هل تراجعت السينما المصرية “العريقة”؟
النشرة الدولية –
يستمر الجدال في أوساط المهتمين بالفن السابع عن دور السينما المصرية في المشهد الثقافي العربي، حيث يرى البعض أن نجمها آل إلى أفول بعد تاريخ مشبع بالإنجازات، في حين يرى آخرون أنها ما زالت حاضرة بقوة، وإن نامت، فإنها لا تموت، حسب ما نشره موقع “إرم” الإخباري.
نبذة تاريخية
تتمتع السينما المصرية بتاريخ حافل، فهي الأولى في العالم العربي، وكانت إرهاصاتها الأولى في عام 1859، ليشهد العالم العربي في 1896 أول عرض سينمائي في الإسكندرية، وعرض آخر في العاصمة القاهرة، ثم عرض ثالث في بورسعيد بعد عامين.
ويمكن القول إن الانطلاقة الحقيقية والمهمة كانت مطلع القرن العشرين، إذ شهد عام 1927 إنتاج أول فيلم سينمائي، فيلم ”قبلة في الصحراء“ في زمن السينما الصامتة.
ومنذ تلك الحقبة، تتالى الإنتاج السينمائي المصري، متصدرة العالم العربي، باعتمادها على أحدث التقنيات، ورفدها بكتاب على سوية عالية من الحرفية.
وانتقلت السينما من الإنتاج الخاص إلى مرحلة الدعم الرسمي عقب ثورة العام 1952، لتدخل الصناعة في مجال التأميم في الستينيات، وتخضع لمعايير جديدة، شعارها الفن الملتزم، وتتحول إلى لسان حال السلطات وجزء من قوتها الناعمة ودعايتها السياسية.
ومجدت السينما في تلك الحقبة مكتسبات الاشتراكية والتوجه القومي والروح الوطنية، ومنها أفلام ”ميرامار“ و“اللص والكلاب“ و“جفت الأمطار“، بالاستناد إلى روائع الأدب العربي وروايات جيل رائد من الكتاب العرب، مثل نجيب محفوظ، ويوسف السباعي.. إلخ.
وشهدت صناعة السينما في الثمانينيات تحولا جديدا، إذ انصب التركيز على الإنتاج التجاري حينها، فضلا عن طرح مواضيع مختلفة تُجاري الواقع الجديد.
واتسم الخط البياني للسينما المصرية بالتباين، من وصول إلى الذروة، إلى انخفاض واضح، حتى عام 2007، مع تبنّي وزارة الثقافة المصرية بعض الأعمال المميزة.
تراجع
ويرى الناقد السينمائي المصري عبدالرحمن الطويل، أن ”صناعة السينما المصرية شهدت تراجعا بالتأكيد منذ تخلت الدولة في السبعينيات عن دورها في الإنتاج؛ ما أثر سلبيا على عدد الأفلام ذات القيمة المنتجة في كل عام“.
وأضاف، في حديث خاص لـ“إرم نيوز“: ”في العقد الأخير تراجعت فنيا ضمن ظرف اجتماعي عام أدى إلى تفتت الطبقة الوسطى وتضاؤلها، وانعكس ذلك على خطاب السينما، بين أفلام تخاطب الطبقات العليا وتعنى بقضاياها، وأخرى -وهي الأكثر- تخاطب الطبقات الدنيا الصاعدة عشوائيا، ما أدى إلى ظهور أفلام البلطجة وما إليها“.
في حين يرى الكاتب المصري مؤمن سمير، أن ”الفن السابع ظل دائما المعبّر الأبرز عن طموح الإنسان في اقتناص الحلم ودمجه بالواقع، في ممارسة السحر الحلال لفك غموض الكون وفتح بوابات الروح على مصراعيها، في اللعب بين الوعي واللاوعي، وفي مراقبة ذاته والتلصص على نفسه في مرآة تلون عيونه بالبهجة والمتعة، وفي مصر كانت السينما واحدة من أهم مكونات الوجدان الشعبي“.
وأوضح في حديثه لـ“إرم نيوز“: ”لارتباط السينما بالذاكرة الجمعية المصرية، كان من الطبيعي أن تتأثر بما يعتري الواقع من تحولات حادة أو طفيفة، فإذا حدث ارتباك سياسي أو مجتمعي ما يخفت صوت السينما، لكنها تكون في حال يشبه الظل الرابض إلى جوار حائط، كي يختزن ويحلل، ثم بعد أن يمضي الوقت المخاتل يفرش هذا الظل الحي كله“.
