هل تنجح “حكومة الرئيس” في إخراج تونس من أزمتها؟
النشرة الدولية –
الحرة – نهى محمود –
غداة تظاهرة ضمت آلاف الأشخاص ضده في العاصمة تونس، وافق الرئيس قيس سعيد على تشكيلة الحكومة التي اختارتها رئيسة الوزراء نجلاء بودن، على أن تبدأ العمل فورا دون الحصول على موافقة البرلمان، بحسب القواعد التي أعلنها سعيد مؤخرا، فيما تثار التساؤلات بشأن ما إذا كانت هذه الخطوة ستسهم في دعم إجراءات سعيد أم تعميق الأزمة التي تعاني منا البلاد.
وستكون الحكومة الجديدة، المؤلفة من 24 وزيرا، بينهم تسع سيدات، مسؤولة أمام الرئيس قيس سعيد بدلا من رئيسة الوزراء، بموجب الإجراءات التي اتخذها الأول ويصفها منتقدوه بأنها انقلاب، بحسب وكالة رويترز.
وخلال مراسم أذيعت على الهواء مباشرة لأداء الحكومة اليمين، قال سعيد إنها حكومة إخراج تونس من أزمتها، دون تحديد ما إذا كان يقصد الأزمة السياسية أم الاقتصادية.
يقول عضو مجلس شورى حركة النهضة، جلال الورغي، لموقع “الحرة”: “كنا نتمنى أن تكون حكومة الخروج من الأزمة، لكنها لا تستجيب مطلقا للشروط الدستورية أو السياسية ولا حتى الكفاءة. هي تعبير عن الأزمة وليست عنوانا لتجاوز الأزمة”.
وكان سعيد سيطر على السلطة التنفيذية، وعلق عمل البرلمان المنتخب، ولم يرسم برنامجا واضحا للعودة للنظام الدستوري الطبيعي. كما منح نفسه سلطة تعيين لجنة لتعديل دستور 2014 وطرحه في استفتاء عام.
يقول الكاتب والمحلل السياسي، باسل ترجمان، لموقع “الحرة” إن المهمة الأساسية لحكومة بودن ستكون “إخراج تونس من أزمتها الاقتصادية أساسا”.
لكن قبل تفكيك الأزمة الاقتصادية، يقول ترجمان إنه لابد من الحرب على الفساد الذي عطل الاقتصاد، ودمر مؤسسات الدولة، وتسبب في هروب المستثمرين، وتعطل نسق الاستثمار والإنتاج الاقتصادي في تونس.
وأضاف “أصبح الفساد جزءا من منظومة ثبتتها الأطراف السياسية في تونس طيلة السبع سنوات الماضية، ويحتاج تفكيكه إلى قوانين ومحاسبة وكثير من الجهد”.
وبعد ركود اقتصادي استمر لسنوات، يخشى مانحون أجانب وأطراف نافذة من الداخل مثل اتحاد الشغل التونسي أن تونس، المثقلة بالديون، ستواجه مشكلات ضخمة في تمويل ميزانيتي 2021 و2022، إضافة إلى دفع مستحقات الديون دون أن تعقد اتفاق قرض مع صندوق النقد الدولي، بما قد يسمح بمساعدات ثنائية إضافية.
ولدى تونس ديون كثيرة تُستحق خلال الأشهر المقبلة.
وحذر محافظ البنك المركزي مروان العباسي، الأسبوع الماضي، من أن أي طلب له بالتدخل لسد عجز الميزانية سيرفع التضخم بشكل كبير وسيؤثر على احتياطي البلاد من النقد الأجنبي، وسيضعف قيمة الدينار التونسي.
يقول ترجمان: “تونس استدانت ما يقارب من 20 مليار دولار أو أكثر في السبع سنوات الماضية. كل هذه الأموال لم يعلم أحد أين صرفت وعلى ماذا في ظل عدم إنجاز أي مشروع، وعدم إيجاد أي فرصة عمل للشباب”.
وأضاف “هذه الأموال التي نهبت لابد من معرفة سارقها وكيفية تقاسمها في ظل نظام سياسي كان أساس عمله هو الفساد والإفساد داخل مؤسسات الدولة”.
وفي المقابل يقول بلقاسم حسن، عضو المكتب السياسي لحزب النهضة الإسلامي أكبر أحزاب البرلمان والذي أصبح المعارض الرئيسي لسعيد، لموقع “الحرة” إن “الأزمة الاقتصادية التي تعيشها تونس حادة وتتطلب تضافر كل الجهود وتحقيق الاستقرار والشروع في عمليات الإنقاذ، ولذلك لا بد من معالجة الأزمة السياسية والحرص على أوسع مشاركة أوسع”.
وفي هذا السياق قالت بودن، التي عينها سعيد الشهر الماضي رئيسة للوزراء: “من أهم أولوياتنا مكافحة الفساد… وإعادة الأمل للتونسيين”. لكنها لم تشر إلى أي برنامج للإصلاحات الاقتصادية.
