أمريكا تدفع 1.43 مليار يوميا فوائد على ديونها
عشرة أضعاف ما يدفعه أي بلد آخر في مجموعة السبع
النشرة الدولية –
الشهر الماضي، مع اقتراب موعد الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة، أصدر محللو دويتشه بانك حسابات كان ينبغي أن تجعل الناخبين الأمريكيين يجفلون. تُظهر الحسابات أن الحكومة الأمريكية تدفع حاليا 1.43 مليار دولار يوميا (نعم، يوميا) لخدمة دينها العام – أي عشرة أضعاف ما يدفعه أي بلد آخر في مجموعة السبع (إيطاليا تحتل المرتبة الثانية، بمسافة بعيدة في هذا الجدول القاتم)، بحسب ما نشرته صحيفة الفايننشال تايمز البريطانية.
هذا أمر مذهل، حتى مع الأخذ في الحسبان الحجم الكبير للاقتصاد الأمريكي. لكن ما يُثير التفكر بشكل مضاعف هو أن هذه الفاتورة المليارية نشأت عندما كانت أسعار الفائدة، وفقا للمعايير التاريخية، لا تزال منخفضة إلى حد لا بأس به. وهذا يدعو إلى طرح سؤال حاسم على الكونجرس الأمريكي: ما الذي سيحدث لهذا الدين، وتكاليف الخدمة، إذا (أو عندما) ترتفع أسعار الفائدة إلى مستوى قريب من المستويات الطبيعية؟
حتى الآونة الأخيرة، لم يكن يبدو أن المستثمرين أو الناخبين يهتمون بذلك بشكل خاص. فرغم كل شيء، تقاطرت شركات إدارة الأصول لشراء سندات الخزانة الأمريكية في الأعوام الأخيرة، حتى في الوقت الذي تضخمت فيه كومة ديون أمريكا فوق 15 تريليون دولار. كما أن حراس السندات الذين كانوا يزرعون الرعب في القلوب سابقا، كان يبدو أنهم ميتون في العام الماضي، عندما أعلنت حكومة الرئيس دونالد ترمب عن تخفيضات ضريبية ضخمة، ما أدى إلى زيادة الديون أكثر من قبل.
لكن الأسواق تُصبح أكثر قلقا. لننظر فيما حدث خلال الانتخابات النصفية الأسبوع الماضي. في الوقت الذي بدأت تتوارد فيه النتائج ليل الثلاثاء، ارتفعت عائدات السندات كلما اكتسب المرشحون الجمهوريون هامشا للفوز. لكن تلك العائدات كانت تنخفض عندما تحولت خريطة الاقتراع لصالح الديمقراطيين الذين سيطروا على مجلس النواب.
أي شخص متفائل قد يلقي اللوم ببساطة في هذه التقلبات “تحديدا” على فكرة أن الجمهوريين أكثر ملاءمة للنمو. في الواقع، لاري كودلو، المستشار الاقتصادي للبيت الأبيض، أخبر “فاينانشيال تايمز” أخيرا أن السبب الرئيس وراء ارتفاع العائدات في الولايات المتحدة على المدى الطويل هذا العام – باستثناء التشديد من قِبل الاحتياطي الفيدرالي – هو أن المستثمرين يحبون التوسع الاقتصادي الذي أطلقته التخفيضات الضريبية التي أقرها الجمهوريون. ورفض فكرة أن هذه توجد تهديدا للمالية العامة، معتبرا أن أمريكا ينبغي أن تكون قادرة على “النمو والخروج” من ديونها على المدى الطويل.
لكن هناك طريقة أخرى لتفسير تقلبات الأسبوع الماضي، هي أن بعض المستثمرين يُصبحون في النهاية قلقين بشأن وضع المالية العامة إلى درجة أنهم يرجون أن يتمكن مجلس النواب الذي يسيطر عليه الديمقراطيون من كبح ترمب.
