كيف يتحضّر “حزب الله” للإنتخابات النيابية المقبلة؟* فارس خشان
النشرة الدولية –
ثمّة قوى في لبنان لا تؤمن بقدرة الانتخابات النيابية المتوقعة انطلاقتها في السابع والعشرين من آذار(مارس) المقبل، على إخراج لبنان من المأساة التي يتخبّط بها، وهي تذهب إلى أبعد من ذلك، بإشارتها الى أنّ الطبقة السياسية اللبنانية عموماً و”حزب الله” خصوصاً، سوف تتوسّل هذه الانتخابات المطلوبة دولياً، لتكرّس هيمنتها المطلقة على البلاد.
وعلى الرغم من أنّ كثيرين لا يشاطرون هذه القوى “جذريتها”، على اعتبار أنّ الانتخابات النيابية “ضرورة ملحّة”، بغض النظر عن نتائجها المرتقبة، إلّا أنّ ما تثيره هذه القوى في “أسبابها الموجبة” لا يمكن إهماله، على الإطلاق، ذلك أنّه في الديموقراطيات الحقة لا يمكن اعتبار عمليات الإقتراع هدفاً قائماً بذاته، بل تكمن أهميتها في الخطوات الممهّدة لها.
وإذا جرى التعمّق في الخطوات التمهيدية التي بدأ اتخاذها، فيبدو واضحاً أنّ الانتخابات النيابية المقبلة لا تبشّر بالتجديد الذي يحتاج لبنان إليه.
ويلعب “حزب الله” دوراً ريادياً للحيلولة دون إحداث تغييرات جذرية، بمناسبة استحقاق الانتخابات النيابية التي يتعاطى معها كما لو كانت مؤامرة ضده، وتالياً فعليه أن يخوض حرباً في مواجهتها ويخرج منتصراً.
ما هي العدّة التي يجهّزها “حزب الله”؟
لقد بدأ الحزب معركته ضد اقتراع المغتربين في الانتخابات النيابية المقبلة، على الرغم من أنّ هؤلاء أصبحوا، بفعل الموجة الأخيرة من الهجرة، أكبر عدداً ممّا كانوا عليه في الانتخابات النيابية الأخيرة التي شاركوا فيها، وأكثر تسييساً، بفعل تفاعلهم الإيجابي مع “ثورة 17 أكتوبر” 2019، من جهة والإنهيار المالي-الاقتصادي-الاجتماعي من جهة أخرى.
وكان منطق الأمور، في ضوء عدم تفعيل النص القانوني الذي يخصص ستة مقاعد نيابية للإنتشار اللبناني في العالم، أن تبقى الأمور على ما كانت عليه في الدورة الانتخابية السابقة.
إنّ الأسباب الموجبة التي أتاحت للمغتربين المشاركة في الانتخابات الأخيرة، أصبحت اليوم أكثر صحة من ذي قبل، لأنّ هؤلاء باتوا، حالياً، المورد شبه الوحيد للعملات الصعبة المتدفّقة إلى لبنان، ناهيك عن أنّ أيّ حكومة يتم تشكيلها، ومن بينها الحكومة الميقاتية الجديدة، إنّما تلجأ الى هؤلاء -بغض النظر عن ولاءاتهم السياسية وكفاءاتهم العلمية-لتُزيّن نفسها أمام المجتمعين اللبناني والدولي.
لكنّ “حزب الله” يرفض رفضاً قاطعاً أن يشارك المغتربون في الانتخابات النيابية. هو يتذرّع بأنّ هؤلاء لا يملكون حرية الإقتراع للشخصيات المؤيّدة له، ولكنّ هذا غير صحيح على الإطلاق، فكثير ممّن يعتمدهم في التسويق له يعيشون في “هذا” الخارج. لبّ المشكلة عند “حزب الله” أنّ غالبية المغتربين، وفي ضوء التطورات الأخيرة في لبنان، قد اقتنعت أنّ هذا الحزب يشكّل مشكلة للبنان وشعبه. وفي ذلك هم يتقاسمون هذا التوجّه مع غالبية لبنانية، لكنّ الفارق، في ذهن ”حزب الله” بين المقيم والمغترب، أنّ المقيم غير متحرّر من الضغط والتهديد والترغيب، في حين أنّ المغترب هو كذلك.
وفي السنتين الأخيرتين، حصلت تطورات في نظرة اللبنانيين المقيمين في الخارج، إذ أصبحوا أكثر ميلاً للتخلّص من الطبقة السياسية الحالية.
وهذا يعني أنّه لو أتيح للمغتربين المشاركة في الانتخابات النيابية، فإنّ توجهاتهم ستتلاقى مع توجهات تغييرية في لبنان، ممّا قد يؤدي الى إحداث تجديد في المشهد النيابي اللبناني، وفق مشهديّة الانتخابات في بعض النقابات، الأمر الذي كان قد ردّ عليه “حزب الله” بشن هجوم ”تخويني” على المجتمع المدني عموماً والمنظمات غير الحكومية، خصوصاً.
وهذا ما لن يقبل به “حزب الله”، على الإطلاق، ولذلك هو يضع ”شركاءه” في اللعبة السياسية اللبنانية أمام خيارين، لا ثالث لهما: إمّا إهمال اقتراع المغتربين وإمّا منع إجراء الانتخابات النيابية.
وشركاء “حزب الله” هؤلاء يرون أنّ من مصلحتهم أن يسيروا مع الحزب لا ضده، لأنّ نسبة تأييدهم في الإغتراب قد تراجعت إلى مستويات مقلقة.
وفي الإنتقال الى الداخل اللبناني، فإنّ “حزب الله” يجد نفسه مرتاحاً الى وضعيته، فكلمته في البلاد “مطاعة”، وإن حدث أن تمرّد أحد عليها تمّ تهديده بعد اتّهامه بأنّه ينفّذ “اجندة” أميركية، تماماً كما هو حاصل مع المحقق العدلي في ملف مرفأ بيروت طارق بيطار، ومع بعض المرجعيات العسكرية والأمنية والسياسية والإقتصادية في البلاد.
وتكفي في هذا السياق مراجعة الأدبيات التصعيدية التي يتوسّلها ليس الأمين العام للحزب حسن نصرالله فحسب، بل المسؤولون الآخرون فيه من أمثال هاشم صفي الدين، محمّد رعد وحسن فضل الله، أيضاً.
إنّ هؤلاء يقحمون الولايات المتحدة الأميركية في كل ما يزعجهم، ويرفعون الصوت عالياً ضد ما يسمونه صمتاً على انتهاك السيادة اللبنانية، إذا ما صدر موقف يندّد بسلوك الحزب التهديدي في لبنان، ولكنّهم سرعان ما يرسمون ابتسامتهمالصفراء، عندما يسمعون مسؤولاً إيرانياً يصف حزبهم بأنّه من جيوش إيران في المنطقة.
وقد حوّل “حزب الله” جزءاً من كميات المازوت التي استوردها من إيران الى نوع من أنواع “الرشوة الانتخابية” إذ راح يجول بكميات من هذه المادة التي لم يدفع الضرائب المتوجّبة عليها ولم يدخلها عبر المعابر الشرعية، على عدد من البلديات والمرافق، حيث يقيم احتفالات ”التبجيل” له.
أمّا الأرباح التي سوف يجنيها من هذه العملية التجارية غير الشرعية، فسوف تكون في خدمة نشاطاته الانتخابية.
ولا يمكن في هذا السياق، وفي إطار النظر الى البيئة التي يسيطر عليها “حزب الله” مباشرة، إهمال تأثير سلاحه على حرية الإقتراع، من جهة وعلى حرية معارضته، من جهة أخرى.
وهذا بالتحديد، ما يدفع كثيرين الى الإستخفاف بنتائج الانتخابات النيابية المقبلة، فهي إذا أحدثت تغييرات بسيطة في بعض البيئات السياسية إلّا أنّه يستحيل أن تحدث أيّ تغيير في بيئة “حزب الله” تحديداً.
وعليه، إذا كان لا بد من خوض غمار الانتخابات النيابية والتشديد على وجوب حصولها في مواعيدها الدستورية، فإنّه يستحيل إهمال كل الخطوات التمهيدية.
إنّ تبنّي المجتمع الدولي مطلب إجراء الانتخابات النيابية، يفترض إرفاقه، وهذه مسؤولية لبنانية، بالعمل على تصحيح المسارات التمهيدية، بحيث يتم التعامل مع حق المغتربين في الإقتراع كأولوية، ووجوب إلزام “حزب الله” بأن يكون تحت القانون، كضرورة.
إنّ إهمال المسارات التمهيدية قد يسمح لفريق ما بتحسين حضوره النيابي، ولكنّه لا يمكن أن يتيح للبلاد بأن تعكس ما يعتمل في عقول وقلوب أبنائها من غضب على الواقع، ومن رغبة بتجديد النخبة السياسية.
ومن يهمل المسارات التمهيدية هذه فلن يحصد في صناديق الإقتراع إلّا الخيبة. وحينها، لوم الشعب اللبناني على خياراته، لن يجدي نفعاً.