السعودية تمنع ثلاث ملايين فلسطيني من الحج نزولا لرغبة أمريكية إسرائيلية
كشف موقع Middle East Eye البريطاني عن أنَّ السعودية وبموجب إتفاق سري لها مع إسرائيل بترتيب مع الولايات المتحدة، ستمنع نحو ثلاث ملايين مواطن فلسطيني من حملة جوازات ووثائق السفر العربية المؤقتة من أداء فريضة الحج والعمرة في مكة المكرمة.
ونوه الموقع بأن هذا الإجراء بشكل جزءاً من السياسة السعودية الجديدة لوقف إصدار تأشيرات الحج والعمرة للفلسطينيين في الأردن ولبنان والقدس الشرقية وغيرها من الدول، ومؤخراً الفلسطينيين الذين يعيشون في الداخل الإسرائيلي، من حملة وثائق السفر المؤقتة التي يصدرها الأردن أو لبنان، وهي سياسة دخلت حيز التنفيذ في إعتبارا من 12 سبتمبر الماضي.
وتؤثر الخطوة السعودية على إجمالي ثلاثة ملايين فلسطيني عبر مختلف العالم، حيث لا يمكنهم الحصول على أي وثائق سفر أخرى تسمح لهم بالذهاب إلى السعودية، حيث يتوجه ملايين المسلمين سنوياً للحج إلى مدينتي مكة والمدينة.
وتحدث عدد من وكلاء السفر لموقع Middle East Eye في “إسرائيل” والقدس الشرقية والأردن، إنَّ وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الأردنية أخطرتهم بأنَّ السفارة السعودية في عَمَّان أبلغتها بعدم التقدُّم للحصول على تأشيرات لأي شخصٍ يريد السفر إلى مكة بجواز سفر أردني مؤقت.
وقال مصدر أردني على اطلاع بشؤون بلاده الدبلوماسية للموقع إنَّ القرار السعودي يمثل جزءاً من اتفاق ثنائي مع إسرئيل لوضع حد لـ «الهُوية الفلسطينية وحق العودة للاجئين». وقال المصدر: «تضغط السعودية على الأردن من أجل تطبيع وضعية اللاجئين الفلسطينيين في الأردن، والفلسطينيين في القدس الشرقية، والآن الفلسطينيين في ‘Hسرائيل.
والأمر نفسه يحدث في لبنان ومصر وسوريا لاحقا. وبعد ذلك لا تكون لديك مشكلة لاجئين فلسطينيين». وتابع: «الأمر كله جزءٌ من اتفاقٍ ثنائي بين “اسرائيل” والسعودية بترتيب أمريكي. لكنَّ الأردن يرفض تطبيع وضعية الفلسطينيين». وقال نواب في البرلمان الأردني لميدل إيست آي، إنَّ الأردن يصدر وثائق سفر مؤقتة منذ عام 1978 للمواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، الذين خضعوا للإدارة العسكرية الإسرائيلية بعد حرب 1948 بين “اسرائيل” والعرب.
وقال النائب في البرلمان الأردني سعود أبو محفوظ إنَّ النواب طلبوا من وزير الداخلية ووزير الأوقاف الأردنيين إرسال لجنة إلى العاصمة السعودية الرياض للتفاوض على التراجع عن هذه السياسة، ودعا الملك سلمان للتدخُّل. فقال أبو محفوظ: «يؤثر القرار على كل عربي ومسلم لديه الحق في العبادة. ظللنا نسمع شكاوى حول هذه المسألة منذ العام الماضي، وتفاجأنا حين وجدنا 200 شركة سياحية تقريباً غير قادرة على إصدار تأشيرات عمرة إلكترونية للفلسطينيين من السفارة السعودية».
وقال نائب آخر في البرلمان، يحيى السعود، إنَّ النواب طلبوا عقد لقاءٍ مع السفير السعودي في عَمَّان، خالد بن فيصل، لكنَّ السفارة لم تُحدِّد موعداً للقاء بعد. وقال: «هناك ضغطٌ على الأردن. السعوديون يقولون إنَّ حَمَلة الجوازات الدائمة فقط يمكنهم الحصول على تأشيراتٍ للحج والعمرة».
