بعد ضربة الليرة.. إلى أين تسير تركيا؟ وما سر إقالات المركزي؟

النشرة الدولية –

الحرة –

بحلول ليلة الخميس وقّع الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، مرسوما رئاسيا أقال بموجبه نائبي محافظ البنك المركزي، وعضوا آخر في لجنة السياسات النقدية، في قرار كان متوقعا لدى كثيرين، منذ مطلع العام الحالي، مع بقاء توقيته والإعلان عنه “رهن المفاجأة”.

وفي وقت تضاربت فيه أسباب إقالة هؤلاء، سجلت الليرة التركية انخفاضا جديدا في سوق العملات الأجنبية، واقتربت مع ساعات الصباح من قيمة 9.18 مقابل الدولار الأميركي، في تدهور قياسي لم يسبق أن بلغته في التاريخ.

ويتوقع اقتصاديون أتراك أن تلك القيمة قد لا تقف عند هذا الحد، وأن جميع المؤشرات تدل على استمرار انخفاض الليرة التركية، خاصة في ظل التمسك بسياسة خفض سعر الفائدة، فضلا عن سياسات تركيا الخارجية التي تنعكس أيضا على سعر الصرف، وهو ما بدا خلال اليومين الماضيين، بعد تلويح إردوغان بعملية عسكرية في الشمال السوري.

وتقول الحكومة التركية، منذ أشهر، إنها تتحرك بموجب سياسة اقتصادية جديدة، ترتكز على تخفيض سعر الفائدة من أجل محاربة التضخم الذي وصل إلى مستويات “خطيرة”.

وهذه السياسة بدت ملامحها أوضح بعد تعيين إردوغان لشهاب قافجي أوغلو محافظا جديدا للبنك المركزي، في مارس الماضي، في تغيير هو الرابع من نوعه في أقل من عامين، بعد سلسلة الإقالات التي طالت المحافظين القدامى، وهم: ناجي أغبال، مراد أويصال، مراد تيشتين قايا.

ما سر “إقالات المركزي”؟

الإقالات التي صدرت ليلة الخميس، أو التي سبقتها من جانب إردوغان، اقتصر إعلانها على مرسوم رئاسي نشر في الجريدة الرسمية فقط، دون الكشف عن الأسباب أو ربما “الأخطاء” التي ارتكبها هؤلاء.

ومنذ شهر مارس الماضي تشكل مشهد اقتصادي في البلاد مفاده أن البنك المركزي “فقد الاستقلالية” التي من المفترض أن يلتزم بها، لصالح السياسات التي تحددها رئاسة الجمهورية التركية.

وفي السابق كانت جميع أسباب مراسيم الإقالة التي أصدرها إردوغان مرتبطة برفع سعر الفائدة، واليوم يتحدث باحثون اقتصاديون ووسائل إعلام عن ذات الأمر في ما يخص الإقالات التي طالت نائبي شهاب قافجي أوغلو، وهما سميح تومان وأوغور نامق كوتشك.

واعتبرت أستاذة الاقتصاد في جامعة كوج التركية، سيلفا ديمرلاب، أن التغيرات المتكررة في الوظائف بالبنك المركزي ينظر إليها على أنها “ضربة إضافية للمصداقية”.

وتضيف: “هذا التصور يؤدي إلى الهروب من الليرة التركية”، مشيرة إلى أن “الأداة الرئيسية في السياسة النقدية هي المصداقية. إن الثقة التي توفرها هذه المصداقية هي التي تضمن استقرار الأسعار والاستقرار المالي”.

من جانبه يقول أستاذ الإدارة المالية في جامعة “باشاك شهير”، الدكتور فراس شعبو، إن “هناك خلافا ما بين رئاسة الجمهورية ومسؤولي البنك المركزي بشأن مسار سعر الفائدة في البلاد”.

ويضيف لموقع “الحرة”: “المركزي يريد رفع السعر أو تثبيته، بينما تريد الرئاسة خفضه من أجل تخفيض معدلات التضخم. تخفيض السعر الأخير من 19 بالمئة إلى 18 بالمئة فتح جروح الليرة التركية، وبدأت مسلسل التدهور الجديد الحاصل”.

وفي تعليقه على الإقالات التي طالت نائبي محافظ البنك، وقبل ذلك المحافظين، يوضح شعبو أن هذه التغيرات تدل على “عدم استقرار السياسة النقدية في البلاد، الأمر الذي يبعث بحالة عدم اطمئنان لدى المستثمرين”.

ويتابع الباحث الاقتصادي: “الظروف في تركيا بالنسبة للمستثمرين ورؤوس الأموال الساخنة غير جيدة لأن الرؤية النقدية متغيرة بلحظات”.

إلى أين تسير الأمور؟

خلال الأشهر الستة الماضية كانت الليرة في مرحلة استقرار، إذ بقي سعر الصرف يتراوح ما بين 8.4 و8.5 ليرة مقابل الدولار الواحد.

لكن، منذ أواخر سبتمبر الماضي، وحتى الآن، فُرض واقع مختلف، حيث كسر انخفاضها حاجز الـ9 ليرات مقابل الدولار، بسبب تطورات عدة، أولها خفض سعر الفائدة إلى 18 بالمئة، إلى جانب تهديدات إردوغان الأخيرة حول العملية العسكرية شمال سوريا، ووصولا إلى إقالة نائبي محافظ البنك المركزي.

