْ بهدوء لولا زيارة المجاملة البروتوكولية التي جمعت سفيري البلدين في مكتب رئيس البعثة الدبلوماسية سامي سليمان في باريس مع السفيرة الفرنسية الجديدة “لوفليشير”.
الواقع أن تاريخ العلاقات يضرب جذوره عميقاً في الأرض، لكنه لم يأخذ حقه في البحث والدراسة كما ينبغي، باستثناء الكتاب الذي أصدره الباحث يعقوب يوسف الإبراهيم وباللغتين العربية والفرنسية وكتيب آخر أصدره مركز البحوث والدراسات الكويتية.
معظم الأبحاث والكتابات تتجه نحو الوثائق البريطانية في حين لم يلتفت أحد إلى الوثائق الفرنسية علماً أنها لا تقل أهمية عن مثيلاتها العثمانية والبرتغالية والهولندية وحتى الروسية.
التقليد السنوي للإفراج عن الوثائق البريطانية والأميركية بعد مرور ثلاثين عاما عليها، وإتاحتها للباحثين والجمهور عادة حميدة لدى هذه الدول، اعتاد الباحثون على ترقبها للعثور عليها، لكن لماذا هذا الإحجام عن الخوض والدخول في عوالم الوثائق الفرنسية والسعي إلى الاستفادة منها بما يخدم تاريخ العلاقات بين البلدين والشعبين؟
تجربة الباحث والصديق يعقوب يوسف الإبراهيم في هذا المجال تستحق التوقف عندها والاستفادة منها والبناء على ما توصل إليه، خصوصاً في بحثه الموسوم «العلاقات الكويتية– الفرنسية منذ عام 1778» والذي كان لي المساهمة بالتعاون معه وإصداره من (القبس) عام 2014.
أول الدروس المستفادة غياب مبادرات كويتية وخليجية بالدرجة الأولى تصب في خدمة الكشف عن الوثائق التاريخية الخاصة بالكويت والجزيرة العربية، على غرار ما أقدمت عليه منيرة الخمير التونسية الأصل والتي تدرس علم التاريخ في إحدى الجامعات الفرنسية، والتي أنتجت دراسة مصورة احتوت على 250 صورة تمتد إلى فترة قرنين من الزمان بدأت منذ عام 1804.
كان السؤال المطروح وما زال: أين الكويت من تلك الوثائق وما دورها؟ المسألة لا تحتاج إلى مناسبة بقدر ما تحتاج إلى أن توضع في سلم اهتمامات الأكاديميين والباحثين مثلما خاض غمارها وغاص في ثناياها الأستاذ يعقوب يوسف الإبراهيم، على سبيل المثال، وكانت محاولة جادة وذات قيمة معرفية غير مسبوقة.
ليس جديداً القول إن فرنسا دولة مؤثرة وشراكة الكويت معها تاريخية، أول إشارة ظهرت في الخرائط الأوروبية لموقع “كاظمة” كانت على يد الجغرافي الفرنسي نيكولا سانسون عام 1652 تبعتها خرائط الفرنسي غييوم دي ليسل عام 1721، وأول ذكر لقبائل “العتوب” كتبه القنصل الفرنسي في البصرة “جان أوتيه” عام 1742، وأول فرنسي تطأ قدماه أرض الكويت كان عام 1778 على يد الضابط “بوريل دي بورغ” حاملاً رسائل مكتوبة بالشيفرة لنقلها إلى السلطات الفرنسية، ليلتقي الشيخ عبدالله الأول بن صباح الأول ويطلب منه الحماية بعدما تعرض هو والقافلة التي معه إلى عملية قرصنة.
جانب مهم في تاريخ العلاقات ارتبط بالغوص على اللؤلؤ والاتجار فيه من الناحية الاقتصادية، عندها أصبحت باريس السوق الأشهر في العالم الذي يمده الخليج عن طريق سوق بومبي بأغلى اللالئ وأجملها.
من أشهر تجار المجوهرات الفرنسيين ليونار روزنتال، وجاك كارتييه، وودافيد بينفيلد، وبول باك، وألبرت حبيب، وجاكوب صوفير، بلغت جملة تعامل هؤلاء التجار في سوق اللؤلؤ الخليجي في العقد الأول من القرن العشرين، أكثر من مليون دولار أميركي سنوياً، وربما فات البعض أن أول صورة للشيخ مبارك الصباح في الصحافة الفرنسية التقطها القبطان كيسيل عام 1902 ففي كتاب “الكويت وأوائل الصور” تأليف “وليم فيسي”، وذكر فيه أن أول صور التقطها طاقم البارجة الروسية “فارياغ” في ديسمبر 1901، لكن الصحيح أن أول صورة التقطها أحد ضباط سفينة الإمدادات “دروم” في 14 أكتوبر 1900 وهي الأقدم، أما أول صورة ظهرت للشيخ مبارك والإمام عبدالرحمن الفيصل آل سعود فهي التي نشرتها مجلة “لوموند المصورة” بتاريخ 29 مارس 1902.
الخلاصة، أن هذا الأمر يتطلب الإبحار في عالم الوثائق الفرنسية وهي زاخرة بالحقائق والوقائع عن تاريخ العلاقات تنتظر من يزيل الغبار عنها ويضعها في خدمة البحث.