«شط العرب» إلى الواجهة من جديد
بقلم: حمزة عليان
النشرة الدولية –
في عام 1975 وقّع صدام حسين اتفاقية الجزائر الخاصة بمياه شط العرب والحدود البرية وتنظيم إمدادات المياه، وأخطر ما فيها أنها تعطي نصف هذا المجرى المائي إلى إيران، ولهذا السبب وغيره خاض حرباً تدميرية استمرت ثماني سنوات بعدما ألغى الاتفاقية التي وقعها ولم تقدم الحكومات المتعاقبة بعد سقوطه عام 2003 إلى العمل بها.
حاول العراق تعديل بنود الاتفاقية مع طهران لكنه لم يفلح في ذلك، فهم، أي العراقيين، يعتبرون أنها كانت مجحفة بحقهم وعلى حسابهم، واليوم يعاد طرح هذا الملف الصعب والمأزوم، فهي لا تعطي للإيرانيين الحق في بناء أنفاق تحت الأنهر ولا تمنحهم الحق في تحويل مجاري الأنهار كما يحصل مع نهر “سيروان”، ونهر “الزاب الأسفل” أو تغيير مجرى “نهر الكارون” الذي يصب في شط العرب.
خبراء المياه بالشأن العراقي يعتقدون أن المشكلة الكبرى تتمثل بخسارتهم للأراضي واعتماد خط “الثالوك” الذي انقسم الشط بموجبه إلى نصفين متساويين، وهذا الخط انسحب إلى داخل الأراضي العراقية بنحو كيلومترين، مما يعني حسب الخبير الجيولوجي ظافر عبدالله أن “ميناء العمية” سيصبح لإيران
العراق يعتزم رفع هذا الملف إلى محكمة العدل الدولية وتقديم شكوى بهذا الشأن، لكن هل سيقدم على هذه الخطوة أم أنه بالون اختبار؟ والمياه الواردة من إيران تشكل نسبة 15% من الموارد المائية العراقية والباقي من تركيا، بمعنى أن 90% من مياه الأنهار التي تجري في العراق تأتي من خارج أراضيه وتحديداً من تركيا وإيران.
حجر الزاوية يكمن في “اتفاقية الشط” التي انقلب عليها صدام وكانت فاتحة خير لإيران! ولم تجرؤ حكومة عراقية منذ التسعينيات إلى اليوم على المطالبة بإعادة النظر في البنود “المجحفة” التي دفع الشعب العراقي ثمنها، ففي 1975 تنازل العراق عن نصف المجرى المائي لشط العرب، ووافق على اعتبار خط “الثالوك” هو خط منتصف النهر، ابتداءً من شمال المحمرة حتى مصب الشط في الخليج العربي عند “رأس بيشة”.
أحد أهداف الحرب العراقية – الإيرانية كان أن صدام حسين يريد أن يتخلص من تلك الاتفاقية في أول فرصة تسنح له، وهذا ما تم بإشعال الحرب عام 1980 واستغلال ظروف “الثورة الإسلامية” الذي أزاحت الشاه عن عرش الحكم.
كان اتفاق الجزائر عام 1975 يقضي بإجراء تخطيط نهائي للحدود البرية وتحديد الحدود النهرية بحسب خط “الثالوك” وبعد تشكيل اللجان الفنية المختصة تم التوقيع على المعاهدة، والبروتوكولات الثلاثة الملحقة بها، كان من المفروض أن تسلم إيران للعراق أراضيه التي تحققت عراقيتها بموجب المعاهدات، لكنها تأخرت وتلكأت في تنفيذ ذلك، إلى أن تغير النظام عام 1979 واندلعت الحرب بعدها بسنة!
تم الإخلال ببنود الاتفاقية مما جعلها عرضة للإلغاء من قبل العراق لعدة أسباب: منها عدم تسليم الجانب الإيراني للأراضي العراقية والتحرشات العسكرية على الحدود، وما زاد الطين بلة توجه إيران باتباع سياسة خارجية تقوم على ما يعرف “بتصدير الثورة” إلى خارج أراضيها!
الحكومة العراقية طرحت ملف اتفاقية شط العرب على الطاولة، بعدما وقعت مذكرة تفاهم مع تركيا عام 2014 تتيح لها الحصول على حصة كاملة من المياه وهو أمر لم يتحقق بعد، وفي الأنهار العابرة للحدود غالباً ما تتحول دول المصب إلى “ضحية” وتبقى رهينة للخارج، فموازين القوى تؤدي دوراً هنا في صياغة الاتفاقيات الملزمة وهذا ما نراه في أزمة “سد النهضة” في إثيوبيا تجاه دولتي المصب، السودان ومصر.
إيران وتركيا وإثيوبيا تطوق العالم العربي بمصادر المياه والتحكم فيها إلى جانب إسرائيل طبعاً، وهذا الحزام المائي ستكون تبعاته عسيرة على الأمن الغذائي والمائي للشعوب العربية التي تعاني موجات الجفاف والشح وزيادة الملوحة في التربة، وبالتالي تقليص الإنتاج الزراعي والذي سيترتب عليه موجات من الهجرات الجماعية نحو المناطق الأكثر استقرارا من حيث توافر المياه… ضعنا بين الإيرانيين والأتراك وبتنا محاصرين بالمياه والاحتلالات والجيوش!