إسرائيل تعيق المشروع الاصلاحي في العراق. لمَ لا تصدق؟
بقلم: فاروق يوسف

النشرة الدولية –

ليس علينا أن نأخذ كل كلام على محمل الجد. غالبا ما تأخذ المزحة البريئة هيأة جادة لا تضر. ولكن ما يقوله السياسيون لا يقبل شيئا من المزاح فالسياسي حين يقول كلاما غير مسؤول هو أشبه بالنكتة السمجة فهو (أي السياسي) اما أن يكون كاذبا أو أن يكون جاهلا، ضعيف القدرة العقلية وغير مؤهل للعمل السياسي.

ذلك المجال يبدو أكثر سطحية وأشد مدعاة للسخرية إذا ما لجأ السياسي العربي إلى استعمال إسرائيل في تفسير العطب الذي اصاب الحياة العربية وجعلها غير قابلة للتغيير أو على الأقل للإصلاح. تلك كذبة صارت مملة ولا تدعو إلى الضحك بقدر ما يشعر مَن يستمع إليها بأن هناك من يضحك عليه ويعتبره إنسانا فقير المعرفة والتجربة والخيال.

مناسبة هذه المقدمة ما صرح به رجل الدين المرهوب الجانب شعبيا وحكوميا في العراق مقتدى الصدر من أن إسرائيل هي الجهة التي تقف وراء إعاقة مشروع الإصلاح في بلده. طبعا هناك في العراق مَن يصدق ذلك الكلام على عواهنه. مثلما يصدق بعض السوريين أن إسرائيل هي التي تمنع نظام بشار الأسد من التحول إلى الديمقراطية ومثلما يصدق بعض الفلسطينيين أن إسرائيل هي التي تقف وراء فساد السلطة الفلسطينية وهي التي تشجع حماس على شن حروبها بين حين وآخر.

الأمثلة على ذلك لا تُحصى. وهي أمثلة تكشف للأسف عن المدى السيء الذي وصلت إليه العلاقة بين السياسي ووظيفته وهو ما يلقي الضوء على نوع مفضوح من فقدان المصداقية وهو أمر لم يعد السياسي العربي ليلتفت إليه بعد أن صارت حصانته أكبر من أية مساءلة قانونية. فـ”الصدر” على سبيل المثال هو رجل فوق الشبهات بالرغم من أنه يدير واحدة من أكبر مكائن الفساد في العراق كما أنه زعيم ديني ورث العصمة من أبيه بالرغم من أنه لا يمكن أن ينطق بجملة عربية واحدة من غير أن يوجه الاهانة إلى مستمعيه أو يستخف بهم. كما أن كل أحاديثه تكشف عن محدودية تفكيره وتواضع مؤهله العقلي ناهيك عن ضآلة معارفه السياسية.

كل ذلك لا ينطوي على نوع من المبالغة. غير أنك ما أن توجه نقدا للرجل الذي يعتبر مسؤولا بشكل مباشر عن انهيار قطاعي الكهرباء والصحة حتى تُجابَه بواحد من ردين. الأول يتهمك بمعاداة المذهب وهي تهمة جاهزة يختبئ وراءها الكثير من اللصوص والقتلة والأفاقين والمحتالين والثاني يدعوك إلى أن تكون منصفا فتذكر جميع النصابين في العراق ولا تكتفي بالصدر وحده.

ومثلما قلت “هناك مَن يرتاح إذا ما أخبرته أن إسرائيل هي السبب” وهنا علينا أن نتذكر خرافة السفيرة الأميركية في بغداد التي شجعت صدام حسين على غزو الكويت. لقد صدق الكثيرون تلك الخرافة بالرغم من أن نائب رئيس الوزراء المقرب من الرئيس العراقي الراحل طارق عزيز قد أنكر علمه بتلك الواقعة. ذلك الانكار لا يعني شيئا بالنسبة لمَن يرتاح إلى تبرئة صدام حسين من التسبب في الكارثة التي دمرت العراق، دولة وشعبا. وهو ما يعني أن الشعب الذي يرضى لنفسه أن يكون مضحوكا عليه هو الذي يساهم في انتشار حالة العمى السياسي التي تقف وراء الجمل الجاهزة التي يغطي من خلالها السياسيون العرب على فسادهم وجهلهم وتفاهة سلوكهم وفقر تجربتهم السياسية ولكنهم وهذا هو الأهم لا يكترثون إن اُفتضحت أكاذيبهم وبان سقم حيلتهم فما من أحد قادر على مساءلتهم.

“إسرائيل هي السبب” ذلك كلام منطقي. لا أحد يسأل “كيف؟” ما من جهة تقوى على استدعاء السيد، لا من أجل محاكمته بسبب ما ينطوي عليه كلامه من تضليل واخفاء للحقيقة بل من أجل الاستفادة من موهبته في اكتشاف الخيوط الخفية التي تجعل إسرائيل قادرة على تعطيل كل محاولات الاصلاح في العراق.

وإذا ما تجاوزنا سؤال الكيفية يبقى سؤال الماهية قائما “ما هي المحاولات التي بذلها السيد وتياره من أجل الاصلاح وقامت إسرائيل بإفشالها؟” ثم ما هو الاصلاح من وجهة نظر السيد وأتباعه؟ وما هو الشيء الذي يجب اصلاحه لكي ينعم العراقيون بحياة رخية ومرفهة أو على الأقل سوية؟ كل هذه الأسئلة وسواها لا يجيب عليها لسيد مثلما لا يجيب السيد حسن نصرالله على سؤال من نوع “مَن تقاوم ولماذا يتحكم السلاح باسم المقاومة مصير لبنان وحياة شعبه؟” سيقول “إسرائيل”.

لا بأس سنهز رؤوسنا موافقين باعتبارنا البلهاء المضحوك عليهم فيما البنادق موجهة إلى رؤوسهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى