لهذه الأسباب.. ألا تعتبر تركيا شريكة في قتل جمال خاشقجي؟
لم يتبرّع أحد بطرح "الأسئلة الغائبة" عن السبب الذي جعل الرئاسة التركية تمتنع عن تحذير أو منع خاشقجي من زيارة القنصلية السعودية وهي تعرف سلفًا ما ينتظره هناك، ولديها تسجيلات بذلك
النشرة الدولية –
مِنْ بين العشرات الذين أقاموا، يوم أمس الجمعة، في مسجد الفاتح بإسطنبول صلاة الغائب على روح الفقيد الصحفي السعودي جمال خاشقجي، وجلّهم من الإخوان المسلمين ومحازبيهم من نشطاء الحديث في حقوق الإنسان، مثل أيمن نور والمنصف المرزوقي، لم يتبرّع أحد بطرح “الأسئلة الغائبة” عن السبب الذي جعل الرئاسة التركية تمتنع عن تحذير أو منع خاشقجي من زيارة القنصلية السعودية، وهي تعرف سلفًا ما ينتظره هناك، ولديها تسجيلات بذلك، بحسب ما نشر موقع “إرم نيوز”.
ألا يجعلها ذلك شريكة في الجريمة؟ ألا يستوجب ذلك محاكمة من نفذ أو أمر بتجاهل تحذير الصحفي الراحل؟.
هل غاب عن القيادة التركية في توظيفها لقضية خاشقجي هذا التساؤل، مع أنه في صلب الشريعة الإسلامية التي يحترف علماء الأتراك والإخوان المسلمون عملية الانتقاء منها.
فقه الأولويات و الموازنات
ففي فقه الأولويات بالشريعة الإسلامية، وهو ما يسمى أحيانًا بـ”فقه الموازنات”، هناك قاعدة تحظى بإجماع الفقهاء مفادها إلزام المؤمن بمنع الضرر وإعطاؤه الأولوية على كسب المنافع من أي حادثة.
فمنع الضرر (وهو القتل الذي أقرت المخابرات التركية أنها كانت تعرف به وتتابعه)، يستوجب مبادرته قبل حدوثه، كما يقول فقهاء الشريعة الإسلامية.
أما لماذا تجاهل علماء الإسلام السياسي، في إسطنبول والدوحة مثلًا، هذه القاعدة الشرعية التي كانت توجب على الرئاسة التركية أن تبلغ صديقهم المرحوم خاشقجي بأن يمتنع عن الذهاب للقنصلية السعودية، واستبدلت ذلك بمواصلة التنصت على القنصلية قبل الحادث بثلاثة أيام، وبقيت تتنصت على خاشقجي وهو يلاقي الذي لاقاه دون أن تتدخل؟ ذلك هو الأمر الذي لم يتبرع أحد بجهد الحصول على ثوابه، تاركًا لعديد الصحف العالمية أن تعرضه في سياق تسجيل أولويات وموازنات القيادة التركية، التي أصبح واضحًا أنها جهّزت نفسها باستراتيجية سياسية وإعلامية أدارت بها تداعيات الفاجعة التي كان بإمكانها أن تمنعها.
دخان المسدس
محرر صحيفة الاندبندنت البريطانية، باتريك كوكبرن، وصف الأولويات التركية في حادث خاشقجي باعتبارها “فرصة أسطورية” لإعادة ترتيب علاقات تركيا مع السعودية والإدارة الأمريكية.
حيثيات المعرفة التركية سلفًا
وفي تفاصيل ما كانت تعرفه المخابرات التركية وتتابعه، وتركت خاشقجي يتحمله بدون أن تبلغه، فقد تكشفت خلال الساعات القليلة الماضية تفاصيل فنية ومعلومات نشرت الحيثيات التالية:
- المعلومة الأولى وهي أن المخابرات التركية كانت تترصد وتسّجل للقنصلية السعودية، وزاد تركيزها على ذلك منذ 28 سبتمبر الماضي عندما زار خاشقجي القنصلية يطلب موعدًا للحصول على أوراق حالته الزوجية.
- ولأنها كانت تستشعر أن خاشقجي مطلوب، على الأقل لاستعادته من الخارج، فقد قامت المخابرات التركية خلال الأيام الأربعة التالية باستنفار أجهزتها لرصد هواتف السعوديين في القنصلية وزوارها القادمين من المملكة.
- الحكومة التركية كانت طوال وجود خاشقجي في القنصلية تتابع ما يحصل داخل القنصلية، لكنها لم تسعَ أبدًا إلى منع الضرر الديني والإنساني والأخلاقي الأكبر وهو مقتله.
- تركيا سربت أيضًا أن لديها تسجيلًا آخر، لم يُنشر حتى الآن، يتضمن توثيق ما كان يجري الترتيب لعمله داخل القنصلية، وتسجيلًا آخر يقول إنهم في القيادة والمخابرات التركية تأكدوا من طبيعة ما سيحصل لخاشقجي قبل 15 دقيقة من وصوله للقنصلية. وبغض النظر عن دقة ذلك، إلا أن مجرد الحديث التركي عنه يعني أنهم كانوا يعرفون سلفًا أن خاشقجي سيُقتل، ولم يتدخلوا بنصحه أو نصح ابنتهم خديجة جنكيز، خطيبة جمال، لكي تمنعه من الذهاب برجليه إلى مصيره الذي يبدو أن الأتراك كانوا يعرفونه ويسجلونه.
معلومات ومعارف ياسين أقطاي
في عرضها لما حصل وقيل في صلاة الغائب التي أقيمت، يوم أمس، في جامع الفاتح بإسطنبول، عرضت صحيفة نيويورك تايمز، اليوم السبت، كيف أن مستشار أردوغان، ياسين أقطاي، (وهو بالمناسبة صديق لخاشقجي ويقال إنه من أقارب خطيبته) أفاض في صلاة الغائب بالحديث عن أن تأديتها واجب على المسلمين. لكنه وهو الذي درس الفقه الإسلامي، لم يشر من قريب أو بعيد إلى أن الإسلام يتضمن أيضًا في فقه الأولويات شيئًا يسمى “صيد الفوائد”، يُلزم المسلم بأن يجري موازنة بين المصالح المتعارضة فيقدم أي المصلحتين أرجح، وهي منع القتل، ويعطيها الأولوية التي لا تقبل الجدل على المصلحة التركية الثانية، وهي توظيف الحادث في لعبة سياسية بات يعرفها الجميع.
ويبقى السؤال الأهم معلّقًا: “هل من ثمن يتوجب على تركيا دفعه مقابل دورها في مقتل خاشقجي؟”.