الصبيح والكتب الصحاح
بقلم: أحمد الصراف
النشرة الدولية –
أثار مقال كتبته عام 1995 عن صحيح البخاري، ضمنته أرقاما تحليلية من واقع ما دونه البخاري نفسه في مقدمة صحيحه، من أنه بحث ودرس ونقح وتنقل من قرية لأخرى ومن مدينة لحاضرة، خلال ستة عشر عاما، تمكن بعدها من الخروج بستة آلاف حديث صحيح تقريبا، من أصل 600 ألف حديث سبق أن جمعها!
ذكرت في المقال أن العملية الحسابية البسيطة التي قمت بها بينت أن كل حديث صحيح توصل له البخاري أخذ منه 5 دقائق تقريبا للتيقن من دقته وسلامته!
لم أدرك يومها أنني دخلت بمقالي ذلك عش الدبابير، حيث انهمرت الاحتجاجات الشفهية والكتابية علي وعلى الجريدة، هذا غير عشرات المقالات التي كتبت للرد على المقال، ولم يقف معي حينها غير «هشام السلطان»، و«نبيل الفضل» الذي لم أكن أعرفه حينها إلا من خلال مقالاته!
بعد أكثر من ربع قرن، مرت مياه كثيرة تحت الجسر، ومات من مات من شباب أبرياء كانوا وقودا لحركات دينية متشددة استقوت بما في تلك الكتب من أحاديث، وتغيرت المواقف وتبدلت الآراء، وزالت غيوم الجهل السوداء عن عيون كثيرة متعبة، وتبين لسلطات دول عدة، منها دول خليجية، أن من الضروري مراجعة أحاديث الصحاح والتخلي عن جزء كبير منها، خاصة تلك التي لا يعتمد كثيرا على نصوصها، هذا غير تعارضها إما مع المنطق أو مع أحاديث غيرها في نفس الكتاب، أو ما يخالفها في غيرها من الصحاح… ولا تزال عملية التنقيح والمراجعة والغربلة، النصية والفكرية، مستمرة.
وقع نظري قبل أسبوعين تقريبا على إعلان صادر عن «بيت القرآن»، في كيفان عن قيام اللجنة النسائية فيه بتقديم دورة بعنوان «أفي السنة شك» للأستاذة «سعاد صبيح الصبيح» عبر برنامج الزووم.
ورد في الإعلان أن محاور الدورة ستكون كالتالي:
1 – كيف نلتزم بأحاديث كتبت بعد النبي بـ١٩٤ عاما؟
2 – هل يعقل أن يحفظ رجل مثل أبي هريرة أكثر من ٥٠٠٠ حديث ولا يخطئ؟
3 – في زمن النبي، صلى الله عليه وسلم، كان هناك منافقون وبعده كثُر الكاذبون، فكيف نلتزم بأحلام روجها هؤلاء؟
4 – في صحيح البخاري أحاديث متعارضة، وهذا يعني أحدهما ضعيف، فكيف نعتمد هذا الكتاب ونعظمه؟
5 – نهى النبي عن كتابة الحديث فكيف كتب العلماء الأحاديث؟ ومتى؟
هذه الندوة وغيرها هي من علامات الصحوة الصحيحة، وليس تلك الفاسدة التي خربت عقول ونفوس عشرات الملايين، وهدمت آلاف البيوت وأطاحت بعدة نظم. ونتمنى أن يكون من شارك في تلك الندوة وغيرها قد توصل لصحة ما كنا ننادي به على مدى أكثر من ربع قرن، وأن ما تعرضنا له من ظلم وتهديد بالتصفية، غير خسائرنا المادية، لم يكن مبررا أصلا، ولكن ما العمل وهؤلاء أهل وطني وبينهم أقرباء وأحبة، وهم يدركون أن ظلمهم أشد مرارة من ظلم غيرهم؟