وقبل العام 1978، تحمَّل المواطنون الفلسطينيون في “اسرائيل” ثلاثة عقود دون الذهاب إلى الحج والعمرة، وهو الوضع الذي انتهى حين بدأ العاهل الأردني الراحل الملك حسين سياسة، بالتنسيق مع الجامعة العربية، لإصدار بطاقات سفر لهؤلاء الفلسطينيين لأداء الحج، الذي يمثل أحد أركان الإسلام الخمسة. بعد عام 2000، بدأت دائرة الأحوال المدنية والجوازات بالعاصمة عمَّان في إصدار جوازات سفر مؤقتة لهم بدلاً من بطاقات السفر التي تكون صالحةً لعامٍ واحدٍ وتكلف 50 ديناراً أردنياً (70 دولاراً). لا تعترف السعودية وأغلب البلاد العربية بجواز السفر الإسرائيلي؛ لذا كان جواز السفر الأردني المؤقت وسيلةً لتسهيل الحج والعمرة إلى مكة على الحجاج والمعتمرين من المواطنين الفلسطينيين في “اسرائيل” الذين يحملون جواز سفر إسرائيلياً.
وقال سليم شلاعطة، رئيس لجنة التنسيق لشؤون الحج والعمرة لمسلمي 48، في حديثه لموقع Middle East Eye: «منذ عام 1978، كان يُسمح لنا بالذهاب لأداء الحج فقط، ولكن في التسعينيات سمحت السعودية لنا بالذهاب لأداء العمرة (أيضاً)».
وأوضح شلاعطة أنَّ السفارة السعودية في عمَّان رفضت طلباتهم لإصدار تأشيرةٍ لهم على جوازهم الأردني المؤقت، وذلك حسبما أخبرتهم وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الأردنية في الشهر الماضي. وأضاف: «كنا سنذهب لتفقد الفنادق وترتيبات السفر الأخرى من أجل موسم العمرة الجديد الذي يبدأ في 16 ديسمبر/كانون الأول، مثلما نفعل كل عامٍ، ولكن لم تصدر أي تأشيرات». وقال شلاعطة إنَّ المواطنين الفلسطينيين لدى “اسرائيل” يضطرون إلى ترك جوازات السفر الإسرائيلية الخاصة بهم عند النقطة الحدودية مع الأردن، ثم يواصلون رحلتهم إلى السعودية. ومع عودتهم، تجمع منهم السلطات الأردنية جوازات السفر الأردنية المؤقتة، التي تكون صالحةً لرحلةٍ واحدةٍ فقط، ثم تعطيهم جوازات السفر الإسرائيلية عند الحدود. وأوضح شلاعطة أنَّ 4500 حاج فلسطيني من “اسرائيل” يذهبون إلى الحج كل عام، وأنَّ بين 20 و25 ألف معتمر يذهبون لأداء العمرة سنوياً.
ونشر موقع Middle East Eye في شهر سبتمبر /أيلول الماضي أنَّ السعودية منعت الفلسطينيين الذين يحملون جوازات سفرٍ أردنية مؤقتة من دخول البلاد، وهو إجراء يؤثر تأثيراً مباشراً على حوالي 634 ألف فلسطيني يعيشون في الأردن و324 ألفاً يعيشون في القدس الشرقية التي تحتلها إسرائيل.
وقال عديدٌ من وكلاء السفر الذين تحدثوا إلى الموقع إنَّهم تلقوا معلومات في بداية سبتمبر/أيلول بأنَّهم لا يجب عليهم التقدم لطلب إصدار تأشيرات لأي شخصٍ من أجل السفر بجوازات سفرٍ أردنيةٍ مؤقتةٍ، على الرغم من عدم وجود إعلانٍ رسمي من جانب السعودية.
ويعتبر جواز السفر الأردني المؤقت وثيقةً صالحةً لخمس سنواتٍ تصدرها السلطات الأردنية للفلسطينيين الذين يعيشون في القدس الشرقية المحتلة عن طريق دائرة الأحوال المدنية والجوازات في العاصمة الأردنية عمَّان.
ولا يملك حاملو جوازات السفر المؤقتة رقم تعريف هويةٍ محلياً، ومن ثمَّ لا يكفل لهم التمتع بكامل حقوق المواطنة الأردنية. ويستخدم الفلسطينيون الذين يعيشون في القدس الشرقية جواز السفر كمجرد وثيقة سفرٍ تسمح لهم بالانتقال من دولة إلى أخرى، ولاسيما أغلبية الدول العربية التي لا تعترف ب”اسرائيل” أو وثائق السفر التي تصدرها إسرائيل.
