روسيا التوحيدية وتركيا التقسيمية… أردوغان يطرح على بوتين مشروعاً لتقاسم سوريا* طوني فرنسيس

النشرة الدولية –

لم تعد روسيا لاعباً ثانوياً في سوريا ولا في محيطها، وعندما تتحكم في لعبة التوازنات لا تعود طارئةً على بلاد الشام، بل تصبح عاملاً حاسماً. قبل لقائه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في سوتشي 29 سبتمبر (أيلول) الماضي، وبموازاة جلسات الحوار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أجرى هو ومعاونوه لقاءات شملت ممثلي أبرز دول الشرق الأوسط من الخليج الى مصر والسودان وليبيا، واستقبلت موسكو في الأثناء سياسيين من درجات مختلفة جاءوا من لبنان. كان إظهار الحضور ذاك نوعاً من القول إن موسكو موجودة وجاهزة للبحث في قضايا العالم، وفي مقدمتها مستقبل سوريا التي فيها يتحدد مستقبل الدور الروسي في شرق المتوسط.

في مطلع الشهر الماضي حل وزير الخارجية الإسرائيلية يائير لبيد ضيفاً على نظيره الروسي سيرغي لافروف. مباحثاتهما لم تعكرها الملفات الإيرانية ولا السورية ولا الفلسطينية. بعد أيام حل الرئيس السوري بشار الأسد ضيفاً على نظيره فلاديمير بوتين. كانت الخلاصة دعماً روسياً لتنفيذ القرار 2254 وعملية الانتقال السياسي. وتأكيداً لهذا النهج سارت مباحثات روسية أميركية في جنيف لم تتوقف عند حدود الملف السوري، بل تعدّتها إلى شؤون استراتيجية أبعد وأكثر أهمية للبلدين الكبيرين.

وحلت زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى سوتشي للقاء بوتين في توقيت الانشغالات الروسية بالحوار الاستراتيجي مع أميركا، وكانت سويسرا مقراً لذلك الحوار وحوارات أخرى تتعلق بسوريا تحديداً. كان لدى روسيا ما يشبه التفويض الإسرائيلي والانحناءة الإيرانية والإذن العربي ببدء مشروع جديد لتسوية الأوضاع في سوريا. الحديث عن وثيقة أردنية طرحها الملك الأردني عبدالله الثاني عن استيعاب وتغيير تدريجي في سلوك النظام السوري لم تكن خارج المعادلة. ومنذ يوليو (تموز) الماضي يجري العمل على شيء من هذا النوع. الملك عبدالله الثاني طرح فكرته على جو بايدن وفلاديمير بوتين، ويبدو أنه لقي تجاوباً ظهرت مفاعيله في تسليم الروس ترتيبات الأمن في درعا، ثم في فتح الحدود الأردنية مع سوريا وتسهيل عبور الغاز المصري عبر الأردن إلى سوريا ولبنان.

ترتيبات الجنوب السوري قد يطرح مثيلها في الشمال. فما ينسب من خريطة طريق اقترحها العاهل الأردني على أميركا وروسيا والقوى الدولية يلحظ “المصالح المشروعة” لروسيا في سوريا، ويؤكد انسحاب القوى الأجنبية الأخرى، بما فيها تحديداً التركية والإيرانية. وروسيا في سياساتها لا تحيد عن خطٍ كهذا على الرغم من استفادتها التكتيكية من شريكيها الإيراني والتركي.

عندما استقبل بوتين نظيره التركي أردوغان كان قد أعد لائحة بالمواقف المعادية التي جاهر بها الأخير. فأمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ76 في 21 من الشهر الماضي أعلن الرئيس التركي أنه يولي “أهمية كبيرة لحماية وحدة أراضي وسيادة أوكرانيا، بما فيها شبه جزيرة القرم، التي لا تعترف بضمها”. ولم يكن هذا موقفاً معزولاً لإثارة غضب روسيا. فسياسات أنقرة في القوقاز وليبيا وسوريا تتناقض في خط صريح مع روسيا، لكن ضبط النفس ميز سلوك الكرملين لسبب بسيط يتمثل في الوصول إلى تسوية في سوريا لا تكون فيها تركيا عائقاً ومعرقلاً.

وضع بوتين جميع تناقضاته مع تركيا ومختلف تصريحات أردوغان المعادية جانباً، وقال له في سوتشي، “نتعاون بشكل ناجح إلى حد كبير على الصعيد الدولي، وأقصد بذلك سوريا واتصالاتنا الرامية الى تنسيق المواقف في شأن ليبيا، كما يعمل بشكل نشط المركز (الروسي – التركي) الخاص بالرقابة على وقف النار عند الحدود بين أذربيجان وأرمينيا”.

في روسيا، يعد هذا الكلام حواراً بين خصوم يجرون ترتيبات يحاولون الالتزام بها. وحسب متخصصين روس، “لا أساس للقول إن العلاقات بين روسيا وتركيا جيدة اليوم”. ويتساءل هؤلاء، “هل لدينا علاقة جيدة معها في سوريا؟”، ويجيبون، “بحسب أردوغان نفسه هم ضموا عملياً 4 آلاف كيلومتر مربع من الأراضي السورية”.

خلافات على مختلف المحاور لا يكفي لتغطيتها تعاون روسي – تركي في مجال التسلح والاقتصاد والتبادل السياحي. وسوريا في قلب هذه الخلافات، بل ومحورها. وإذا كان صحيحاً أن أردوغان طرح على بوتين مذكرة تفاهم “تنطوي على تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ بين روسيا وإيران وتركيا”، فعلينا أن نتوقع مزيداً من الصراعات بين حلفاء أستانا، قبل بلورة تسوية نهائية سيضع خطوطها الحوار النشيط بين روسيا والولايات المتحدة الذي افتتحته القمة بين البلدين في يونيو (حزيران) الماضي.

خلاصات هذا الحوار لا تزال تؤكد وحدة سوريا كدولة ديمقراطية تتعايش فيها جميع المكونات القومية، وعلى تنفيذ القرارات الدولية وإنعاش العملية الدستورية. إنها العملية الصعبة التي امتنعت تركيا عن الانخراط فيها في وقت تبنت فيه تنظيمات إرهابية، واهتمت بإرسال السوريين للقتال كمرتزقة في ليبيا وأذربيجان. أما الإشارة إلى تغيير في سياستها بعد لقاء سوتشي، فستكون سحب قوات لها من إدلب، وهذا ما يراهن عليه الروس.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى