“الغزو الثقافي” الإيراني عبر نشر التشيع في المدارس السورية
منطقة السيدة زينب قبل عام 1976 لم يكن فيها أي مواطن معتنق للمذهب الشيعي بل كانت بلدة سنية خالصة
النشرة الدولية –
اندبندنت عربية – سوسن مهنا –
تُحكم إيران سيطرتها على النظام السوري منذ ما يقارب عشر سنوات، عبر الدعم المالي والعسكري واللوجستي. في المقابل فتح النظام أبواباً كثيرة لتسلل “القوة الناعمة” الإيرانية، أهمها السلك التعليمي، عبر قوانين أجازت لسلطات طهران إنشاء حوزات دينية في أنحاء سوريا، تركز على نشر المذهب الشيعي وتطوير وإنشاء المراكز التي تعرف باسم الحسينيات، ونشر اللغة الفارسية، وإنشاء المدراس التي تبث أفكار ولاية الفقيه. إيران التي انطلقت وطوال الحرب السورية من متلازمة أن أمن سوريا هو أمنها الخاص للمصالح الاستراتيجية بين البلدين، واجهت معضلة كيفية الاستمرار بعد أن هدأت وتيرة الحرب داخل سوريا.
لذلك بدأت بـ “غزوها الثقافي” عبر البحث عن منافذ تسرب من خلالها هيمنتها. فوجدت في النشء الجديد مجالاً واسعاً يعتمد على “غسل الأدمغة” وزرع أفكار وأيديولوجيات عفا عنها الزمن، وبذلك تضمن تجذرها في المجتمع السوري.
فرض تدريس “المذهب الجعفري”
وصل عدد المدارس التي دمرتها الحرب السورية إلى أكثر من أربعة آلاف مدرسة أي بنسبة 40 في المئة من إجمالي المدارس تقريباً.
استغلت إيران الأمر كعادتها ودخلت من باب التعليم الأساسي، وفرضت على وزارة الأوقاف السورية ومنذ عام 2014 المذهب الجعفري كأحد المذاهب الواجب تدريسها في المدارس السورية بهدف تشييع الأجيال الجديدة.
وكان صدر عن رئيس النظام السوري بشار الأسد مرسوماً في أكتوبر (تشرين الأول) 2014 يقضي بتدريس المذهب الشيعي الاثني عشري في المدارس السورية إلى جانب السني، إضافة إلى افتتاح أول مدرسة شيعية حكومية في البلاد تحت اسم “الرسول الكبير” في العام نفسه، ولها فروع في مدن سورية عدة.
ومع بدء عام 2020 وقع البلدان اتفاقية تعاون على صعيد التعليم وبناء وترميم المدارس، وصولاً إلى توقيع اتفاقية بين المؤسسة العامة للسينما السورية، والمنظمة السينمائية السمعية والبصرية في إيران.
وصدر عن وكالة الأنباء الرسمية السورية “سانا”، بتاريخ 22 يناير (كانون الثاني) 2020، “عقدت في العاصمة السورية دمشق مباحثات برئاسة وزير التربية عماد العزب ووزير التربية والتعليم الإيراني (آنذاك) محسن حاجي ميرزائي ركزت على سبل تطوير التعاون بين سوريا وإيران في المجال التربوي، لا سيما ترميم المدارس وطباعة الكتب وتطوير ودعم التعليم المهني والتقني”.
وبحسب الموقع الرسمي للحكومة الإيرانية قال رضا كريمي رئيس مركز الشؤون الدولية والمدارس في الخارج، “ميرزاني اقترح على العزب أن تقوم إيران بتعديل وطباعة المناهج الدراسية السورية، إضافة إلى نقل إيران تجاربها في مجالات التخطيط التربوي والمعدات التعليمية والكتب المدرسية والمحتوى التعليمي”، مشيراً إلى التقدم الجيد لإيران في بناء المدارس وإعادة تأهيلها.
واقترح ميرزاني على حكومة النظام السوري بناء إيران مجمعاً للعلوم والتكنولوجيا في سوريا، واعتبار اللغة الفارسية لغة ثانية واختيارية في الثانويات السورية، وإقامة دورات تأهيل للمعلمين السوريين في إيران وإجراء دورات تدريبية في مجال التخطيط والتقييم الأكاديمي.
وبالفعل تكفلت إيران من خلال هذه الاتفاقية بترميم ما يقارب الـ 250 مدرسة بتكلفة 12 مليار ليرة سورية (أي ما يعادل ثلاثة ملايين دولار تقريباً) في ظل عجز الحكومة السورية عن إعادة تأهيل تلك المدارس.
وتمكنت إيران من خلال هذه الاتفاقية أن تقوم بتعديل مناهج التعليم الدراسية السورية وطباعتها في إيران، وبناء مجمع للعلوم والتكنولوجيا في سوريا تابع لوزارة التربية والتعليم العالي الإيراني، وفرض اللغة الفارسية كلغة ثانية في الثانويات السورية، وإشراف جامعة “الشهيد رجائي” على دورات مكثفة لتمكين معلمي المدارس الثانوية الفنية المهنية والتعليم الفني، وإقامة مركز إيراني لتعليم الأطفال والمراهقين يقدم دورات في مجال المعلوماتية وأدب الأطفال والرسم والسينما ومسرح العرائس.
وكانت إيران قد أنشأت منذ عام 2016 “مكتب تنسيق” خاص بـ “المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية” في دمشق، الذي اعتبر غرفة عمليات لتحديد مسار الخطاب الديني في سوريا. وافتُتح في المنطقة الحرة في العاصمة السورية دمشق في 3 مارس (آذار) الحالي، مركز الإبداع والتكنولوجيا الإيراني، ليكون وسيطاً بين الشركات الإيرانية القائمة على المعرفة، بخاصة في مجال تكنولوجيا “النانو” والشركات السورية حسب بيان وكالة “سانا”.
الحوزة العلمية الزينبية
الحوزة العلمية الزينبية هي أول حوزة تأسست في سوريا، عام 1975 على يد حسن مهدي الشيرازي العراقي، إيراني الأصل، في بلدة السيدة زينب في ريف دمشق، لتصبح في ما بعد محطة لانطلاق التواجد الإيراني.
بعد نجاح الثورة الإيرانية عام 1979 دعمت إيران النشاط الشيعي في سوريا، وأنشأت حوزات جديدة حيث بلغ عددها في السيدة زينب 12 حوزة عام 2005، واستحدثت مديرية الحوزات العلمية في وزارة الأوقاف السورية بطلب إيراني، ومنحت هذه الحوزات حق استقدام من تشاء من الطلاب والكوادر إلى سوريا وتوطينهم فيها بحجة التعليم.
ومع اندلاع الحرب عام 2011، زادت إيران من نشاطها الديني مستغلة ظروف الحرب وتواجد ميليشياتها على الأرض فارتفع عدد الحوزات إلى 69 حوزة في عموم سوريا، إضافة إلى نحو 500 حسينية حتى منتصف عام 2019. وبتبعيتها لإيران فإن معظم الحوزات الشيعية غير مسجلة لدى وزارة الأوقاف السورية، وتتجاهل إدارتها القرارات التي أصدرتها الوزارة لإلزامها ذلك.
وكانت مجلة “تشرين” الأسبوعية في دمشق، أجرت تحقيقاً تحت عنوان “الحوزة العلمية الزينبية مشروع علمي ديني يهدف إلى تثقيف الجيل وتحصينه من الانحراف”، جاء فيه، “كان للعلاقة الطيبة للسيد الشهيد (الشيرازي) بالرئيس الراحل حافظ الأسد الأثر البارز في دعم مشروعه العلمي الديني، وإيصاله إلى مرحلة التنفيذ، فبدأت الحوزة تتسع من حيث التدريس واستحداث مراحل جديدة ضمت الطلبة المسلمين من مختلف الجنسيات إلى أن وصلت إلى مرحلتها القائمة الآن، حيث تعد إحدى أهم الحوزات العلمية في العالم الإسلامي اليوم”.
إضافة إلى بناء حوزات جديدة في محافظات أخرى، منها الحوزة الحيدرية والإمام الصادق والرسول الأعظم والإمام المهدي وحوزات علمية أخرى مستحدثة.
وتضم الحوزة الزينبية أقساماً عدة، وهي قسم الدراسة، ومكتب إدارة الحوزة العلمية، وقاعة كبيرة للمدرسين والدروس الحرة، ومكتبة عامة وهي أكبر مكتبة موجودة في السيدة زينب.
ويضم بناء الحوزة الزينبية حسينية رجال، وهي قاعة مخصصة لإقامة صلاة الجماعة، إضافة إلى خطبة الجمعة أسبوعياً وتعقد فيها الاحتفالات الدينية ومجالس الذكر والندوات والمحافل القرآنية، وقسم آخر هو حسينية للنساء تقام فيها دورات حوزوية ومجالس ومحاضرات إسلامية عامة في المناسبات الدينية.