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، نشر موقع Middle East Eye تقارير عن قرارٍ آخر اتخذته السفارةالسعودية في لبنان، يقضي بمنع إصدار تأشيراتٍ للحج والعمرة على وثائق سفر اللاجئين الفلسطينيين. وأكَّد بعدها مسؤولٌ في مكتب القنصلية السعودية في بيروت للموقع أنَّه بعد القرار الصادر عن الخارجية السعودية في الرياض، أخطرت السعودية شركات السياحة في لبنان بأنَّه لن يجري إصدار تأشيرات الحج والعمرة للفلسطينيين على وثائق سفر اللاجئين خاصتهم، وهو القرار الذي دخل حيز التنفيذ في 12 سبتمبر/أيلول. وصرَّح المسؤول بأنَّ «اللاجئين الفلسطينيين (في لبنان) بإمكانهم الآن الحصول على التأشيرات على جواز سفر تُصدره السلطة الفلسطينية».
من جانبه، صرَّح أشرف دبور، سفير السلطة الوطنية الفلسطينية في بيروت، لموقع Middle East Eye، بأنَّ السفارة علمت بقرار السعودية بخصوص التأشيرات عبر قنواتٍ غير رسمية إلى جانب الحديث المتداول من شخصيات فلسطينية محلية. لكنَّه نفى أنَّ السلطة الوطنية الفلسطينية ستُصدر وثائق سفر للاجئيين في لبنان ممن يرغبون في السفر إلى المملكة العربية السعودية.
وبحسب الإحصاء الأول والوحيد لهم في البلاد في ديسمبر/أيلول من العام الماضي 2017، يُقدَّر عدد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بحوالي 174422 شخصاً. ويحمل هؤلاء وثائق سفرٍ للاجئين صادرةً عن المديرية العامة للأمن العام في لبنان، وليس بإمكانهم حالياً استخدام أي شكل آخر من وثائق السفر من شأنها السماح لهم بالذهاب إلى السعودية.
وبإمكان اللاجئين التقدُّم بطلبٍ للحصول على وثيقة سفر لبنانية سارية لمدة سنة أو ثلاث أو خمس سنواتٍ، برسوم تماثل رسوم طلب جوازات السفر اللبنانية، التي تتكلَّف 40 دولاراً لكل عام. ولا يتمتع اللاجئون الفلسطينيون في لبنان بحقوق المواطنة السياسية للتصويت في انتخابات البرلمان أو البلديات المحلية. ويُحظَر عليهم كذلك ممارسة 20 مهنة تتضمن القانون والطب والهندسة، ولا يُسمَح لهم بالعمل في المؤسسات الحكومية؛ لأنَّهم مُصنَّفون باعتبارهم «أجانب» بموجب القانون اللبناني.
ورَبطت بعض وسائل الإعلام الفلسطينية والعربية بين تلك الخطوة السعودية ومُقترح الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي لم يُعلن بعد والمعروف بـ «صفقة القرن«، وسط شائعاتٍ تُفيد بأنَّ واشنطن سعت إلى الحصول على دعم السعودية لإجراءاتٍ من شأنها إلغاء حق عودة اللاجئين الفلسطينيين الذين هُجِّروا جرَّاء قيام دولة “اسرائيل” في عام 1948، والحروب العربية الإسرائيلية اللاحقة. من شأن هذه التدابير اعتبار اللاجئين الفلسطينيين في لبنان والأردن مُجنَّسين كُليةً ومَنحهم أرقام الهوية الوطنية.
وفي هذا الصدد، أفادت صحيفة هآرتس الإسرائيلية بأنَّ الحظر السعودي الجديد لتأشيرات الفلسطينيين في الداخل الإسرائيلي يهدف إلى «اختبار إمكانية السماح للمواطنين المسلمين في “اسرائيل” بالسفر مباشرةً إلى المملكة العربية السعودية، كجزءٍ من الانفراجة المتزايدة بين “اسرائيل” والسعودية».
وفي 11 سبتمبر/أيلول الماضي، غرَّد وزير النقل والمواصلات الإسرائيلي يسرائيل كاتس مُرحِّباً بـ «مبادرة» ترمب المتعلقة بقضية اللاجئين الفلسطينيين، قائلاً إنَّ «مشكلة» اللاجئين الفلسطينيين في الأردن وسوريا ولبنان والعراق «سيكون من الجيد أن تختفي من العالم».