هل يمكن لحكومة ميقاتي أن توقف مسار انهيار اليرة اللبنانية إذا توافقت مع برنامج صندوق النقد؟

النشرة الدولية –

لبنان 42 – نوال الأشقر –

في ظل الدرك الذي بلغه الإنهيار المالي والإقتصادي في لبنان، تضيق الخيارات أمام السلطة التنفيذية في بحثها عن المخارج الممكنة لاعادة استنهاض البلد. من بين الخيارات القليلة المتاحة، إتفاق الحكومة على برنامج مع صندوق النقد الدولي، بموجبه تقدّم الجهات المانحة مساعدات ماليّة مشروطة ببرنامج اقتصادي إصلاحي. هذا الخيار ليس بجديد، وكانت قد بدأت مساره الحكومة السابقة، لكنها تعثرت، حتّى قبل أن تستقيل، بعد أن وضعت خطّة للتعافي، لم تنل موافقة المجلس النيابي، بسبب الخلل في تحديد الخسائر وتوزيعها.

اليوم، ومع تشكيل الحكومة يعود خيار التفاوض مع صندوق النقد إلى الواجهة من جديد، هذا ما أكّده رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في الساعات الأولى بعد التأليف “جزء من مهمة حكومتي إجراء محادثات جديدة بين لبنان وصندوق النقد الدولي” وذلك عبر حديثه لقناة “الشرق”، متحدثًا عن حاجة حكومته إلى شهر لبدء التفاوض، أي بعد أن تكون قد أنجزت بيانها الوزاري، وحصلت على ثقة البرلمان.

كلنا يذكر، أنّ أبرز شروط صندوق النقد وأكثرها صعوبة، كانت شرطي تحرير سعر الصرف ورفع الدعم. في حينه لم يكن الأمر واردًا بالنسبة للطرحين، خصوصًا أنّ مصرف لبنان كان مستمرًّا في سياسة دعم ثلاثية السلع الحيوية، أي المحروقات والدواء والطحين وفق سعر الصرف الرسمي، ولم يكن الإحتياط من العملات الصعبة، قد وصل إلى عتبة الإلزامي، وكان هناك رفض حكومي مطلق لرفع الدعم أو ترشيده، لا بل مورست ضغوطٌ على المركزي ليستمر بسياسة الدعم العشوائية، التي ذهبت إلى جيوب المهرّبين والمحتكرين. وكان ذلك لزوم لعبة شراء الوقت المكلفة، التي انتهجتها القوى السياسية منذ استقالة حكومة دياب وتكليف السفير مصطفى أديب وصولًا إلى تأليف الحكومة الجديدة. اليوم رفع الدعم بات واقعًا، وطال الدواء والمحروقات بنسب معينة، خصوصًا أنّ مصرف لبنان رفض تمويل الدعم، من ما تبقى من أموال المودعين في الإحتياطي الإلزامي من دون قانون يشرّع لك. أمّا سعر الصرف، فصحيح أنّه لم يُحرّر بالمطلق، ولكن بات هناك أسعار صرف متعددة، للدواء والمحروقات والسحوبات المصرفية الشهرية، كما أنّ سعر صرف منصّة “صيرفة” قريب إلى سعر الدولار في السوق الموازية.

أمام هذه الوقائع المتأتية عن سوء إدارة الأزمة، بات التفاوض مع صندوق النقد أكثر سهولة من ذي قبل. وفق ما يؤكّد مدير أنظمة الدفع السابق في مصرف لبنان رمزي حمادة، لافتًا في حديث لـ “لبنان 24” إلى أنّ صندوق النقد، في الشرط الثاني، لا يقف كثيرًا عند تحرير سعر الصرف، لإدراكه أنّ اقتصاد لبنان ريعي، قائم على السياحة والتجارة والإستثمارات الأجنبية، ولا إنتاج لديه. على خلاف تجربته مع مصر، بحيث حرّر هناك سعر الصرف، ولكن وضع مصر البلد المنتج يختلف عن وضعنا، ولديها عائدات سياحية كبيرة ومستمرة. من هنا لم يكن ممكنًا تحريرُ سعر الصرف في لبنان إلّا تدريجيًا، بالتزامن مع قيام السلطة التنفيذية بإصلاحات، لطالما طالب بها صندوق النقد منذ عشر سنوات، بحيث كنّا في مصرف لبنان نجتمع معهم، ويضعون تنفيذ الإصلاحات كأولوية. أضاف حمادة “لا يمكننا الموافقة على كل مقاربات صندوق النقد، وهناك تجارب غير مشجّعة له مع عدد من الدول، كتقاريره عن الأرجنتين والأسواق الروسيّة ودول النمور الآسيوية، بحيث حصلت نتائج عكسيّة. بالتالي صندوق النقد يشير إلى مكامن الضعف، وعلى الدولة أن تختار كيفية معالجتها”.

هل يمكن للحكومة في حال وصلت إلى برنامج مع صندوق النقد أن توقف مسار انهيار اليرة؟

يجيب حمادة “بالتأكيد يمكنها، لكنّ الأمر يسلتزم وقتًا، حيث أنّ التدمير سريع الوتيرة على عكس البناء. ووقف مسار الإنهيار يتطلّب إعادة بناء ثقة الناس بالقطاع المصرفي وبالدولة على حدّ سواء. كما أنّه وبمجرد ولادة الحكومة شكّل ذلك صدمة إيجابية، لتنطلق بعدها في مسار وقف الإنهيار، والبناء عليه، أمّا في حال لم تتعاون القوى السياسية كما يجب لإنقاذ البلد، سنبقى حيث نحن اليوم”.

أضاف حمادة ” أي حكومة يجب أن تأخذ ثقة البرلمان، لتتمكّن من التفاوض مع المجتمع الدولي، وهذا هو الأهم. على أن تضع خطّة عمل إنقاذية، توحي بالثقة بمجال تنفيذ الإصلاحات المطلوبة. وفي مقدمها إيقاف مافيات التهريب والإحتكار أو التقليص منها، إذ أنّ بقاء التهريب يؤدي إلى استنزاف الدولار، في وقت يعاني البلد من شحّ في العملات الأجنبية. كما وصلنا إلى رفع الدعم، وهنا إشارة إلى أنّ كميل شمعون ومنذ الثمانينات قال: يجب رفع الدعم، وإلّا ذاهبون إلى الإفلاس. كما لا بدّ من تعزيز الجباية ومكافحة التهرب الضريبي، ووضع حدّ للتطبيقات الإلكترونية المتلاعبة بسعر صرف الدولار، وفق مؤشرات سياسية وليست اقتصادية”.

لديك أمل بالنهوض من جديد رغم مأساوية الأوضاع؟

نسأل شخصية مصرفية مدركة لعمق الأزمة، فيجب حمادة “نعم لدي أمل بالإنقاذ إذا صدقت النوايا، لدينا اليوم سلطة تنتفيذية تتفاوض مع المجتمع الدولي والجهات المانحة”.

كلمة “أمل” عدنا لنسمعها بعدما اعتقدنا أنّها ولّت إلى غير رجعة، أو على الأقل إلى ما بعد العهد الحالي. نتمسّك بهذا الأمل، وندرك أنّ الدرب شائك وطويل، ولكن على الأقل لم نعد مسرعي الخطى تجاه جهنّم، بدأنا جهودًا لتغيير الوجهة، علّنا ننجح، ولا خيار لنا سوى ذلك.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى