نيويورك تايمز: تفاصيل “الاجتماع الأخير” قبل سيطرة الجيش السوداني على الحكم
النشرة الدولية –
الحرة –
قبل أيام من إطاحة قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان المدنيين، كان المبعوث الأميركي لمنطقة القرن الأفريقي جيفري فيلتمان يتنقل بين البرهان ورئيس الوزراء آنذاك عبد الله حمدوك، في محاولة لتفادي انهيار التحول الديمقراطي الهش في البلاد.
وتقول صحيفة نيويورك تايمز إن فيلتمان حاول، عبر سلسلة من الاجتماعات في العاصمة السودانية الخرطوم، نهاية الأسبوع الماضي، إلى تضييق الخلافات بين البرهان وحمدوك، إذ تقاسم الاثنان السلطة منذ الإطاحة بالرئيس السابق عمر حسن البشير عام 2019.
وفي وقت متأخر من الأحد الماضي، تحدث البرهان، في الاجتماع الأخير، عن ضرورة إقالة الحكومة السودانية واستبدالها بأخرى تكنوقراط، لكنه لم يشر إلى أنه يستعد للاستيلاء على السلطة. وعند وصوله قطر، أضاء هاتف فيلتمان ليشير إلى سيطرة الجيش على الحكم في السودان.
ونقلت رويترز عن دبلوماسي تم اطلاعه على ما دار في اجتماع فيلتمان الأخير مع البرهان، قوله إن فيلتمان مارس “ضغطا كبيرا على البرهان حتى لا ينفذ أي تحرك يستهدف مجلس الوزراء والعمل على التهدئة”.
غير أن الدبلوماسي قال إن البرهان تعرض أيضا لضغوط للتشدد مع المدنيين من فصائل في الجيش ومن نائبه في المجلس السيادي الذي يتولى توجيه الانتقال السياسي ومن قائد قوات الدعم السريع الذي يتمتع بنفوذ كبير، بحسب رويترز.
وقال الدبلوماسي: “خلال الاجتماع قرروا تنفيذ الخطة البديلة. وكانت هذه الفرصة الأخيرة لإقناع حمدوك بالمشاركة”.
والاثنين الماضي، قال نيد برايس، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية للصحفيين، إن فيلتمان لم يتلق أي معلومات مبكرة عن تدخل الجيش.
وأضاف “لم يكن ذلك شيئا أبلغنا أحد به مسبقا. ومن شأننا أن نوضح غاية الوضوح التداعيات الشديدة لأي خطوة من هذا النوع”.
وتنقل نيويورك تايمز عن نور الدين ساتي، سفير السودان في الولايات المتحدة: “لقد كذبوا عليه”، في إشارة إلى القيادة العسكرية لبلاده، مضيفا “هذا أمر خطير للغاية، لأنه عندما تكذب على الولايات المتحدة، عليك أن تدفع العواقب”.
والأسبوع الماضي، أعفى البرهان ستة سفراء من مناصبهم، ومن بينهم ساتي.
وقد ردت الولايات المتحدة على الانقلاب بالإدانة، وبقرار لتجميد صرف 700 مليون دولار مساعدات اقتصادية للسودان.
وتتوقع نيويورك تايمز ألا ينجح استيلاء البرهان على الحكم في ضوء المظاهرات الجماهيرية المقررة.
ويحشد أنصار الحكم المدني قواهم في الشارع، السبت، لإثبات قدرتهم على تحدي سيطرة قائد الجيش على الحكم، وإعادة البلاد إلى عملية التحول الديمقراطي، رغم القمع الدامي للاحتجاجات على مدى الأيام الخمسة الأخيرة.
وخلصت سلسلة من المقابلات، أجرتها نيويورك تايمز، مع محللين ومسؤولين أميركيين وسودانيين وأوروبيين، إلى أن الجيش السوداني أصبح محبطا من شركائه المدنيين، وكان عازما على الحفاظ على موقعه المتميز، وتجنب أي تحقيقات في شؤونه التجارية أو انتهاكات حقوق الإنسان خلال ثلاثة عقود من حكم البشير.
وفي نفس الوقت، انتقد البعض المعارضة المدنية لفشلها في تهدئة مخاوف الجنرالات من الملاحقة القضائية أثناء الانتقال إلى الديمقراطية، بينما قال مسؤول أميركي إن روسيا شجعت الانقلاب، على أمل الحصول على مزايا تجارية وميناء على البحر الأحمر، وفقا لنيويورك تايمز.
وفي هذا السياق، قال مصدران سودانيان رسميان لرويترز إن العسكريين سعوا قبل خطوتهم الأخيرة إلى الحصول على ضوء أخضر من موسكو، وحصلوا عليه، وذلك في محاولة لحماية أنفسهم من أي عقوبات قد يفرضها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
وكان الكرملين قد رد على خطوتهم بمطالبة جميع الأطراف بإبداء ضبط النفس، ودعوة السودانيين لحل الموقف بأنفسهم بأسرع ما يمكن ودون فقدان أي أرواح. لكنه لم يندد بالانقلاب.
وفي تقرير منفصل لرويتز، قال دبلوماسيون واثنان من مساعدي حمدوك إن الجيش كان يأمل حتى اللحظة الأخيرة في إقناع حمدوك بعزل أعضاء مجلس الوزراء، حتى يمكنه تشديد قبضته على عملية الانتقال، دون استخدام القوة، وفي الوقت نفسه الإبقاء عليه في منصبه. ورفض حمدوك التعاون مع الجيش.
بحسب صحيفة نيويورك تايمز، فإن القيادة المدنية في السودان، على مدار 18 شهرا على الأقل، كانت تعيش في خوف من انقلاب عسكري.
وفي نهاية الأسبوع الماضي، بينما كان المتظاهرون المؤيدون للجيش يخيمون خارج القصر الرئاسي، وأغلقت جماعة قبلية موالية للجيش المرفأ البحري الرئيسي في البلاد، بدا الأمر وشيكا.
وقد عطلت احتجاجات نظمتها هذه الجماعة الواردات الضرورية في ميناء بورسودان.
وبلغت الأمور ذروتها بعد 21 سبتمبر، عندما قالت السلطات إنها أحبطت مؤامرة انقلابية عزتها إلى فصائل عسكرية متمردة وموالين للبشير.
وفي 16 أكتوبر بدأت جماعات متمردة وأحزاب منحازة للجيش اعتصاما في الخرطوم لمطالبة الجيش بحل الحكومة. وردا على ذلك نظم معارضون لسيطرة الجيش على السلطة مظاهرات ضخمة في 21 أكتوبر.
وحوالي ظهر الاثنين الماضي، أعلن البرهان حالة الطوارئ، وحل الهيئات الحاكمة واللجان التي تدير النقابات العمالية في البلاد، واعتقل رئيس الوزراء، وحظر الإنترنت. بينما اعتقلت قوات الأمن كبار القادة المدنيين، وتعرض أحدهم على الأقل للضرب المبرح، وفقا لمسؤولين غربيين تحدثوا لنيويورك تايمز.
وفي اليوم التالي، قال البرهان للصحفيين إنه بحث مع فيلتمان الانقسامات السياسية التي تهدد أمن البلاد، وإنه عرض على حمدوك عدة خيارات لحل الأزمة.
وأدت قرارات البرهان إلى موجة من الاحتجاجات، وأثارت إدانة من القادة الإقليميين والعالميين الذين أصروا على ضرورة العودة إلى القيادة المدنية. لكن لا يبدو أن أيا من ذلك يخفف من عزيمة البرهان وحلفائه، حسبما تقول نيويورك تايمز.
وقال جهاد مشامون، الباحث والمحلل السوداني: “لقد عدنا إلى المربع الأول. البرهان وضع مرة أخرى الختم على هيمنة الجيش على الشؤون السودانية، وسيخرج الشعب لمواجهته”.
لم يكن البرهان (61 عاما) معروفا كثيرا قبل 2019، فقد صعد إلى السلطة عقب الاضطرابات التي أعقبت الانقلاب العسكري الذي أطاح البشير. كان يتولى منصب المفتش العام للقوات المسلحة، ولعب دورا في إرسال القوات السودانية، بما في ذلك الأطفال، للقتال في الحرب اليمنية، وفقا للصحيفة الأميركية.
كما عمل كقائد للجيش في دارفور، عندما قُتل 300 ألف شخص ونزح ملايين آخرون في القتال بين عامي 2003 و2008.