تحويلات المهاجرين السياسية!
بقلم: طوني فرنسيس
النشرة الدولية –
يثير تقرير اتحاد المصارف العربية عن تحويلات المهاجرين اللبنانيين الى بلدهم وذويهم الإهتمام، مرة أخرى، بدور هؤلاء في انقاذ واسعاف اهلهم وعائلاتهم في الأزمات من جهة، ومن جهة أخرى بموقعهم اللاحق في القرار السياسي وفي طبيعة السلطة التي ستقرر مصيرهم ومصير ابنائهم خلال السنوات المقبلة.
كان المهاجرون وما زالوا ركناً اساسياً في صمود بلدهم واستمرار اهلهم في العيش بشروط معقولة. وهم لم يهاجروا لأسباب رومانسية ولا لرغبة في استكشاف العالم، بل لأن الذين تعاقبوا على ادارة شؤون بلدهم أمعنوا في خرابه السياسي والاقتصادي والمالي، وهذا الخراب بالذات هو الذي يقف وراء “موجة الهجرة الثالثة” التي يعيشها لبنان حالياً، ويجعل 77 في المئة من شبانه وشاباته يفكرون ويسعون للهجرة. وما فعله المتسلطون ويفعلونه حالياً، فاق بشراسته أو وازى ما فعله العثمانيون عشية الحرب الأولى ( 1914- 1918) حيث بلغ عدد المهاجرين من جبل لبنان وحده 330 ألفاً، وما فعلته الميليشيات والحروب (1975- 1991) عندما هاجر بسببها وبسبب الضيق الاقتصادي 990 ألف لبناني، وهؤلاء المتسلطون انفسهم يدفعون الآن، ومنذ بدء المسيرة نحو جهنم، عشرات الالوف الى الهجرة وكلهم من الشباب المتعلم او العائلات الميسورة، التي ترفض تربية اولادها في بقعة محكومة بالتوتر والجوع والالوان الحالكة.
لا ينافس لبنان في معدلات الهجرة بحثاً عن فرص عمل سوى دولتي فنزويلا وزيمبابوي، ولم تعد صدفة ان تقارن التقارير الدولية بين البلدان الثلاثة وصولاً الى اعلان لبنان دولة فائزة بقصب السبق.
ولا نتحدث هنا عن تهجير الحروب، فالشقيقة سوريا تحتفظ بالمرتبة الاولى متسابقةً مع اليمن وافغانستان في تصدير اللاجئين الى اصقاع الارض.
بلغت تحويلات اللبنانيين من الخارج الى ذويهم في العام 2020 نحو 6,3 مليارات دولار، وهي اموال مباشرة حملها مسافرون او ترانزيت عبر المصارف وشركات تحويل الأموال. ولا يصعب القول ان تلك الأموال تبقي المواطن واقفاً على رجليه في ظروف انهيار الليرة وكافة المرافق والخدمات الحيوية. ورقم 6,3 مليارات اليوم يساوي اكثر بكثير من رقم 7,2 مليارات تم تحويله في 2018، آخذاً بعين الاعتبار هبوط العملة الوطنية وحاجات الناس، ووصوله الى اصحابه وليس الى البنوك، التي أودع المهاجرون فيها جنى عمرهم على مدى سنوات فتمت مصادرته وسرقته.
بين المليارات تلك يصل من السعودية وحدها نحو مليار دولار سنوياً يرسلها العاملون اللبنانيون في المملكة، وبين عامي 2012 و 2017 حوّل لبنانيو السعودية 8,6 مليارات دولار، والنسبة نفسها سنجدها وإن متفاوته في دول الخليج العربي الأخرى: الكويت والامارات وقطر وعُمان. ومن الخليج الى دول عربية اخرى واوروبا وأستراليا والقارة الاميركية تزداد التحويلات لتوطد الجسر الذي فُرِض على اللبنانيين بناؤه بين المهجر وبين بلدهم وتحمّلهم، وهم يدركون ذلك الآن اكثر من اي وقت سابق، مسؤولية التغيير في بلدهم والاطاحة بمن تسببوا بهجرتهم وتشريدهم.
رقم التحويلات في 2020، هو نفسه للمصادفة، رقم المسروقات التي حولتها ست شخصيات مطلع الانتفاضة من مصارف بيروت الى البنوك السويسرية والاوروبية. هذه واقعة لم يتم التحقيق فيها، لكن يفترض ان تكفي لجعل ممولي بلدهم من الخارج يضعون ثقلهم في عملية التغيير عبر الانتخابات المقبلة، فهم ادرى من غيرهم وأقدر على ممارسة افكارهم بحرية، لمعاقبة مثل هؤلاء اللصوص ومنعهم من مواصلة تهجير الناس وسلبهم ارضهم وعائلاتهم ووطنهم، والانتخابات مدخل، لا غنى عنه لتغيير جدي، ينبغي ان يكون لبنانيو المهجر احدى رافعاته المتينة.
* نقلا عن “نداء الوطن”