شفيق الغبرا من قبلُ ومن بعدُ
بقلم: يوسف أحمد مكي

النشرة الدولية –

عندما تستمع إلى حديث المفكر الكويتي- الفلسطيني الراحل شفيق ناظم الغبرا (1953–2021) لا يسعك في مثل هذا الموقف إلا أن تحترمه حتى لو لم تتفق معه، ومع أنني منذ أن تعرفت عليه واستمعت إليه قد اتفقت معه ونالت أفكاره وتحليلاته هوىً في نفسي، بسبب موضوعيته وأناقته الفكرية ورؤيته الثاقبة فيما لا تراه العين وحنكته في إدارة النقاشات حول القضايا الساخنة.

فهو يشعرك منذ الوهلة الأولى بأنك أمام مفكر ومحلل سياسي وفكري حصيف ومن طراز رفيع، يتمتع بنظرة شمولية وعميقة لشؤون السياسة والفكر، وخاصة قدرته على تحليل الأحداث وأسبابها المباشرة وغير المباشرة وصولا إلى مآلاتها، شخصية مقنعة فيما يطرحه من أفكار ورؤى.

تعرفت عليه لأول مرة من خلال برنامجه التلفزيوني الحواري «ديوانية الأسبوع» وهو برنامج متميز بسبب تميز مقدمه نفسه وقدرته على إدارة الحوار مع من يستضيفهم البرنامج، وهم عادة من الوزن المعتبر، ومن خلال هذا البرنامج بدأت أتتبع ما يقوله هذا الرجل وما يكتبه هنا أو هناك على صفحات الجرائد، فهو جدير بالمتابعة، ويطرح أشياء جديدة من حيث التحليلات للواقع العربي المتردي، مع ميل جارف الى الديموقراطية. أما ما شدني إليه فهو تحليلاته العميقة لأحداث الوطن العربي سنة 2011 أو ما عرف بالربيع العربي، وقد كان متعاطفاً إلى أبعد الحدود مع مطالب الشعوب العربية وداعية للديموقراطية وحقوق الإنسان، ودعوته الصريحة إلى أن الإنسان العربي يستحق العيش في ظل أنظمة ديموقراطية بعيداً عن الاستبداد. وبالرغم من تعاطفه مع الربيع العربي في مختلف أماكنه فإنه لم يركب الموجة الشعبية، ولم يكن شعبوياً بل كان متزنا في موقفه ورؤيته وعلميا إلى حد بعيد في مقارباته للواقع العربي وتعقيداته وأسباب الثورات العربية، وهذا ليس غريباً عليه، فهو أستاذ العلوم السياسية بامتياز في جامعة الكويت، وهو المناضل السابق مع الثورة الفلسطينية، في بيروت والملتصق بحركة شعبه ونضاله من أجل الحرية، كما بتطلعات الشعوب العربية.

فقد جمع الجانبين: النضال العملي والإحساس بمرارة الاحتلال الإسرائيلي لوطنه وتشريد شعبه من جهة، والعلم السياسي الذي تحصل عليه أثناء دراسته في الولايات المتحدة وانفتاحه على مختلف وجهات النظر من جهة أخرى.

وفي سبيل ذلك لم يتوقف عند الأكاديمية الجافة والفوقية بل دمج العلم بالعمل، لذا جاءت تجربته الحياتية والعلمية ثرية ومليئة بالتجارب الحية وبنسغ الحياة، وأن المرء يمكن أن يكون أكاديميا وفي الوقت نفسه مناضلا على الصعيد العملي، ومع أنه كان ينتمي إلى أسرة من الطبقة الوسطى إلا أنه كان نصير المغبونين، وكان نصير الشعوب في نضالها من أجل الحرية والديموقراطية أسوة بشعبه الفلسطيني.

والأهم من كل هذا أنه يعتبر من بين المفكرين والأكاديميين والمحللين السياسيين الذين يمتازون بالشجاعة الأدبية، حيث يقول رأيه بصراحة ودون مواربة، ويقف مواقف تاريخية تنم عن صحة ضمير وبعيداً عن الحسابات الأنانية أو المصالح الشخصية والانتهازية والطبقية.

كان شفيق الغبرا حاضراً وبقوة في المشهد العربي عموما أكثر من أربعة عقود، وقد أثبت حضوره من خلال الكثير من الإنجازات والمواقف، فمثلا كان موقفه من الغزو العراقي للكويت واضحا ومشرفا ورافضا لهذا الغزو جملة وتفصيلا، ولم يركب موجة الغوغائية القوموية، بل دافع عن هذا البلد الصغير ضد الوحش الكبير، وقس على مثل هذا الموقف العقلاني والمبدئي بقية المواقف التي لازمت الراحل حتى آخر حياته، فقد كان منصفا دائما للقضايا العادلة، ولم يكن متحيزا لأي نظام بل كان متحيزاً للحقيقة.

رجل ومفكر وأكاديمي وسياسي من الدرجة الأولى، لم يساوم أو يناور في مواقفه المبدئية، رحل عنا وهو في عز العطاء، وعلى امتداد حياته قدم للثقافة العربية مجموعة من المؤلفات المرتبطة بالشؤون السياسية العملية. منها:

1- فلسطينيون في الكويت. 2- من تداعيات احتلال الكويت.

3- الولايات المتحدة والخليج. 4- حياة غير آمنة: جيل الأحلام والإخفاقات. 5- الكويت: دراسة في آليات الدولة والسلطة والمجتمع.

6- النكبة ونشوء الشتات الفلسطيني في الكويت.

وغيرها من الكتب، بالإضافة إلى أنه شغل العديد من المناصب، وهي تدل على مدى ألمعيته وقدرته على العمل في الشأن العام، فمن بين المناصب التي تولاها على سبيل المثال لا الحصر:

– مدير المكتب الإعلامي لدولة الكويت في الولايات المتحدة الأميركية 1998–2002.

– ترأس مركز الدراسات الاستراتيجية والمستقبلية بجامعة الكويت 2002.

– من مؤسسي الجامعة الأميركية في الكويت وأول رئيس لها 2003–2006.

– ترأس تحرير مجلة العلوم الاجتماعية الصادرة عن جامعة الكويت.

هذه مجرد نبذة مختصرة عن الراحل الذي مثل رحيله خسارة للشعب الكويتي والفلسطيني والشعب العربي بطبيعة الحال، وهذا هو شفيق ناظم الغبرا من قبلُ ومن بعدُ، وبرغم الرحيل الأبدي ستظل الأجيال تتذكره وتتذكر مواقفه المنصفة لقضايا الشعوب، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.

* كاتب وسوسيولوجي بحريني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى