فرنسا بين “فَكّيْ” إريك زيمور وصلاح عبد السلام* فارس خشان

النشرة الدولية –

يسطع في الفضاء السياسي الفرنسي نجمان. واحد عبر وسائل الإعلام، إسمه إريك زمور، والثاني عبر قفص الإتهام، إسمه صلاح عبد السلام.

في الظاهر زيمور، الذي بدأ العد العكسي لترشيح نفسه في الانتخابات الرئاسية الفرنسية، عدو لدود لعبد السلام الذي يعمل لتحويل أضخم محاكمة ينظّمها القضاء الفرنسي، إلى منصة يدافع فيها عن العمليات الإرهابية التي ارتكبها تنظيم “داعش” ضد الشعب الفرنسي، في الثالث عشر من تشرين الثاني (نوفمبر) 2015.

والمرشّح المحتمل لرئاسة الجمهورية يكره وجود المسلمين في فرنسا ويحمل برنامجاً يهدف إلى التخلّص منهم إن لم يرموا جانباً دينهم وأسماءهم وتقاليدهم، أمّا المتّهم بالإشتراك في هجمات “11 سبتمبر” الفرنسية فيكره “الكفّار” الفرنسيين ويعتبر قتلهم “حلالاً”.

ولم يجد زيمور المحسوب على “اليمين المتطرّف” في مناظرة تلفزيونية جمعته مع رئيس حزب ” فرنسا المتمرّدة” جان لوك ميلونشون، المحسوب على “اليسار المتطرّف”، سوى صلاح عبد السلام ليستنجد بأقواله ضد المسلمين، عندما استعار منه كلاماً قاله في المحاكمة التي يخضع لها:” نحن الإسلام الحقيقي”.

وإذا كان زيمور الذي ارتفعت نيات التصويت له في الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقبلة الى خمس عشرة بالمائة، بحيث بات على بعد نقطة واحدة من زعيمة “حزب التجمّع الوطني” مارين لوبن وعشر نقاط من رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون، يلعب على وتر تخويف الفرنسيين من المسلمين، محذّراً إياهم من إمكان “لبنَنَة فرنسا”(نسبة إلى لبنان) في العام 2050، أي الوقوع في حرب أهلية بسبب الخلافات الطائفية، وفق قراءته السطحية للوقائع اللبنانية التي يحذف منها العوامل الإقليمية والدولية الطاغية، فإنّ عبد السلام يلعب على وتر ترهيب المسلمين من الفرنسيين، واضعاً إيّاهم في خانة الأعداء الذين يريدون القضاء على المسلمين، بكل الوسائل المتاحة لهم، أينما حلّوا ووجدوا، ولهذا فهو، بصفته جندياً في تنظيم “داعش” هاجم “الكفّار” في فرنسا لمعاقبتهم على قتل “أهلنا” في سوريا والعراق.

واللافت أنّ زيمور وعبد السلام يجمعان على كره الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند (وتبعاً لذلك الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون). زيمور يتّهم هولاند وماكرون بالتهاون مع “الخطر الإسلامي” فيما عبد السلام يتّهمهما بارتكاب المجازر ضد المسلمين.

إذن، لا شيء عملياً يفصل بين زيمور وعبد السلام، فالإثنان، بالنتيجة، يسعيان، الأوّل بحجة الخوف على “الخصوصية الفرنسية” والثاني بحجة الدفاع عن “دماء المسلمين” إلى توريط فرنسا في حرب دينية، قد تكون أكثر خطورة وأكثر كلفة، في حال وقعت، من تلك الحرب الدموية التي سبق أن تواجه فيها الكاثوليك مع البروتستانت.

ولكن، وقبل أن يقود انتصار منطقي زيمور وعبد السلام الى “حرب دينية”، فإنّ الطرفين بدآ يوقعان ما يكفي من ضحايا.

إنّ المسلم الفرنسي الذي لا علاقة له بتوجّهات “الإسلام السياسي”، سواء كانت فكرية، لدى بعض التيارات، أو “إرهابية” لدى بعضها الآخر، يخشى أن يشهد تصعيداً يمينياً متطرّفاً ضده، بمجرّد أن يكون اسمه يؤشّر الى دينه، فزيمور يدق “نفير الكراهية” ضدّ الأسماء. وهذا الخطر يمكن أن يواجه حتى غير المسلمين الذين يحملون أسماء غير فرنسية.

وقد لا يجد زيمور في ذلك مشكلة، فهؤلاء يمكن إدراجهم في خانة “الضحايا العرضيين”.

ومفهوم “الضحايا العرضيون” هو الذي اعتمده صلاح عبد السلام، عندما توالى على منصة الشهادة في محكمة الجنايات الخاصة في باريس التي تجري المحاكمة في جرائم الثالث عشر من تشرين الثاني (نوفمبر) 2015 خمس ضحايا مسلمون، حيث روا مآسيهم ووجّهوا كلمات قاسية الى صلاح عبد السلام ورفاقه لأنّهم، بعملياتهم الإرهابية” شوّهوا صورة الإسلام والمسلمين.

وقال بلال موكونو الذي كان يقدّم إفادته من على كرسيه المتحرّك الذي أجلسته عليه واحدة من هذه العمليات الإرهابية، موجّهاً كلامه إلى لمتّهمين:” عندما أسمع أنّ ما ارتكب قد ارتكب باسم الله، لا أستطيع أن أسامح. أنا مؤمن وأوّل ما علّمونا إياه في ديننا، أنّ القتل حرام”.

وقالت أميناتا دياكيتي:” نحن مسلمون أيضاً، ولكن إسلامنا يمنعنا من القتل”.

وروت مايا الفرنسية التي نجت من الهجوم على أحد المطاعم في الثالث عشر من تشرين الثاني (نوفمبر) للمحكمة قصة حبّها مع أمين محمد بن المبارك الذي استشهد الى جانبها مع صديقتيهما التوأم اميلي وشارلوت مود.

وأمام سيل الشهادات عن الضحايا المسلمين سمح رئيس المحكمة لعبد السلام بالكلام، فاتحاً له الميكروفون الخاص به، فقال، موجّهاً كلامه الى أميناتا:” نحن لا نستهدف المسملين، وإذا كانت شقيقتك المسلمة قد قتلت، فهذا كان حادثاً. نحن لا نستهدف إلّا الكفّار”.

وردت عليه أميناتا:” ولكن في فرنسا، يوجد كثير من المسلمين. عندما تهاجم مكاناً، لا تستطيع أن تعرف إذا كان هناك مسلمون أم لا”.

في المحكمة الفرنسية، لا يريد صلاح عبد السلام أن يميّز نفسه عن سائر المسلمين الذين لا يشاطرونه مفهومه العنفي للدين، فيسارع الى اعتبارهم “ضحايا عرضيين”، وعلى المنابر، يتّبع إريك زمور “الإجتهاد” نفسه، فيشيّع أنّ المسلمين فئة واحدة. بالنسبة إليه لا فرق بين صلاح عبد السلام وضحاياه، وتالياً، فموقف الضحايا من القتل لا يؤخذ به، بل يفترض اعتماد كلام عبد السلام فقط والبناء عليه.

صلاح عبد السلام لن يخرج من السجن. هذا مؤكّد، كما أنّ قدرته على التعبير عن عقيدته ستكون محدودة جداً. وهذا جيّد.

ولكن، في المقابل، فإنّ إريك زيمور الذي يقفز في استطلاعات الرأي، سوف يبقى نجماً إعلامياً، حتى صدور نتائج الانتخابات. وهذا سيّئ، لأنّ الفوائد المتوخّاة من ضبط لسان عبد السلام، سوف تتلاشى بتوفير ما يلزم من منابر لإريك زيمور، ذلك أنّ تشييع الكراهية ضد عموم المسلمين، قد يدفع نسبة كبيرة منهم الى حيث يرغب بذلك صلاح عبد السلام ومن يقف خلفه.

ليس دقيقاً أنّ فرنسا تواجه خطر “الحرب الدينية” بعد أقل من ثلاثين سنة، ولكنّ هذا الخطر قد يصبح واقعياً، إذا ما تُركت الساحة مفتوحة على مصراعيها، لزيمور، من هنا ولعبد السلام، من هناك، لأنّهما، بالمحصّلة، وجهان لعملة واحدة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button