وأضاف: ”تبقى مقولة تراجع صناعة السينما في مصر، مقولة غير دقيقة، ففي الفترة الأخيرة مثلا، ونتيجة للتطور المهول في الإمكانيات التقنية، واكتساح وسائل التواصل الفضاء بما أتاحته ورسخته من قيم الحرية والجرأة، أصبحنا نتقابل مع أفلام بإنتاج ضخم جدا وتقنيات لافتة خلقت الإبهار وجعلت المتلقي في حالة مقارنة مع السينما العالمية، هذا مع مقاربة موضوعات كانت شائكة ومحرمة من قبل“.
صدارة عربية
واعتبر الناقد عبدالرحمن الطويل أن ”تراجع السينما المصرية لم يؤثر على صدارتها للعالم العربي، معتمدة على رصيدها الحضاري وزخم الكفاءات الفنية الحاضرة، وأحد أهم أسباب حفاظها على الصدارة، أنها حسمت الموضوع سابقا، فلم تعد تنافَس عليها“.
وأوضح الطويل: ”نحن الآن في عصر التلفاز ثم الإنترنت، لا السينما، والمنافسة الفنية أصبحت في هذه الميادين لا في السينما، لذلك لا يمكننا إنكار أن الدراما المصرية تراجعت في آخر 20 عاما أمام نظيرتها السورية بأكثر من معيار، لأن صانع الدراما السورية قدم ميزات تنافسية على المستوى الفني والقيمي، لكن لا يوجد صانع سينما في أي بلد عربي يفعل الشيء ذاته في منافسة السينما المصرية، لأن العصر سادت فيه وسائط أخرى غير السينما“.
التجاري مجرد طارئ
ويرى نقاد آخرون أن التوجه التجاري في السينما ليس سوى مجرد طارئ، إذ استمرت الأعمال الهادفة في العصر الراهن، جنبا إلى جنب مع إنتاج الأعمال التجارية، وأمام هذا التداخل ينبغي تحليل واقع السينما بإعادة النظر ومناقشة كل عمل على حدة؛ وفقا للكاتب مؤمن سمير.
منافسة عربية
وعن صحة مقولة استمرار صدارة السينما المصرية للمشهد العربي، يرى سمير أن ”الحكم لم يعد بتلك الأريحية، في ظل صعود صناعة السينما في بلدان عربية أخرى وتميزها، وبشكل خاص المرتبطة منها بتجارب السينما المستقلة، إذ نشهد حاليا إنتاجا مبهرا في بلدان المغرب العربي ولبنان، وإقليميا الصناعة الرائدة للسينما الإيرانية، فضلا عن التجارب الإفريقية المتميزة حديثا“.
العالمية
وعلى غرار أعمال عربية متميزة، وصل كثير من الأفلام المصرية القديمة والحديثة إلى العالمية، عند تحقيقها للشرط الفني الإنساني العالمي، ومناقشة قضايا الإنسان في كل مكان، أو طرح الأسئلة الخالدة في كل مكان وزمان.
وقال سمير في حديثه لـ“إرم نيوز“، إن ”تميز الإخراج واتساع رؤيته الإبداعية والتركيز على الجودة التقنية، ليست المعيار الوحيد للوصول إلى العالمية، وأظن أن أفلامنا تحتاج إلى الانتماء لواقعنا الضيق البسيط بشكل عميق وحقيقي، إذ إن الغرب لا يحتاج لما يعرفه، بل يبحث دائما عن المجهول، ويركز على شرط المصداقية والابتعاد عن التصنع“.
عقبات
ويظل الإنتاج أبرز العقبات التي تقف عائقا أمام تقديم سينما جيدة ترضي طموحات الفنانين المؤمنين بأهمية الفن السابع، كوسيط إبداعي عظيم، ومن يسعى للتعبير عن رؤاه وتطلعاته وأحلامه من خلاله.
ويرى سمير أن ”الرقابة السياسية والاجتماعية في مجتمع محافظ كمجتمعنا قد تشكل عائقا أمام صناعة السينما، ولكن في جميع الحقب وعلى الرغم من الظروف تبقى المبادرات الفردية الشجاعة بصيص نور وأمل“.
استشراف المستقبل
وأوصى سمير في ختام حديثه بضرورة تعزيز حالة الحراك السينمائي وفتح الأبواب على مصراعيها أمام الإبداع دون قيود أو محاذير، إذ إن الواقع السينمائي عندما يكون مزدهرا فهذا يسهل الفرز والانتخاب، ما يحفز الإبداع ويدعم استمرار متعة السينما كأولوية من أولويات المواطن المصري.