ويحدد تقرير مجلة “تشرين” أهداف الحوزة، “إن الهدف الرئيس هو تربية كوادر دينية إسلامية حوزوية ونشرها في العالم الإسلامي، إضافة إلى تخريج أجيال من الخطباء والمبلغين والمرشدين لتعليم المفاهيم والأفكار الإسلامية الصحيحة لغير المسلمين، كذلك إحياء المراسيم الدينية الإسلامية في معظم أقطار العالم”.
يشار إلى أنه بحسب دراسة أعدها “معهد هادسون”، في يونيو (حزيران) من عام 2009 بعنوان “التحول الشيعي في سوريا”، تقول إن “منطقة السيدة زينب قبل عام 1976، لم يكن فيها أي مواطن من أصل البلدة معتنق للمذهب الشيعي، بل كانت بلدة سنية خالصة، ومن ثم بعد التأسيس للمقام والحوزات التابعة له، بدأت هجرة مكثفة من شيعة العراق وإيران، حتى صارت المنطقة شيعية بالكامل. وبعد عام 2012 هُجرت العائلات السنية كلها المتبقية في منطقة السيدة زينب من قبل الميليشيات الشيعية متعددة الجنسيات “إيران، والعراق، ولبنان، وسوريا، وأفغانستان، باكستان… إلخ. إضافة إلى زيادة عدد الحجاج الإيرانيين لزيارة مقام السيدة زينب من 27 ألف عام 1978 إلى 290 ألف عام 2003، وتضاعفت النسبة في الأعوام التالية، حتى وصلت إلى مليون ونصف مليون في السنوات الأخيرة”.
ومن الأساليب التي تعتمدها إيران أيضاً للتسلل إلى المجتمع السوري، المنظمات الخيرية مثل منظمة “جهاد البناء”.
كشافة المهدي
وبحسب موقع “Iranwire” قبل الثورة السورية، كانت هناك أكثر من 40 مدرسة إيرانية خاصة في دمشق وحدها، منتشرة في مناطق التجمعات الشيعية، وشملت هذه المدارس حوالى عشر مدارس ثانوية تابعة لوزارة الأوقاف الدينية معترف بها من قبل وزارة التربية والتعليم في دمشق وحلب واللاذقية وإدلب ودير الزور، وأشهرها مدرسة المحسنية التي يشرف عليها عبدالله نزام، وتقوم المدرسة بوعظ الطلاب السنة وتوفر التسهيلات المالية لأولئك الذين يتحولون إلى المذهب الشيعي.
وتقوم الهيئة الاستشارية الثقافية الإيرانية في دمشق وفروعها في باقي المدن السورية، بنشاط كبير في تعليم اللغة الفارسية، فقد بلغ عدد دورات اللغة الفارسية في مقر الهيئة في دمشق 100 دورة، وفي مركز اللاذقية 52 دورة.
وفي محاولة للسيطرة على تفكير الطلاب والأطفال، تم إنشاء كشافة المهدي في 2014، وهي تابعة لجمعية الإمام المهدي في مدينة السيدة زينب، وتتركز أغلب مبادئها على غرس المفاهيم الثقافية والدينية وعبارات الثورة الإيرانية في أذهان الأطفال. وأكد الموقع الإيراني المعارض أن هذه الكشافة يتم تمويلها من قبل المركز الاستشاري الثقافي في دمشق، الذي يمتلك بدوره جمعية الفرات للسلام والوئام الاجتماعي.
وأضاف أن أنشطة كشافة المهدي تشمل العروض التقديمية، وكذلك الرحلات الترفيهية والاجتماعية ظاهرياً، إلا أن أنشطتها الفعلية غير عادية إلى حد ما وغير تقليدية بالنسبة إلى الأطفال، وتشبه إلى حد كبير غسل الدماغ المنظم، بما في ذلك تعزيز أهمية الانتقام للحسين، وارتداء الملابس العسكرية، وممارسة الرياضة التي تشبه التدريبات العسكرية. وفي ضوء الأنشطة الاجتماعية والثقافية الشيعية التي تقوم بها هذه المراكز، مع الدعم المالي، تحول نحو 7500 شخص من جنوب وشرق سوريا إلى المذهب الشيعي بنهاية عام 2019، وفقاً لـ “المرصد السوري لحقوق الإنسان”.
ويتلقى جميع الذين نقلوا مذهبهم رواتب شهرية تختلف من منطقة إلى أخرى، إضافة إلى الغذاء والمعيشة واللوازم التعليمية.
نفقات إيران في تعليم المواطنين السوريين
في دراسة أجراها “المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية” البريطاني، فبراير (شباط) 2020، تحت عنوان “شبكات التسلل الإيرانية في الشرق الأوسط”، ورد فيها “في الوقت الذي يموت فيه الشعب الإيراني من الجوع والفقر، وهذا ما أكدته أخيراً موجة الاحتجاجات في طهران وعديد من المدن الأخرى، تسعى الحكومة الإيرانية إلى مد يد العون، للنظام السوري لضمان بقائه”.
وكشفت الدراسة أن إيران تولي أهمية عسكرية واستراتيجية لميليشياتها المنتشرة في المنطقة وفي سوريا بخاصة، أكثر من اهتمامها ببرامج الصواريخ والنووي. وأضافت أن إيران استغلت كل قدراتها المالية والعسكرية لحماية رأس النظام بشار الأسد، ولتنفيذ الاتفاقيات التي تضمن مصالحها في سوريا لعقود مقبلة، وتوسع نطاق الدعم الإيراني من الدعم الاستشاري إلى المالي والعسكري.
وبينت أن حجم إنفاق إيران على أنشطة ميليشياتها في سوريا والعراق واليمن بحوالى 16 مليار دولار سنوياً، بينما ينفق النظام الإيراني حوالى 700 مليون دولار سنوياً على ميليشيات “حزب الله” في لبنان. ووفقاً لمسؤولين إيرانيين، أنفقت طهران مبالغ هائلة في سوريا، تصل إلى أكثر من 48 مليار دولار، وفقاً لموقع ومجلة السياسة الخارجية.
كما كشفت جيسي شاهين، المتحدثة باسم المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، أن تقديرات الأمم المتحدة بشأن متوسط الإنفاق الإيراني في سوريا يبلغ 6 مليارات دولار سنوياً.
وهذا يعني أن إيران ساعدت النظام السوري بمبلغ يعادل نصف ميزانية دعم الأسعار الداخلية سنوياً، إذا أنفقت إيران هذا المبلغ سنوياً على مدار 8 سنوات من الحرب السورية، فإن هذا يعني أنها أنفقت 48 مليار دولار، أي 4 أضعاف ميزانية الدفاع السنوية.
وهذا ما دفع بالنائب وعضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، حشمت الله فلاحت بيشة، إلى الدعوة لاستعادة أموال إيران من سوريا التي تبلغ 30 إلى 20 مليار دولار على حد قوله. وهذا ليس بعيداً عن ما نادى به المحتجون الإيرانيون “اتركوا سوريا واهتموا بنا” عندما نزلوا إلى الشوارع عام 2017.
الصعيد الإعلامي
تعمل إيران على تعزيز حضورها في المشهد الإعلامي والثقافي السوري عبر مشاريع إعلامية تحضر لها في الفترة المقبلة لنشر “المحتوى الديني الإيراني” في البلاد.
وكشف الرئيس التنفيذي لـ “اتحاد إنتاج ونشر المحتوى في الفضاء الإلكتروني” الإيراني سعيد مشهدي، افتتاح مكتب للتقنيات الإيرانية في سوريا، فبراير 2021، الذي سيبث عبره “المحتوى الديني الإيراني”، مضيفاً في تصريحات لقناة “إيكنا” الدينية الإيرانية أن شركات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تعاونت مع نائب الرئيس للعمليات والتكنولوجيا، سورنا ساتاري، خلال زيارته لسوريا، الذي افتتح مركزاً للتقنيات الإيرانية في البلاد.
وافتتحت طهران عام 2017 قناة “العالم سوريا” كامتداد لقناة “العالم” الإيرانية، وقنوات إيرانية أو موالية لإيران، في العراق ولبنان من بينها “الميادين”، و”المنار” التابعة لـ”حزب الله”. كما دربت إيران ناشطين وصحافيين موالين للنظام طوال سنوات الحرب السورية، وأشرفت على إطلاق مشاريع موالية لها ضمن مواقع التواصل الاجتماعي السورية. وعلق مشهدي بأن العمل في سوريا قد يوفر العمل “أساساً للتواصل مع الجماهير الناطقة باللغة العربية في البلدان الأخرى”، موضحاً أنهم إذا أسسوا منصات مناسبة باللغة العربية في بلد يتحدث العربية، ستكون “أرضية دخولنا إلى المجتمع الناطق بالعربية في العالم”. ويتماشى ذلك إلى حد كبير مع مبدأ تصدير الثورة الإيرانية السائد في السياسة الإيرانية منذ عام 1979.
وحاولت اندبندنت عربية الحصول على رد من المستشارية الثقافية الإيرانية في دمشق ولم يردها رد بشأن اتهامات المحاولة لنشر المذهب الشيعي والترويج لمبادئ ثقافية تتفق مع توجهات النظام الإيراني.