لا تحرجوا الأمة وظلوا في سجونكم
بقلم: صالح الراشد
النشرة الدولية –
انتزعوا حريتهم عنوة على مرأى من العالم ، فخرجوا كالرجال من أسوء سجون العصر، وصرخنا يومها يا أهل فلسطين انثروا الطعام والملابس في كل مكان، ليشعر أبناء فلسطين الذين حققوا المستحيل أن وطن بكامل شعبه يقف معهم، ويدعم صمودهم ويحيي بطولتهم، وتمنينا أن يفتحوا لهم الأبواب كونهم تحولوا إلى منارات للعز والكرامة، وان يغادروا الأرض المقدسة إذا استطاعوا فجميع بيوت شرفاء العالم بيوتهم، وكنا نعلم عن القوة الصهيونية الجبارة والدعم الأمريكي المذهل بالتجسس والمراقبة، وتهديد من يستضيفهم من دول الجوار والسلطة الفلسطينية، لذا فإننا نعرف بأن مهمتهم كانت شبه مستحيلة بعد ان عزلت القوات الصهيونية المدن والقرى عن بعضها، وجندت جميع قواتها وعملائها لهدف وحيد تمثل بإلقاء القبض على الأبطال أحياء، كنوع من حماية آخر قطرات شرفهم المسكوب.
خرجوا من تحت الأرض ليعانقوا فلسطين بكل ما فيها، وبحثوا عن ملجأ آمن يأويهم دون أن يُلحق الضرر بأصحابه، فالصهاينة آخر معاقل الإستعمار في العالم، وآخر همج وسافكي الدماء لم ولن يتساهلوا مع من يساعدهم، فالبيوت ستهدم ورعب التحقيق سيسبق النهاية المعروفة بسجن كل من يمد لهم يد العون، هذا هو الحال ورغم ذلك كان الأمل يُطارد الكثير من أبناء فلسطين أن يلتقوهم ليقدموا لهم ما يستحقون من خدمات، ولم يرعب شرفاء فلسطين العملاء الذين يبحثون معهم عن الناجين للإخبار عنهم، لذا فقد سار الكثيرون بمرحلة البحث المرعب بعد أن تغلغل الكيان وأصبحت له أعين في كل مكان، ورغم ذلك بحث الحالمون بيوم الإستقلال عن أضواء الحرية المشرقة من تحت الأرض.
وهنا تضاربت القصص التي صنعها الصهاينة لضرب المجتمع الفلسطيني، وللقضاء على العلاقة الفلسطينية التي ظهرت في العدوان الأخير على غزة، حين وقفت غزة والضفة والقدس ومناطق الخط الأخضر موقف موحد، وتم مواجهة الصهاينة في كل مكان، لذا كان يجب القضاء على هذه الوحدة، لنجد ان الصهاينة أخذوا يصطنعون القصص للإنتقاص من قيمة المدن الفلسطينية والشعب الواحد، حتى يحل الإنقسام الكبير بين سكان الضفة وغزة وفلسطين التاريخية، لذا فقد حاول الكيان الخروج بمكاسب من قصة النجاة التاريخية والتي أصابت جيشهم في مقتل، فنسج قصص من الخيال غايتها ضرب النسيج الوطني الفلسطيني، لكنه مشروع لن يكتمل ولن يمر بسبب معرفة أهل فلسطين بقذارة الفكر الصهيوني، ورغبته في التفرد بكل جزء من فلسطين بعد تقسيمها، لكن كل هذا لن يوقف الفجر الفلسطيني عن الإنبلاج.
لن نقول أن فلسطين تخلوا من الخونة، فالشهيد يحيى عياش ارتقى شهيداً بفضل خائن، وأحمد ياسين تم قصفه بفعل خائن، والرئيس ياسر عرفات مات مسموماً بقذارة خائن، فدوما الإستعمار يصنع الخونة لضمان البقاء، وهذا أمر شاهدناه في أفغانستان حين تدفق عشرات الالاف من عملاء الولايات المتحدة لمطار كابول فرارا من القدر المحسوم، لكن في فلسطين يغلب طابع الشرفاء الذين يفضلون “المنية على الدنية”، وهؤلاء تمسكوا بالارض ورفضوا الخروج منها وظلوا يخوضون مواجهات متنوعة مع الصهاينة، وسيبقون كذلك حتى يتحقق الحُلم والعدل بخروج آخر صهيوني من فلسطين كما غادر آخر الجنود الأمريكيين أفغانستان.
لقد كان إلقاء القبض على الناجين الستة مجرد وقت في ظل إغلاق المنافذ أمامهم، بفعل القوة الصهيونية التي عزلت المدن والقرى عن بعضها البعض، وبدأت بحملات واسعة كما أن الناجين لم يجدوا من يقدم لهم العون، ليتحقق حديث الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام حين قال :” وا شوقاه لإخواني الذين لما يأتوا بعدُ! قالوا: أوَلسنا إخوانك يا رسول الله؟! قال: بل أنتم أصحابي، قالوا: من إخوانك، يا رسول الله؟ قال: قوم يجيئون في آخر الزمان، للعامل منهم أجر سبعين منكم, قالوا: منّا، أم منهم؟ قال: بل منكم, قالوا: لماذا؟ قال: لأنكم تجدون على الخير أعوانًا، ولا يجدون على الخير أعوانًا”.
صدقت يا حبيبي يا رسول الله بقولك: “فأنتم تجدون على الحق أعوانا”، لأن أحرار وأبطال فلسطين لا يجدون على الحرية والخير أعوانا، لذا يهربون إلى حيث لا مكان ويختبئون في الزوايا البعيدة، كونهم يدركون أن لا أحد قادر على توفير الحماية لهم، فالدول تخشى الحرب مع الصهاينة، والسلطة ترتعب من عودة الإحتلال الذي يخترق المدن والقرى يومياً بفضل التنسيق الأمني، لذا فقد كان الهروب الكبير بمثابة رسالة فلسطينة لجميع أحرار العالم تقول “نحن جاهزون لفعل المستحيل فهل أنتم جاهزون”، ليأتي صدى رد الفعل، بأن الأحرار خارج السجن يقبعون في سجون أشد ظلاماً يحرسها الرعب والخوف والخونة وراس المال، لذا لا تحرجوا أمة مات نصفها ويغطى بقيتها راسه، فارحموهم واشفقوا عليهم وظلوا في سجونكم.!!