وكانت العملة التركية عانت من “كدمات” خلال سنوات قليلة، حيث فقدت 59 في المئة من قيمتها مقابل الدولار منذ بداية عام 2018.

وعلى إثر ذلك سحب العديد من المستثمرين الأجانب أموالهم، ووفقا لبيانات البنك المركزي يملك المستثمرون الأجانب 6 مليارات دولار من السندات الحكومية في نهاية الربع الثاني من 2021، مقارنة بـ 61.5 مليار دولار في نفس الوقت في عام 2013.

ويقول فراس شعبو إنه رصد ظهر الخميس “حالة من الفوضى والخوف بين التجار في مدينة إسطنبول”، متوقعا أن يبقى هذا الشعور لفترة “حتى تهدأ الأمور”.

ويضيف: “كانت هناك دلائل في المرحلة السابقة على أن الليرة ستتجاوز حاجز الـ9، أتوقع أن تتدخل الحكومة التركية خلال أيام لتثبيت سعر الصرف”.

وفي المقابل لا يرى الباحث الاقتصادي، جلال بكار، أي مشكلة في التعارض القائم بين البنك المركزي وتوجهات الحكومة.

ويشير في تصريحات لموقع “الحرة” إلى أن “البنوك دائما ترجع بأصولها إلى البنك المركزي الأميركي، وهي نقطة ضعف بالنسبة للاقتصادات الناشئة، وبينها تركيا”.

هجوم المعارضة

من جانب آخر فقد فتح مرسوم الإقالة الذي أصدره إردوغان ليلة الخميس باب هجوم واسع من جانب أحزاب المعارضة التركية، وأيضا من قبل اقتصاديين، عبروا عن ذلك عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وقال كمال كلشدار أوغلو زعيم “حزب الشعب الجمهوري”: “إردوغان ورئيس البنك المركزي يتكاتفان ويفقران شعبنا. من الواضح أن هذه قسوة على الأمة. واسمحوا لي أيضا أن أقول إن مسؤولية رئيس البنك المركزي في هذه الخيانة تتزايد يوما بعد يوم”.

وإلى جانبه أضاف، أحمد داوود أوغلو، زعيم “حزب المستقبل” متسائلا: “هل تعتقد أن تغيير نائب محافظ البنك المركزي الذي عينته قبل خمسة أشهر سيحل (مشكلة) جهلك”؟

وتابع عبر “تويتر”: “هل ستدفع الأمة ثمن عدم معرفة العلاقة بين الفائدة وسعر الصرف والتضخم؟ يكفي، لا تظلموا مستقبل الأمة”.

بينما كتب زعيم “حزب الديمقراطية والتقدم”، علي باباجان، أن “المؤسسة التي كان يجب أن تكون مستقلة أصبحت لعبة في يد شخص واحد. أكرر اقتراحي: سيد إردوغان لا تهتم.. أحضره معك.. عيّن نفسك رئيسا للبنك المركزي، كما فعلت في صندوق الثروة”.

وفي غضون ذلك فتحت الخطوة التي أقدم عليها إردوغان باب نقاش وجدل واسعين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وكان ملاحظا منذ منتصف ليل الخميس تصدر وسم “#dolar” قائمة الترند التركي، على موقع التواصل “تويتر”.

ورصد موقع “الحرة” آراء لباحثي اقتصاد أتراك عبر مواقع التواصل الاجتماعي، انتقدوا خلالها مراسيم الإقالة، وحذروا من تدهور مزمن قد تقبل عليه الليرة التركية، في الأيام المقبلة.

ويقول الباحث عبد الرحمن يلدريم: “من اللافت للنظر أن مثل هذا التغيير حدث بعد قرار خفض سعر الفائدة بنقطة واحدة في 23 سبتمبر. إذا أوجدوا صوتا متصدعا في خفض سعر الفائدة وبالتالي تم استبعادهم”.

وتوقع يلدريم أن “يستمر خفض سعر الفائدة الأسبوع المقبل”، مشيرا إلى أن “هناك أسبوع واحد حتى اجتماع لجنة السياسة النقدية في 21 أكتوبر. عندما تنظر إلى ما يحدث في يوم واحد، يمكن أن تتصور ما يمكن أن يحدث في غضون أسبوع”.

بدوره يضيف الخبير الاقتصادي، إمره لافجي: “في البلدان العادية يشارك الحكام قراراتهم مع أسبابهم. كما يناقش الجمهور عواقب القرار. في تركيا هناك قرارات غريبة تتخذ دون أي تفسير”.

وطالب وزير الاقتصاد الأسبق في تركيا، إيشين جلبي، أن يكون البنك المركزي “مؤسسة مستقرة للغاية”.

وقال في تصريحات لصحيفة “دنيا”: “إن أهم قضية في ما يتعلق بالاقتصاد الكلي هي تجنب عدم اليقين وخلق بيئة موثوقة. من الخطورة جعل تغيير مهمة ما لعبة في تركيا”.

أما الخبير الاقتصادي، أوغور غورسيس فقد وصف البنك المركزي بـ”متجر للأواني الزجاجية في الدولة. عندما تدخل السياسة إلى هناك تصبح أموال هذا البلد محطمة ومنسكبة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button