لننظر مرة أخرى في رقم خدمة الديون اليومي المذكور. وفقا لمكتب الميزانية في الكونجرس، إجمالي التكلفة السنوية لصافي دفعات الفائدة على الديون الأمريكية في عام 2018 سيكون نحو 318 مليار دولار. في الوقت الحاضر، هذا المبلغ يبدو معقولا، بالنسبة إلى الميزانية الأمريكية الإجمالية.
لكن مكتب الميزانية في الكونجرس يحسب أن حجم تكلفة الخدمة سيزداد ثلاثة أضعاف إلى ما يقارب تريليون دولار بحلول عام 2028، على مسارات السياسة الحالية وعلى افتراض أن أسعار الفائدة سترتفع إلى متوسطها على المدى الطويل البالغ 3.7 في المائة و2.8 في المائة، للسندات لأجل عشرة أعوام والسندات لأجل ثلاثة أشهر على التوالي (أو أعلى قليلا من المستويات الحالية البالغة 3.2 في المائة و2.34 في المائة).
إذا كان الأمر كذلك، سرعان ما ستصبح دفعات الفائدة ثالث أكبر بند في الميزانية، لتفوق حتى الإنفاق العسكري. لكن إذا ارتفعت أسعار الفائدة بشكل أسرع مما يتوقعه مكتب الميزانية في الكونجرس، فإن الصورة ستكون أسوأ. السبب في ذلك هو أن هناك سمة أخرى لافتة للنظر بشأن الديون الأمريكية هي أن متوسط تاريخ استحقاقها هو ستة أعوام فقط، أقل من معظم البلدان الأوروبية. وأثناء إدارة ترمب، تاريخ الاستحقاق هذا – للأسف – انخفض.
قبل الانتخابات كشفت وزارة الخزانة الأمريكية بهدوء عن أن العجز من المقرر أن يصل إلى تريليون دولار للمرة الأولى في التاريخ. لسد هذه الفجوة، يعتزم ستيفن منوشين، وزير الخزانة، بيع 83 مليار دولار من السندات، الذي هو أيضا رقم قياسي، ليفوق حتى مستوى مبيعات السندات بعد الأزمة المالية العالمية. ما يُثير الدهشة أن مونشين يتوقع أن ما يقارب نصف هذا المجموع – نحو 37 مليار دولار – سيكون لها تاريخ استحقاق يمتد لثلاثة أعوام فقط. تاريخ الاستحقاق القصير هذا يجعل الديون أكثر عُرضة لمخاطر التدوير.
فهل هناك أي فرصة لأن يغير البيت الأبيض المسار والبدء في معالجة هذه المخاطر؟ لا تراهنوا على ذلك. على الرغم من أن مجلس النواب الذي يُسيطر عليه الديمقراطيون ربما يستطيع منع مزيد من التخفيضات الضريبية، إلا أن التراجع عن السياسة على نطاق واسع أمر غير مرجح.
لكن إذا أراد ترمب فعلا “التعاون” مع الديمقراطيين – كما قال يوم الأربعاء – فإن أفضل مكان للبدء سيكون البحث عن بعض الاستراتيجيات الثنائية لتقليص الديون.
الأفضل حتى من ذلك، لماذا لا يستحدث نسخة جديدة من لجنة سيمبسون-بولز الثنائية، التي قدمت بعض الأفكار المعقولة في ظل الإدارة السابقة؟ هذا لا يشكل بالضرورة عناوين صحف مثيرة، لكن هو ما يحتاج إليه الناخبون والمستثمرون في الولايات المتحدة بشدة – ولا سيما أن الاحتياطي الفيدرالي لا يزال مصمما على مواصلة رفع أسعار الفائدة. دعونا نرجو أن يُقْدِم شخص ما على عرض فاتورة خدمة الديون الكبيرة التي بقيمة 1.43 مليار دولار يوميا على الرئيس – ومن ثم حثّه على التصرف.