هل تتذكر؟
بقلم: حسن العيسى
النشرة الدولية –
تكبر، تجاوزت السبعين “أقل أو أكثر بقليل من هذا الرقم”، تنسى الكثير من شؤونك اليومية العادية، تضع الآيس كريم في خزانة المطبخ، ومفاتيح السيارة في الثلاجة، أمر عادي أو غير عادي، ربما هي أجراس الزهايمر تدقّ برنين منخفض اليوم، ثم يزداد صوتها صخباً مع كل لحظة عمر تنقضي.
الشعيرات الدموية، التي تغذي المخ تضعُف، الدم يصل ببطء لهذا الرأس الأبيض بعد أن اشتعل شيباً وانطفأ ذاكرةً، بقع حمراء أو صفراء ـ لا أعرف – تراها في صور “سكان” المخ، بروتينات تنمو ببطء فيه.
كيف هذا؟ بروتين نأكله في اللحم والشحم والبقوليات، يحمل ذات الاسم المرضي! لست متأكداً، اسألوا أهل البخاصة من أطباء الأعصاب أو علماء البيولوجيا والفيزيولوجيا و”المللوجيا”، مثل زميلنا ناجي الزيد.
هل تذكر أحداً من أسماء الوزراء اليوم؟ غير فلان شيخ والشيخ الفلاني طبعاً حزب الأبخص مشيخة صعب نسيانهم؛ هم ثابتون وغيرهم متحركون، أما الباقي فلا تتذكر أسماءهم عدا رنا الفارس، المرأة الوحيدة والمجتهدة في الوزارة لا يمكن أن تنسى اسمها ولا وجهها المبتسم الهادئ.
تنسى أسماء معظم أعضاء المجلس التشريعي، لا يهم إن نسيتهم أم لا، تعاني فقداناً قليلاً في الذاكرة أم لا… كله صابون، لم يتغير من أمورنا شيء، لا حدث حقيقياً حفر عنوانه في عقلك الواعي أو خزّن في اللاوعي، مع أنك تتذكر – يمكن وربما ويجوز شرعاً – أن أموراً و”بلاوي” كثيرة حدثت للدولة وللعالم، لكنك لا تتذكرها… لماذا؟ هل هو الزهايمر شخصياً ورسمياً معاً؟ الله أعلم.
لماذا هذا وهذا لماذا؟ نوام تشومسكي (ندلّعه عبرياً وعربياً بـ “نعوم”) يذكر كل التفاصيل الدقيقة في السياسة الأميركية الداخلية والخارجية، ليس فقط ذاكرته البعيدة عن دور كسينجر في تشيلي عام 73، أو إيران عام 53، وضرب كمبوديا أيام نيكسون، والتدخل في شؤون أميركا اللاتينية، وتمتد قضايا التدخل والخروج المخجل معها من فيتنام ولبنان عام 83 إلى أفغانستان اليوم.
بل حتى ذاكرته القريبة، يتذكر تشومسكي كل التفاصيل الدقيقة، ويجري المقابلات الصحافية والحوارات المثيرة عن عدد إصابات “كوفيد” للأفارقة الأميركان، ولماذا زادت عن حالات الإصابة عند البيض… تشومسكي تجاوز التسعين من العمر، الله يعطيه طول العمر.
تحاول أن تتذكر أموراً وأحداثاً مهمة لتتحدث عنها وتسكب الكلمات الفارغة عن رتابة الحياة الكويتية، لكنك مشغول الآن بالبحث عن مفتاح السيارة، وأنت تشاهد سائل الكريما الأبيض يلطّخ رفوف الخزانة… ماذا حدث؟! لا تتذكر.