كيف ستتحقق الأولويات؟
وقد تسبب تأخير سعيد في رسم برنامج واضح للعودة للنظام الدستوري الطبيعي في تفاقم احتياج تونس العاجل بالفعل للدعم المالي لأنه أوقف المحادثات مع صندوق النقد الدولي بشأن حزمة إنقاذ، الأمر الذي قد يعرقل عمل الحكومة الجديدة.
وعبر مانحون غربيون عن استياء متنام من خطوات الرئيس. وقالت وزارة الخارجية الأميركية، الأسبوع الماضي، إنها تحث سعيد على “الاستجابة لدعوة الشعب التونسي لوجود خارطة طريق واضحة للعودة لعملية ديمقراطية شفافة”.
وأبقت رئيسة الوزراء على عدد من الوزراء المؤقتين الذين عينهم سعيد بالفعل، وبينهم سهام البوغديري وزيرة للمالية وعثمان الجرندي وزيرا للخارجية، كما عينت المصرفي سمير سعيد وزيرا للاقتصاد والتخطيط.
وأعادت بودن تعيين توفيق شرف الدين وزيرا للداخلية. وكانت استقالته، وهو أخد أقوى حلفاء سعيد، سببا في خلاف بين الرئيس ورئيس الوزراء حينها هشام المشيشي.
ويقول حسن: “من الصعب جدا أن تقدر هذه الحكومة على معالجة الوضع الاقتصادي والمالي والاجتماعي، في ظل غياب القرار الوطني بدستوريتها”.
وأضاف “كان من المفترض أن تطرح هذه الحكومة الثقة على البرلمان، وتقدم له برنامجها، لكن تم القفز على ذلك، الأمر الذي لا يساعد على توفير المناخ الملائم للإصلاحات المطلوبة والخطوات الضرورية”.
أما ترجمان فيعتقد أنه من المبكر الحديث عن كيفية تحقيق الحكومة لأهدافها، قائلا: “تحتاج إلى وقت من أجل بدء العمل وتحديد الأولويات والتحرك”، مشيرا إلى “حالة من الرضا الشعبي الكبير على هذه الحكومة التي تضم وزراء بمستويات علمية رفيعة”.
وأضاف “الشيء الذي أثار إعجاب الشارع (في اختيار الوزراء) هي عدم انخراطهم في منظومة الأحزاب الفاسدة التي حكمت تونس؛ هؤلاء يعتبروا مثالا للنزاهة التي ستساهم في تحقيق المطلوب على المستويين الاقتصادي والاجتماعي”.
وفي المقابل يقول الورغي: “هي حكومة الهروب من الاستحقاقات والتحديات. تضم فريقا من الشخصيات غير المدركة ولا الملمة بحجم التعقيدات والتحديات التي تواجه البلاد”.
ووفقا لتقارير فقد بدا أن إجراءات سعيد في 25 يوليو تلقى قبولا شعبيا بعد شلل سياسي على مدى سنوات، ورغم ذلك بدأت المعارضة له تتزايد على مدى 11 أسبوعا، هي مدة استغراقه لإعلان حكومة جديدة، بحسب رويترز.
والأحد الماضي، نظم آلاف التونسيين المعارضين لسيطرة سعيد بشكل شبه كامل على السلطة احتجاجا في العاصمة، في الوقت الذي انتشرت فيه الشرطة بشكل مكثف، في محاولة لمنعهم من التقدم على طول شارع الحبيب بورقيبة بوسط المدينة.
يقول ترجمان: “هذه المعارضة لا قيمة حقيقية لها على المستوى السياسي في تونس؛ هي معارضة تبحث عن استعادة ما خسرته لأنها كانت مستفيدة من حالة الفساد السياسي التي كانت تعيشها”، مشيرا إلى أن البرلمان السابق كان مثالا على ذلك، على حد قوله.
وأضاف “لم تستطع المعارضة، رغم كل التجييش الذي تقوم به في الداخل والخارج، أن تغير في الرأي العام في تونس”.
ويرد حسن قائلا إن “مواصلة الاحتجاجات السلمية لا تعني تعطيل المعالجات الحكومية بقدر ما تعني تمكين الحكومة من المناخ المناسب لضمان النجاح، ولا نعتقد أن الانفراد وخرق الدستور سوف يساعد على توفير هذا المناخ”.
وأشار إلى أن القوى السياسية الحزبية والمجتمعية المدنية حريصة على الخروج من الأزمة المركبة التي تعيشها البلاد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وترى ضرورة العودة للدستور والانطلاق من داخل الخيمة الدستورية للقيام بكل المطلوب وطنيا المعالجات.
وعن موقف النهضة من هذه الحكومة قال: “النهضة أكدت تمسكها بالعودة للدستور والشروع في حوار وطني شامل لطرح كل القضايا بأوسع مشاركة ممكنة، وهي مع الاحتجاجات السلمية الرافضة للانقلاب وفرض الأمر الواقع”.